الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012

القرض و«مشروع النهضة» ومسلّمات أخرى

الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012 par د. أمينة أبو شهاب

كان أول وأهم ما تقدمه حكومة الرئيس محمد مرسي على المستوى الداخلي في مصر، هو الإعلان عن موافقة صندوق النقد الدولي على طلب هذه الحكومة لقرض يبلغ أربعة مليارات وثمانمائة مليون دولار، وقد ظهرت هذه الموافقة في صورة باسمة جمعت بين الرئيس مرسي وكريستين لاغارد مديرة الصندوق. ويناقض هذا القرض أموراً ومسلمات عديدة أسرد أهمها في السطور التالية:

أولاً: يناقض القرض، بل ينفي في الحقيقة «مشروع النهضة» كحل اقتصادي إسلامي تنموي مستقل طرحه الأخوان المسلمون كبرنامج اشتغلوا عليه طويلاً، كما قالوا، وبه ينهضون بالمجتمعات الإسلامية. لقد كان مشروع «النهضة» هو البرنامج الانتخابي عينه للدكتور محمد مرسي، وتحدث عنه في كل مؤتمر انتخابي أقامه في ربوع مصر، وانتخب وفاز على أساسه، وأنه سيقوم بتطبيقه حال استلامه للحكم. لقد سمع الشعب المصري من قيادات الأخوان تأكيدات أثناء السباق الانتخابي أن المشروع كامل متكامل، وجاهز للتطبيق، ولطالما تردد على ألسنة أولئك القادة أن مبلغ 200 مليار جنيه سيتم توفيره لتنفيذ المشروع من خلال تجار ورأسماليين إسلاميين في مصر وخارجها، كما تردد كذلك، كوعد انتخابي من الأخوان، أن ثلاثة ملايين مصري سيتم توظيفهم كل عام من خلال مشروع «النهضة». كان المتحدث الرسمي لمشروع النهضة وصاحبه الأصلي هو المهندس خيرت الشاطر الملقب في ظل كثافة الحملة الإعلامية الاخوانية للمشروع بـ«يوسف العصر»، نسبة إلى النبي يوسف عليه السلام، ودوره في إصلاح الاقتصاد الزراعي لمصر قديماً. قبل مرسي، كان الشاطر قد بنى حملته الانتخابية التي لم تستمر طويلاً على مشروع النهضة متحدثاً عنه في ندوات تلفزيونية عديدة لعل أشهرها حديثه المطول مع «قناة الجزيرة».

قبل أيام قليلة كشف خيرت الشاطر في حديث تناقلته وسائل الإعلام المصرية مكتوباً وبالصوت والصورة كذلك، أن المشروع لا وجود له كبرنامج اقتصادي، وأنه مجرد أفكار بحاجة للتبلور في شكل نهائي بعد مناقشتها مع الخبراء، وقال الشاطر، إن الإعلام هو المسؤول عن سوء الفهم حول مشروع النهضة، وهذه هي كلماته كما نقلت وسائل الإعلام المصرية بعض أجزائها: «يعني إحنا لما بنتكلم عن مشروع النهضة، الإعلام بيتعامل مع الموضوع بطريقة غلط، إحنا ما بنقولش مشروع النهضة، إننا عندنا برنامج واضح محدد نهائي هنفرضه على الناس، ده كلام ما بينفعش، إنما إحنا بنجهز مشروع مبدئي مقترح عشان يتعمل حواليه حوار بين كل النخب والقوى السياسية في مصر والمتخصصين في المجالات المختلفة». هكذا كان المصريون أو من اطلع منهم على حديث الشاطر سيصدمون بعدم وجود مشروع النهضة، وأنه كان مجرد أفكار أولية، وأن ما تم وعد الناخب به لم يكن دقيقاً، أو بالأحرى صادقاً.

وحتى بافتراض أن «مشروع النهضة» هو مجرد أفكار أولية، فهل يتصالح في تصوراته الإسلامية مع طلب قروض من مؤسسات عالمية مثل بنك النقد الدولي معروفة بسياساتها التي ترهن الدول المستدينة بشروطها وتدخلها في القرارات الاقتصادية وفي شكل الاقتصاد بشكل عام، كما تزيد عبء مصر من الدين الخارجي، هذا إلى مواصلة السياسة القديمة نفسها، وهي الارتهان للخارج بسبب المعونات وتسهيل الحصول على القروض من نوع هذا القرض.

لقد تمخض مشروع النهضة الذي كان سيفكك حبال ارتهانات مصر بالخارج بسبب الحاجة الاقتصادية عن هذا الإعلان المبتسم بموافقة كريستين لاغارد على القرض، ونسي الأخوان أنهم كانوا يردون على من كان يتساءل عن حقيقة «مشروع النهضة» بأنهم لا يريدون الخير لمصر ولا يريدون لمصر أن تنهض بسبب مشروعهم الذي حملوه معهم ثمانين عاماً. وليست المسألة أن الاخوان لا يمتلكون بديلاً اقتصادياً لمنهجية نظام مبارك فيما يتعلق بالاقتصاد، كما يثبت الآن من تبخر مشروع النهضة فحسب، وإنما هم كذلك لا يمتلكون الخبرات والكوادر التي تحمل مسؤولية إدارة الاقتصاد والحكومة بشكل عام. يوجد في حكومة الدكتور مرسي ثمانية وزراء ممن كانوا أعضاء في أمانة سياسات جمال مبارك، أما وزير المالية الحالي فهو كان من تولى المنصب نفسه في حكومة الجنزوري.

ثانياً: يتناقض طلب القرض من حكومة الدكتور مرسي بشكل صارخ وحاد مع الأيديولوجية التي ظل الاخوان يرفعونها شعارات ومع الأسس العقائدية التي ينتسبون إليها إسلامياً، ألا وهي مبادئ حرمة القروض الربوية. ومع احتلال هذه المسألة أهمية كبرى في المعتقد الإسلامي، وفي فقه المعاملات، إلا أن المسألة تم التقليل من أهميتها وتبعاتها الدينية في إعلام الاخوان وجماعات الإسلام السياسي، وهذا التوجه يحمل مؤشراً بحد ذاته على تحول سياسي وأيديولوجي لدى هذه المسألة. الملاحظ أن الأخوان في رفضهم طلب الحكومتين السابقتين قروضاً من صندوق النقد الدولي، وهما حكومتا عصام شرف وكمال الجنزوري لم يبنوا هذا الرفض على أسس دينية عقائدية، قائلين إنهم لا يرفضون القرض «من حيث المبدأ»، بما يفسر بشكل واضح التخلي عن الالتزام العقائدي في هذا الشأن. بدل المسألة المبدئية، علل الأخوان رفضهم وقتها بعدم توافر شروط إدارية واقتصادية تحدث عنها القيادي سعد الحسيني كما في تصريح له لـ«رويترز» بتاريخ 9 مارس/آذار 2012، وأول هذه الشروط هو أن تستنفد الحكومة كل السبل الأخرى لتعزيز إيراداتها من مثل بيع الأراضي للمصريين في الخارج، وبيع السندات الإسلامية وتقليل الدعم للصناعة المعتمدة على الطاقة الكثيفة.

ففي الموقف الأيديولوجي يتكرر أيضاً في البيانات الصادرة عن حزب الحرية والعدالة بعد الإعلان من قبل الحكومة عن الصفقة مع بنك النقد الدولي، إذ يصرح على سبيل المثال، الدكتور محمد جودة، مسؤول الملف الاقتصادي في حزب الحرية والعدالة، أن الحزب لا يرفض التعامل مع بنك النقد الدولي، نافياً بذلك الموقف المبدئي أو الأيديولوجي أو العقائدي. وإن كانت هذه ملاحظة أولى حول الأيديولوجيا والتنصل من الالتزام بها في قضية محورية في برامج الأخوان المسلمين السياسية، فإن النقطة الثانية في هذا السياق الأيديولوجي هي تبرير نهج اقتصادي ظل الأخوان يختلفون معه طويلاً ويتخذون منه سبباً لمعارضتهم للنظام وهو النهج الاقتراضي المحرم شرعاً، وهنا توظيف الإسلام ليتماشى مع النهج الجديد وتأويل النص الديني ليمر من خلاله القرض كي يكون حلالاً، وذلك بالقول إن مفهوم الضرورات تبيح المحظورات هو الباب الشرعي للموافقة الدينية على القرض.

الرأي الأغلب السائد في الإعلام الديني في مصر هو جواز قرض صندوق النقد الدولي للبلاد، غير أنه وكما في كل الفتاوى والإجراءات السياسية التي تشكل تناقضاً مع النص الديني أو التفافاً حول صريحه من أحكام، فإن آراء دينية أيضاً تعبّر عن نفسها بالاختلاف، وهذا ما يحدث على الساحة المصرية في خضم الجدل حول القرض. وليس مستغرباً ظهور الصوت المعارض من وسط الأخوان أنفسهم، ناهيك عن إسلاميين آخرين من السلف وغيرهم. ومن غير المستبعد أن يشكل هذا الصوت المعارض خط رجعة مستقبلياً لمتخذي القرار في الحكومة المصرية، وخاصة باحتدام الجدل حول القرض وظهور حقائق لا تزال خفية ولم تعلن عن شروطه وعن تحكم صندوق النقد بمفاصل في السياسة الاقتصادية المصرية في المستقبل قد لا تقوى حكومة مرسي على مواجهة تبعاتها الشعبية.

ثالثاً: يتناقض القرض وفرضه على مصر من قبل حكومة مرسي مع خطاب «الثورة»، وكون الاخوان هم ممثلوها والحاكمون باسمها، وباسم الإرادة الشعبية وباسم الديمقراطية كذلك. لقد كشف القرض انعدام البديل أو الحل «الثوري» لأزمات مصر الاقتصادية، وأن أجندة الاخوان المسلمين تخلو من برامج للعدالة الاجتماعية، وأنها تعزز الاستيراد وتقرب إليها رجال الأعمال، لا فرق في ذلك بينها وبين النظام السابق في شيء، أما عن الديمقراطية والشفافية، فالقرض يحكي الكثير من خلال التكتم حوله وعدم إعلان كيفية صرفه وكيفية سداده وشروطه وقيوده وكلفته السياسية. كل ما هنالك هو التطبيل له وتمريره بالفتاوى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178063

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178063 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40