الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012

تراجع النفوذ الأميركي.. لا يكفي

الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2012 par الياس سحاب

ليس هناك أدنى شك في أن الهجمة الإمبراطورية الأميركية على كل من أفغانستان، (بعد تفجير برجي نيويورك)، والعراق بحجة القضاء على أسلحة دمار شامل وهمية، قيل ان نظام صدام حسين يمتلكها، قد تمت بغض النظر عن كل الحجج الإعلامية التي غطت انطلاقها، والتي ثبت كذبها وبهتانها، بغرض واضح، هو وجود قرار لدى الدوائر العليا في الإدارة الأميركية، باستخدام القوة العسكرية الأميركية استخداماً مباشراً لقلب الأوضاع رأساً على عقب في مناطق امتداد النفوذ الإمبراطوري الأميركي، في الشرق الأقصى وجوار الجمهوريات الإسلامية التي خرجت من إطار الاتحاد السوفياتي المفكك (الهجوم على أفغانستان) والشرق الأدنى والأوسط (الهجوم على العراق).

ومع استمرار الدوائر الأميركية الديبلوماسية في إتباع سياسة التغطية الإعلامية لهذه الإستراتيجية المعتمدة على التدخل العسكري الأميركي المباشر، في إتباع سياسة التمويه والخداع، واختلاق الحجج المكشوفة، فإن هذه الدوائر لم تعدم بين الحين والآخر، ظهور نوبة من الصراحة والاستعلاء الاستعماري القبيح، تجتاح أحد مسؤولي هذه الإدارة (خاصة منصب وزارة الخارجية الأميركية) فلا يطيق صبراً على سياسة الكذب والدجل والتمويه، بل يمضي شارحاً الأهداف الاستعمارية الأميركية، بصراحة لا تخجل من اختراق حدود الوقاحة أحياناً، عندما تحولت الإستراتيجية الأميركية من مرحلة التدخل العسكري الأميركي المباشر (كما في أفغانستان والعراق) الى مرحلة التدخل غير المباشر عبر أحد الوكلاء المحليين، عندما دفعت «إسرائيل» للهجوم على لبنان في صيف العام 2006، حيث انبرت كوندوليسا رايس يومها وهي تقوم برحلة قطف الثمار سريعاً (كما كانت تتوهم) بالتبشير علناً بأن الهجوم «الإسرائيلي» على لبنان، ليس لاستخلاص الجنديين «الإسرائيليين» الأسيرين، بل للتعجيل في مخاض ولادة «الشرق الأوسط» الجديد، أي «الشرق الأوسط» الكامل الولاء والخضوع للنفوذ الإمبراطوري الأميركي، ومطهراً أن أمكن من أي جيب من الجيوب التي ما زالت تضمر العداء لـ«إسرائيل»، درة تاج النفوذ الإمبراطوري الأميركي العسكري والسياسي والاجتماعي في «الشرق الأوسط».

طبعاً، لم يمض وقت كثير حتى يظهر أن السيدة رايس كانت متفائلة أكثر مما يجب في سرعة إنجاز ولادة «الشرق الأوسط» «الأميركي» الجديد.

أما اليوم، وبعد مرور سنوات ست على تلك الحادثة البالغة الأهمية، فإن الولايات المتحدة، تواصل أساليب التدخل الإمبراطوري الاستعمار غير المباشر، بحثاً عن إنجاز المهمة التي لم تتخل عنها الإستراتيجية الأميركية رغم الظروف المتراجعة، ومما زاد إقدام واشنطن على توسيع رقعة التدخل غير المباشر، أي عبر الوكلاء المحليين، موجة التحولات العربية التي عصفت ببعض أنظمة الحكم الموالية للسياسة الأميركية موالاة مريحة ومستقرة، فابتكرت عندئذ أسلوباً هو مزيج في التدخل يعتمد على التزاوج بين الاستمرار في استخدام الوكلاء الأميركيين المحليين (أحداث سوريا، والتلويح من وقت لآخر بضربة عسكرية لإيران)، وبين أسلوب التقرب من القوى الجديدة في كل من تونس ومصر وليبيا، كل ذلك في سعي حثيث ومواظب وصبور، لتحقيق الهدف القديم وهو ولادة «الشرق الأوسط الجديد»، أي المريح للنفوذ الإمبراطوري الأميركي راحة تامة، والمناسب والملتزم بكل شروط الأمن «الإسرائيلي» بالشروط الصهيونية، والأميركية.

ان النشاط المثير المحيط بهذا النوع من النفوذ الإمبراطوري الأميركي، لا يجوز أبداً أن يحجبه عن عيوننا الفشل الذريع الذي انتهى إليه التدخل الأميركي في كل من أفغانستان ثم العراق. على العكس من ذلك، فإن الفشل الذريع الذي منيت به الإمبراطورية في عمليتي تدخلها العسكري المباشر، سيدفعها الى تركيز نفوذها الإمبراطوري على وكلائها المحليين، في كل منطقة من الكرة الأرضية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010