الأحد 9 أيلول (سبتمبر) 2012

خيارات «إسرائيل» الصعبة مع إدارة أوباما

الأحد 9 أيلول (سبتمبر) 2012 par د. محمد السعيد ادريس

الأزمات المفتعلة والمتلاحقة بين حكومة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية الحالية، تكشف عن حقيقتين، الأولى أن حكومة نتنياهو وصلت إلى قناعة بأن الإدارة الأمريكية لن تكون شريكاً في عدوان تجهّز له ضد المنشآت النووية الإيرانية في الموعد «الإسرائيلي» المفضّل الآن الذي قدر له أن يكون في الخريف الحالي، أي خلال شهرين لا أكثر من الآن، والثانية أن حكومة نتنياهو قررت معاقبة الرئيس أوباما على هذا التردد في الانصياع لمطالبها، وبدأت تتحرك ضده انتخابياً على أمل إسقاطه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. أول ملامح هجوم الحكومة «الإسرائيلية» على الرئيس الأمريكي ظهر في ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» من معلومات في شكل تقرير، يقول إن واشنطن تواصلت مع طهران عن طريق دولتين أوروبيتين لم تذكرهما، لتوصيل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تنجرّ إلى الأعمال القتالية إذا هاجمت «إسرائيل» إيران بسبب برنامجها النووي، وأنها، أي واشنطن، تتوقع أن تمتنع إيران عن الرد باستهداف المصالح الأمريكية، بما فيها قواعدها وقواتها في الخليج، إذا ما تعرضت لاعتداء «إسرائيلي».

الهدف من الترويج لهذا التقرير هو التشكيك، أمام الرأي العام الأمريكي، في نزاهة أوباما، من خلال الإيحاء أولاً أنه حريص على أن يتواصل مع الإيرانيين وأن يسترضيهم، وثانياً من خلال التلميح إلى أن المصالح الأمريكية بالخليج في خطر، وأن الإدارة الأمريكية عاجزة عن حماية هذه المصالح، وليس لديها من سبيل غير استرضاء الإيرانيين، وثالثاً من خلال إظهار رفض دعم «إسرائيل»، والإيحاء بأنه غير جدير بالحصول على الدعم اليهودي، لأنه غير صادق في نواياه تجاه الدولة الصهيونية، وبالإجمال فإنه ليس المرشح «الإسرائيلي» المفضّل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

حكومة نتنياهو روّجت لهذا التقرير، وفي نيتها تحقيق نجاحين، أولهما إما أن يشعر الرئيس أوباما بالخطر إذا ما تبنّى اللوبي اليهودي موقف الحكومة «الإسرائيلية» وقرر أن يعمل ضد أوباما انتخابياً، ومن ثم يضطر إلى الانصياع إلى مطالب الحكومة «الإسرائيلية» بالمشاركة في هجوم تعدّ له «إسرائيل» ضد إيران قبيل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإما أن يتمسك أوباما بموقفه الرافض المشاركة في هذا الهجوم في الموعد الذي تريده «إسرائيل»، وبالتالي يكون قد أسهم في تفعيل الحملة اليهودية ضده، وأكد مصداقية ما تردده الدعاية «الإسرائيلية» من تشكيك في جدية وعوده بدعم وحماية «إسرائيل».

هذه الرهانات «الإسرائيلية» بما تحمله من مخاطر بالنسبة للعلاقات «الإسرائيلية» الأمريكية حفّزت أطرافاً «إسرائيلية» للتصدي لما روّج له التقرير المذكور من معلومات، حرصاً على عدم الدفع بهذه العلاقات إلى حافة الهاوية، وبالذات في ظل وجود فرص مؤاتية لفوز الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

هذه الأطراف تحسست الخطر على العلاقات بين البلدين، بعدما صدر من تصريحات على لسان رئيس الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي، في لقائه مع صحافيين بالعاصمة البريطانية، أكد فيها الرفض الأمريكي المشاركة في أي هجوم «إسرائيلي» متفرد ضد إيران، وقال: «لا أريد أن أكون شريكاً في العمل إذا قررت «إسرائيل» فعل ذلك»، وأضاف «أنا لا أريد التورط إذا ما قررت «إسرائيل» الهجوم». وجدّد الجنرال ديمبسي ما سبق أن أعلنه وزير الدفاع الأمريكي الشهر الماضي، في لقائه مع كبار المسؤولين «الإسرائيليين» بأن الضربة «الإسرائيلية» المتفرّدة ضد إيران «إذا ما تمّت ستعرقل، ولكنها، على ما يبدو لي، لن توقف المشروع النووي الإيراني»، وحذّر من خطر تفكك الائتلاف الدولي ضد إيران، في حال مبادرة «إسرائيل» إلى ضربها، وقال «للعقوبات التي فرضت تأثير، وينبغي منحها الفرصة المنطقية للنجاح».

تصريحات ديمبسي الصادقة جاءت متزامنة مع ما أفصح عنه محلل الشؤون السياسية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الكاتب المخضرم شيمعون شيطر، عن اللقاء الذي جمع عضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي (عن الحزب الجمهوري) مايك روجرز مع بنيامين نتنياهو، بحضور السفير الأمريكي في «تل أبيب» دان شابيرو (أمريكي يهودي عمل سابقاً مستشاراً لنتنياهو، وهو من رشحه ليكون سفير واشنطن في «تل أبيب»). فحسب ما نقله شيفر عن هذا اللقاء، فإن نتنياهو كان غاضباً ومتوتراً طوال اللقاء الذي بدأه بهجوم عنيف على إدارة أوباما التي لا تفعل، حسب رأيه، ما يكفي في المسألة الإيرانية، وقال إنه «بدلاً من الانتقال للضغط بشكل فعال على إيران، يضغط أوباما ورجاله علينا لمنع مهاجمة المنشآت النووية، وإنها مازالت ترى أن هناك مجالاً للضغط الدبلوماسي، في حين أن الوقت ينفد». هذا الهجوم أخرج السفير الأمريكي عن قواعد البروتوكول التي تقضي بعدم مشاركته في الحوارات، ورد بانفعال «كفى»، واتهم نتنياهو بتشويه موقف أوباما الذي سبق له أن وعد «بعدم السماح لإيران بعدم التحول إلى قوة نووية، وأكد أن كل الخيارات بما فيها الخيار العسكري موضوعة على الطاولة».

تعليق شيفر على ما حدث في هذا اللقاء، كشف إلى أي مدى تتطور الأمور سلبياً بين «إسرائيل» وإدارة أوباما، فقد ذكر أنه في الغرفة التي شهدت ذلك اللقاء «تطاير الشرر والبرق فيها، وتبودلت اتهامات ازدادت حدة. نتنياهو اتهم، وشابيرو رد، فيما راقب روجرز الأمر وهو مصدوم، وانتهى اللقاء بعدما حامت في الغرفة أجواء التوتر الشديد». أما مايك روجرز فقد خرج ليقول للصحافيين، إن نتنياهو ووزير دفاعه باراك قررا أن «لا سبيل لإيقاف المشروع النووي الإيراني سوى العمل العسكري»، لكنه أبدى تقديره إلى أن مثل هذا الهجوم لن يحدث قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيراً إلى أهمية تلك الانتخابات بالنسبة لقرار الحرب «الإسرائيلي» على إيران بقوله: «لاشك عندي في أن الانتخابات الأمريكية تشكل جزءاً من منظومة الاعتبارات «الإسرائيلية»».

إلى أي مدى يمكن أن تحترم «إسرائيل» هذه الاعتبارات؟ السؤال مهم، لأن ما جرى تسريبه عن الوعود الأمريكية لإيران في الرسالة المشار إليها، قد يكون خطوة نحو حسم قرار الحرب «الإسرائيلية» على إيران قبيل الانتخابات الرئاسية، اعتقاداً من حكومة «إسرائيل» بأن الحرج الذي أحدثته هذه الرسالة والنفي الأمريكي لها قد يجبران الإدارة الأمريكية على المشاركة في هذه الحرب، خصوصاً إذا أخطأت إيران وردّت بضرب المصالح الأمريكية في الخليج، ذلك أن حكومة نتنياهو تتوقع التنكيل بها من جانب الإدارة الأمريكية في حال فوز أوباما في تلك الانتخابات بعد كل الابتزاز والضغوط التي تعرضت لها من جانب الحكومة «الإسرائيلية»، بدليل ما تروّج له وسائل إعلامية هذه الأيام بأنه «في حال فوز الرئيس أوباما بولاية ثانية فإن الولايات المتحدة ستمتنع عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن لإسقاط قرارات ضد «إسرائيل»»، لكن ما لم يجرِ الحديث عنه حتى الآن، هو أنه في حالة فوز أوباما قد لا يبقى الخيار العسكري الأمريكي ضد إيران على طاولة الحلول الممكنة، وهذا هو التحدي الأكبر الذي تعمل حكومة نتنياهو على تجنبه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165981

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165981 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010