الجمعة 31 آب (أغسطس) 2012

مصر .. تحركات خارجية ومشهد داخلي ملتبس

الجمعة 31 آب (أغسطس) 2012

على وقع مشهد داخلي لا يزال ملتبساً ولم تتثبت ملامحه ودعائمه بعد، تأتي زيارات الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي لعدد من الدول، ومن قبلها لقاءاته بالقاهرة مع مسؤولين بدول ومنظمات دولية، في ما يبدو أنه محاولة رئاسية لتشكيل توجهات القاهرة نحو محيطها الإقليمي والدولي، وهي التوجهات التي حال الانشغال بالمشهد الداخلي دون تحديد ملامحها خلال الفترة الماضية.

أولى الانطلاقات نحو الملف الخارجي بدأت من القاهرة، حيث لقاء الرئيس محمد مرسي ورئيس حكومته هشام قنديل بمديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد خلال الأسبوع الماضي، والإعلان عن طلب مصر قرضاً من الصندوق بقيمة 4.8 مليار دولار، وهو الطلب الذي قوبل برفض بين عدد كبير من الحركات والائتلافات السياسية والثورية وتحذيرات من الاشتراطات المجحفة التي يضعها الصندوق للموافقة على منح القاهرة القرض المطلوب، وما يمكن أن يؤدي إليه القبول بتلك الاشتراطات من رهن القرار المصري بإرادات دول ومؤسسات أجنبية، فضلاً عما يمثله ذلك بحسب تحفظات التيار الشعبي على القرض من استمرار للنهج نفسه والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي كان يتبناها النظام السابق، والتي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأغلبية أبناء الشعب المصري على مدى العقود الثلاثة الماضية، وانتهت به إلى الثورة على النظام السابق في 25 يناير والإطاحة به.

مباحثات كبار المسؤولين المصريين مع مديرة صندوق النقد الدولي دفعت العديد من القوى والأحزاب السياسية إلى التساؤل عن التعهدات التي قطعها الرئيس مرسي بالسعي لتطبيق برنامج اقتصادي قال في حملته الرئاسية إنه سيوفر ما يقرب من 200 مليار دولار استثمارات أجنبية، فيما دعت القوى السياسية الحكومة إلى تبني سياسات اقتصادية جديدة، والالتفات لأهمية إصلاح منظومة الدعم لضمان وصوله بالفعل لمستحقيه وعدم إهداره خاصة في مجالات مثل الطاقة، وإصلاح الهيكل الضريبي لضمان نظام ضريبي عادل، كما دعت إلى إطلاق حوار وطني حقيقي حول مستقبل الاقتصاد المصري، خاصة مع طرح نشطاء وخبراء مصريين بدائل جادة وعلمية تسهم في حل مشكلات الاقتصاد الوطني.

[rouge]القاهرة بكين .. الاتجاه شرقاً[/rouge]

من القاهرة إلى العاصمة الصينية بكين جاءت محطة التماس المصرية الثانية مع الخارج، وهي زيارة حظيت باهتمام كبير في مصر وخارجها، وقرأها محللون على أنها توجيه للبوصلة المصرية نحو الشرق، فيما رأى فيها البعض الآخر زيارة اقتصادية خالصة، وإن لم تخل من تقاطعات سياسية خاصة في ما يتعلق بموقف البلدين من ملف الأزمة السورية، والواقع أنها لا يمكن إلا أن تكون خليطاً من فوائد اقتصادية وطموحات سياسية للبلدين، فالصين لديها استثمارات في مختلف أنحاء القارة الإفريقية، وتكاد تسيطر وحدها على أسواق دول كالسودان، متخطية بذلك النفوذ التقليدي للقوى الكبرى الأخرى كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وتمثل مصر بالنسبة للصين استمراراً لهذا الانتشار الاقتصادي، وعلى المدى الأبعد ركيزة لانطلاق نفوذ سياسي في المنطقة لما تحظى به القاهرة من مكانة خاصة على خريطتها.

بين مصر والصين سابقة سعي إلى التعاون أهدرها النظام السابق، حين جرى الاتفاق في عام 1997 على إقامة منطقة صناعية صينية مصرية مشتركة في منطقة غرب السويس الصناعية، وتحويل تلك المنطقة إلى مدينة كبرى لتجميع الصناعات المتقدمة تكنولوجياً، تصبح في ما بعد محطة ترانزيت بين الشرق بداية من الصين والهند وإندونيسيا وماليزيا جنوباً، ومنها إلى قناة السويس أو الإسكندرية لغرب أوروبا وإفريقيا، وانطلاقاً من هذا المشروع وكما يرصد خبراء خرجت فكرة التوقيع على اتفاق للتعاون الاستراتيجي بين مصر والصين منذ 12 عاماً، ليشمل مجالات التصنيع والزراعة والتسليح وغيره، وهو الاتفاق الذي دفن قبل تفعيله، مع سيطرة رجالات النظام السابق على الأراضي التي كانت مخصصة لتنفيذ الاتفاق على أرض الواقع، لتبقى الاستثمارات الصينية في مصر بعدها في حدود ضيقة، في الوقت الذي تصل فيه دائرة التعاون بين الصين والكيان الصهيوني في المجالات فائقة التكنولوجيا إلى نحو 5 مليارات دولار سنوياً.

في الجانب السياسي الذي لا تغفله عين مراقب، تحتاج مصر الجديدة إلى أن يكون في جعبتها دعم دولة بحجم الصين، حين تخوض مفاوضات للحصول على دعم تكتلات وقوى أخرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما تحتاج مصر إلى علاقات قوية وثابتة مع الصين التي تحظى بتأثير قوي لدى دول حوض النيل، بل وتقوم على مشروعات إنشاء السدود التي تخشى مصر من تأثيرها في حصتها في مياه النيل، وفي المقابل فإن الصين تريد المزيد من الوجود في إفريقيا والشرق الأوسط، خاصة أن بعضاً من مناطق الوجود القوي لها في المنطقة كليبيا وسوريا تواجه شبح الزوال بنفوذ «الناتو» في الأولى، وتصاعد الأزمة في الثانية.

[rouge]مصر وإيران .. تطلعات وتحفظات[/rouge]

المحطة الثالثة في ملف الاهتمامات المصرية بالخارج تتمثل في زيارة الرئيس مرسي لدولة إيران لحضور قمة دول عدم الانحياز، وهي زيارة ثار حولها الكثير من الجدل، ورأتها دوائر إعلامية وسياسية خارجية مؤشراً لاتجاه جديد لسياسة مصر الخارجية، خاصة أن زيارة مرسي لطهران هي الأولى لرئيس مصري منذ منتصف عام 1979 حين جرى قطع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران على خلفية استضافة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي بعد قيام الثورة الإسلامية في طهران، وما أعقب ذلك من توقيع مصر على «اتفاقية السلام» مع «إسرائيل».

في ظاهر الزيارة هي بروتوكولية لتسليم رئاسة منظمة عدم الانحياز من الرئيس المصري لنظيره الإيراني، وفي باطنها الكثير من الأهداف للجانبين، وحولها الكثير من التحفظات، خاصة في الجانب المصري، فطهران رحبت بنتائج الانتخابات الرئاسية المصرية التي حملت المرشح الإخواني محمد مرسي إلى سدة الحكم في القاهرة، وتعاملت مع تلك النتيجة على أنها انتصار لـ«الصحوة الإسلامية» في مصر، وطهران تسعى وبشكل معلن إلى استعادة كامل علاقاتها مع القاهرة، وتتطلع إلى اللحظة التي تستجيب فيها الأخيرة لذلك، وأن يتم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفارة، بديلاً للتمثيل الحالي الذي يكتفي بمكتب لرعاية المصالح في كل من عاصمتي البلدين، لكنها تدرك والقاهرة أيضاً أن زيارة الساعات القليلة لمرسي للعاصمة الإيرانية لا تعني إطلاقاً استعادة العلاقات كاملة، وإن كانت خطوة علي الطريق. القاهرة تدرك بدورها أن الطرق على أبواب طهران يثير قلقاً واسعاً لدى الولايات المتحدة و«إسرائيل»، ويحتاج النظام الجديد في مصر إلى مزيد من دعم الأولى، فيما لا يمانع في أن يظهر بمظهر من يناور الثانية ويضغط عليها بعلاقات مع دول بينها وبين «تل أبيب» عداء معلن، لكن النظام الحاكم في مصر يدرك أيضاً أن التحفظات على تفعيل العلاقات بين القاهرة وطهران لا تتوقف عند واشنطن وتل أبيب، لكنها تمتد إلي معارضة القوى السلفية في مصر حليفة جماعة «الإخوان المسلمين» لعودة هذه العلاقات، ورفضها لذلك بشكل معلن، و«جماعة الإخوان» في الوقت الراهن لا تستطيع الإقدام على خطوة يمكن أن تقود لهدم تحالفها مع السلفيين، خاصة أن علاقاتها الجماعة تزداد تدهوراً وسوءً يوماً بعد الآخر مع القوى المدنية الليبرالية واليسارية والقومية على الساحة المصرية، في وقت تترقب فيه البلاد إجراء استفتاء شعبي على الدستور الجديد وبعده انتخابات برلمانية لاختيار نواب مجلس الشعب الجديد.

القاهرة تدرك أيضاً أن هناك ملفات لا تزال عالقة بين مصر وإيران وأولها علاقة الجمهورية الإسلامية بدول الخليج العربي، والدعم الإيراني للنظام السوري في قمعه لمعارضيه، وبينهم «جماعة الإخوان» بسوريا، وفي الملف الأول يعتقد مستشارون للرئيس المصري وبحسب مصادر أن القاهرة يمكنها أن تلعب دوراً في التقريب بين طهران وعواصم الخليج، خاصة أن القاهرة تضع العلاقات مع دول الخليج العربي على رأس أولويات سياستها الخارجية، فيما طرحت مصر لمعالجة الملف الثاني تشكيل لجنة رباعية تضم مصر والسعودية وإيران وتركيا، ليبقى أن إقدام الرئاسة المصرية على الدفع بتغيير ديناميكي كبير في العلاقات مع إيران غير وارد في المرحلة الراهنة، وإن كان التغيير سيكون في نهاية عصر التصريحات العدائية المتبادلة بين مسؤولي البلدين، والتي كانت السمة السائدة في علاقات البلدين في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

[rouge]مصر وإفريقيا .. بطء غير مبرر [/rouge]

في مقدمة الملفات التي كان يتوقع للسياسة الخارجية المصرية أن توليها بالغ الاهتمام بعد انتخاب رئيس جديد ملف العلاقات مع محيط مصر الإفريقي، وخاصة مع دول منطقة حوض النيل، وعلى الرغم من مشاركة مصر بوفد رئاسي في قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤخراً، ولقاء الرئيس مرسي بعدد من الرؤساء والقادة الأفارقة علي هامش القمة، إلا أن ملف العلاقات مع القارة السمراء لا يزال رهناً للتصريحات الدبلوماسية بين الحين والآخر من دون تفعيل على أرض الواقع، وهو ما بدا بشكل خاص في العلاقة بين القاهرة والخرطوم التي تعد الحليف الإفريقي الأول لمصر، حيث لا تزال مشروعات التعاون والتكامل بين البلدين تعاني بطء التنفيذ من دون مبرر، خاصة أن البلدين يدركان حاجتهما الماسة إلى تسريع وتيرة تلك العلاقات.

ويأتي الحديث عن قرب افتتاح الطريق البري الكبير بين مصر والسودان ليجدد التطلعات إلى نقل مستقبل العلاقات المصرية السودانية إلى أبعاد جديدة على المستوى الاقتصادي، فيما يحتاج البلدان إلى إعادة ترتيب أوراقهما والاستعداد لخوض جولة يبدو أنها ستكون الأخيرة والأكثر مشقة نحو حل الأزمة مع دول حوض النيل بشأن اتفاقية تقسيم مياه النيل، التي أمهلت دول الحوض مصر حتى انتخاب حكومة جديدة للبحث في مصيرها بين دخولها حيز التنفيذ أو التوصل إلى تعديلات تحفظ لمصر والسودان حقوقهما التاريخية في مياه النيل.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : تحقيق سياسي | جريدة «الخليج» الإماراتية | القاهرة.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40