الجمعة 14 كانون الأول (ديسمبر) 2012

مشعل في غزة :أسئلة حول الزيارة والمواقف والخيارات

الجمعة 14 كانون الأول (ديسمبر) 2012

حفل خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ خالد مشعل، في ذكرى انطلاقة الحركة الذي أقيم في قطاع غزة، بالكثير من المواقف، وانطوى على قدر كبير من الدلالات، وإذا كانت هناك حاجة للانتظار لبعض الوقت، من أجل اتضاح طبيعة الاتفاق أو الصفقة التي جعلت رئيس المكتب السياسي لحماس، قادراً على دخول القطاع، وإلقاء خطاب في الحشود وسط مدينة غزة، فإن كثيراً من المواقف التي أطلقها مشعل تستحق الوقوف عندها.

حول الزيارة

بشأن الاتفاق أو الصفقة، فيصعب التصديق، أن دخول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ونائبه، وعدد من أعضاء المكتب السياسي للحركة إلى القطاع، والتجول فيه، وإلقاء الخطابات أيضاً، هو فقط من ثمرات نصر المقاومة في غزة، صحيح أن المقاومة هناك سجلت إنجازاً نوعياً كبيراً، لكنه ليس من ذاك النوع من الإنجازات، القادر على تسهيل دخول القيادات الفلسطينية إلى القطاع، بالطريقة التي تمت مع السيد مشعل وصحبه، لقد كلف دخول شبيه سابق لياسر عرفات، يرحمه الله، إلى غزة اتفاقية كارثية على الشعب الفلسطيني هي اتفاقية أوسلو، ويصعب التصديق حقاً، أن سقوط صواريخ المقاومة في ضواحي “تل أبيب”، وصمود غزة كفيلان بتأمين ما حدث.

يصر قادة حماس على القول، إنه لا توجد صفقة أو اتفاق وراء الدخول إلى القطاع على طريقة الفاتحين، وإنه جاء نتيجة مباشرة لمعركة غزة الأخيرة، حسناً، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا منع أمين عام حركة الجهاد؛ الدكتور رمضان عبد الله، ونائبه زياد النخالة، من دخول القطاع، مع أن الجهاد كان شريكاً أساسياً في إحراز الفوز الذي سجلته المقاومة في غزة، وهناك من يقول: إن صواريخ السرايا التابعة للجهاد، هي التي أصابت “تل أبيب”، إذا كانت الزيارة بسبب الفوز، فما يحق لمشعل ونائبه، يحق لرمضان عبد الله ونائبه أيضاً، هذا هو المنطق البسيط والواضح، عند القول إن الزيارة هي نتيجة نصر غزة، ثم ما معنى الوارد في بيان حركة الجهاد الإسلامي، عن تحذيرات وجهت لعبد الله ونائبه، عبر المصريين، بالاغتيال وإنهاء اتفاق التهدئة، إن هما دخلا إلى القطاع؟ البيان تحدث أيضاً عن نصائح من المصريين الذين أوضحوا لقيادات الجهاد، أنهم لا يستطيعون تقديم ضمانات بحمايتها، إن قررت الدخول إلى غزة.

بالمنطق البسيط ذاته، فإن الذي نقل تحذيرات لقيادة الجهاد، هو الذي نقل ضمانات وتطمينات لقيادات حماس، ولهذا معنى واحد هو: إن الزيارة تمت بموافقة الاحتلال، أو على الأقل بغض الطرف عنها.

أما لماذا؟ فهذا يحتاج إلى المزيد من الوقت بغية تبينه على حقيقته، وما يمكن افتراضه الآن، أن هناك محاولة حثيثة لدمج حماس، في منظومة العمل من أجل التسوية السياسية، بمعنى الدخول في طواقم المفاوضات الفلسطينية مع حكومة الاحتلال.

ويبدو أن حكومة “الإخوان” في مصر، التي أعلنت تكراراً تمسكها بمعاهدة “كامب ديفيد”، لا تريد أن تبقى غزة سبباً للصداع الدائم، ولكي يكون الجميع في مركب واحد، فإن دخول حماس لعبة المفاوضات، يعني إنهاء المقاومة، والإبقاء على خيار التفاوض فقط، وليست دون دلالة واضحة، كلمة خالد مشعل التي ألقاها في اليوم الثاني من زيارته إلى غزة، والتي قال فيها: “إن شكل المقاومة الفلسطينية سوف يتحدد طبقاً للظروف والمعطيات على أرض الواقع”.

على كل “سيأتيك بالأخبار من لم تزود”، لقد تم على مدار الساعة نفي وجود مضمون سياسي لاتفاق التهدئة الأخير الذي أنجز برعاية محمد مرسي، وجاءت زيارة مشعل إلى غزة، لتكشف عن وجود تفاهمات سياسية، حقيقة هذه التفاهمات سوف تظهر تباعاً، ولن يطول الوقت حتى يصبح كل شيء فوق الطاولة.

وحول المواقف

إلى جانب الكثير من الكلمات الوجدانية والعاطفية، وكيل المديح لغزة وأهلها، ومقاومتها الشجاعة، حفلت كلمات خالد مشعل المتعددة، التي ألقاها في غزة، بالمواقف السياسية، ومنها التأكيد على المقاومة خياراً أساسياً، والتشديد على أهمية المصالحة، واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية، مرجعية أساسية للشعب الفلسطيني، ينبغي العمل على إعادة بنائها وتعزيزها من خلال برنامج إجماع وطني، يصون الحقوق والثوابت الفلسطينية.

بالنسبة لخيار المقاومة، فإنه موضوع في الاختبار الآن، الاحتلال يثابر على خرق تفاهمات الهدنة الأخيرة دون أي رد، الاستمرار على هذه الحالة سوف يعني، أن الكلام عن المقاومة، وخيار المقاومة سيبقى كلاماً في كلام.

أما المصالحة فحديث يطول، لقد سمع الفلسطينيون كلاماً عن المصالحة، في كل مناسبة وقف فيها أحد أطراف الانقسام خطيباً، ولم يكن مفاجئاً إبداء ذاك القدر من الاندفاع في الحديث عن المصالحة، من قبل خالد مشعل، فهو يخطب في غزة، وفي مناسبة مزدوجة؛ ذكرى انطلاقة حماس ونصر غزة، ويعيش شعوراً بالزهو، فلا بأس بالتشديد على ضرورة وأهمية المصالحة في مثل هذه اللحظات، حتى لتبدو وكأنه منحة يقدمها من موقع الفائز، الموجود اليوم على أرض فلسطينية، والمدعوم من حكومة مصر “الإخوانية”، ومع ذلك تظل العبرة في التنفيذ، لقد قيل الكثير عن المصالحة وأهميتها، وأبدى المتحدثون دوماً، ضروباً من الغيرية والإيثار، وعند الاقتراب من التنفيذ، كانوا يعودون إلى متاريسهم، وهنا يجب التمييز بدقة، بين ما يمكن اعتباره تحولاً، أو تغييراً في الموقف السياسي والرؤية، ما يجعل طرفي الانقسام، يرددان المعزوفة ذاتها، وبين المصالحة، كعمل إجرائي يتطلب تنازلات متبادلة، وترتيب أوضاع أصحاب المصالح من الجانبين.

لقد تردد في الأيام الأخيرة، حديث عن أن الاقتراب في الرؤية السياسية، سوف يجعل طرفي الانقسام أقرب إلى الاتفاق، والشروع عملياً في تنفيذ بنود المصالحة التي توافقوا عليها في القاهرة، منذ أكثر من عام ونصف العام، ولكن هذا الكلام يفتقد إلى الدقة، الخلاف أصلاً في مكان آخر، منذ وقت ليس بالقصير.

النقطة الثالثة التي يمكن التوقف عندها، هي تلك المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ففي واحدة من المرات النادرة، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحماس، منظمة التحرير الفلسطينية مرجعية موحدة للفلسطينيين، وتحدث عن ضرورة إعادة بنائها.

الإقرار العلني والواضح بمرجعية المنظمة، هو أمر على درجة كبيرة من الأهمية، والتركيز على اعتبار إعادة بناء المنظمة، منطلقاً أساسياً للمصالحة، وإعادة بناء الوضع السياسي الفلسطيني كله، هو أمر هام جداً أيضاً.

أي منظمة؟

ربما يعتبر البعض أن تصريحات من هذا النوع لا تكتسب أهمية خاصة، ما دامت الفصائل الفلسطينية سبق لها أن توافقت على إعادة بناء المنظمة (أو تطويرها وإصلاحها) لدى توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة (أيار/2011)، وهذا يعني أن الجميع متفقون على مرجعية المنظمة، وقد يكون هذا صحيحاً في جانب منه، لكن الحديث كان دوماً مرفقاً بالسؤال: عن أي منظمة تحرير يدور الحديث؟ كما أن التصريح العلني بمرجعية المنظمة، لم يكن قائماً.

والحال، أن الكلام هام في علنيته، وهام في توقيته، ويعين كثيراً على قراءة التوجهات المستقبلية لحركة حماس، فربما يكون اللواذ بالمنظمة الآن، وباعتبارها المرجعية للشعب الفلسطيني، مبرراً لشكل المسلك السياسي القادم، المنظمة تتبنى التفاوض، وتعتبر أن ما تسميه “برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني”، يتلخص في السعي لتحصيل دولة على الأراضي المحتلة (للدقة في الأراضي المحتلة) عام 1967، عن طريق المفاوضات، والمفاوضات فقط.

لا تظهر الأطراف المكونة لمنظمة التحرير الآن، أية نية للتراجع عن هذا البرنامج، وهي ترى أنها حققت كسباً كبيراً في الآونة الأخيرة بتحصيل مكانة عضو مراقب للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

الدخول إلى المنظمة بوجود برنامجها هذا، يعني الموافقة عليه، والانخراط الفعلي في العمل من أجل تنفيذه، وربما يتم إحداث بعض التغييرات الشكلية، أو إدخال تعبيرات إنشائية لا تغير من واقع الأمر شيئاً، وهو ما يطلق عليه عادة، تعبير إصلاح وتطوير منظمة التحرير، نحن هنا بإزاء نوع من المحاصصة في الشكل، دون تغيير جدي في المضامين.

الخيار الآخر يتمثل في العمل من أجل إعادة بناء المنظمة، وهو ما كانت تطالب به الفصائل، وبينها حماس، على مدار السنوات السابقة، ويعني إعادة بناء فعلية، تقوم على برنامج إجماع وطني جديد، يتيح خيارات فعلية أمام الشعب الفلسطيني، ويحفظ حقوقه الوطنية كافة.

هل هذا ممكن فعلاً؟ الجواب ببساطة لا، لأن طرفاً فلسطينياً أساسياً ومهيمناً على المنظمة، يرفض إعادة صياغة برنامج وطني جديد، ويعتبر أن الخيار المعتمد من قبله هو خيار صائب، وهو يقبل محاصصة في المنظمة ومؤسساتها، لكنه لا يقبل إعادة بناء المنظمة تأسيساً على برنامج جديد.

عملياً، ليس من سبيل لتحقيق مصالحة فعلية، وترتيب البيت الفلسطيني على نحو مناسب، ما لم يتأسس كل العمل على إعادة بناء المنظمة، وعملياً أيضاً لا تتوفر إمكانية فعلية للقيام بذلك.

في هذا ما يعيدنا إلى الأسئلة مرة أخرى، عن الزيارة، وعن التصريحات، وعن الخيارات أيضاً؟

- عبد الرحمن ناصر



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 100 / 2181453

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2181453 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 1


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40