السبت 19 حزيران (يونيو) 2010

مد الأيدي أم ضم القبضات؟ حديث أوباما المزدوج عن إيران

بقلم : عصام الأمين | ترجمة : عبد الرحمن الحسيني
السبت 19 حزيران (يونيو) 2010

يوم 12 نيسان (أبريل) الماضي، استضاف الرئيس باراك أوباما قمة للأمن النووي في واشنطن بحضور ممثلي 47 دولة، واجتمع مع عشرات من رؤساء الدول شارحا وجهة نظره بخصوص سلسلة رابعة من العقوبات المعوقة التي يريد فرضها على إيران بسبب تعنتها حول الموضوع النووي. وكانت أطروحته الرئيسية تنصب على رفض إيران قبول الاقتراح الذي عرضته وكالة الطاقة الذرية الدولية بتحويل جلّ اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب إلى خارج إيران في مقابل تزويدها بنظائر نووية طبية.

وفي اليوم التالي، اجتمع أوباما مع الرئيس البرازيلي لويز لولا دي سيلفا ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان. ويتمتع كلا البلدين راهنا بعضوية مجلس الأمن الدولي ويعتبران صديقين للولايات المتحدة، وهما قوتان اقتصاديتان وإقليميتان صاعدتان.

في ذلك اللقاء، أكد كل من لولا وأردوغان للرئيس الأميركي أهمية التوصل إلى حل دبلوماسي للموضوع النووي الإيراني، وذلك في جهد منهما لنزع فتيل التوتر ولاتخاذ إجراءات من شأنها بناء الثقة، توطئة لإجراء مزيد من المفاوضات. وخلال الاجتماع، لم يشجع أوباما الزعيمين على مواصلة السعي للتوصل إلى انفراج دبلوماسي وحسب، وإنما تعهد أيضأ بأن يكون إيجابيا ومرناً، بالإضافة إلى تقديم وعدٍ بأن يرسل لهما، كتابة، معايير أي اتفاقية تعد مقبولة بالنسبة للولايات المتحدة.

ومتشجعا بالرد الأميركي، طار وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو إلى البرازيل يوم 16 نيسان الماضي للاجتماع مع الرئيس دا سيلفا؛ من أجل تنسيق الجهود الدبلوماسية في آخر مسعى لإقناع إيران بقبول أطروحة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع حلول 20 نيسان (أبريل)، زار وزير الخارجية التركي طهران لجس نبض المسؤولين الإيرانيين بخصوص التوصل إلى حل ممكن للأزمة.

وكما تعهد، بعث الرئيس أوباما برسالتين منفصلتين يوم 20 نيسان (أبريل) لكل من لولا وأردوغان، تحتويان تفصيلات للمعايير الأميركية المتعلقة بصفقة ممكنة. وكتب قائلا إن اقتراحه يمثل “تفسيرا مفصلا” لمنظوره، وعرض “اقتراحا خاصا بالطريق المستقبلي”. وقال أيضأ إن اقتراحه يستند إلى الاقتراح الذي كان قد قدمه المدير العام السابق لوكالة الطاقة النووية الدولية محمد البرادعي، والذي وصفه في الرسالة بأنه اقتراح “عادل ومتوازن”، ومن شأنه أن يمكن “الجانبين من كسب الصدقية والثقة”.

وفي رسالته، وضع أوباما أربعة شروط يجب ان يتم الوفاء بها حتى يكون أي حل مرضيا بالنسبة للولايات المتحدة. وكان الشرط الأول هو “موافقة إيران على اخراج 1200 كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد”. وأكد أن هذا الشرط أساسي ولا يقبل التفاوض بشأنه.

ثانيا، استعرض رغبته في أن يكون “مرنا وخلاقا توطئة لبناء ثقة متبادلة” من خلال الاتفاق على “دعم وتسهيل العمل على تقديم اقتراح لتزويد إيران بالوقود النووي من خلال استخدام اليورانيوم المخصب من قبل إيران”، وهو مطلب حساس بالنسبة لإيران التي ما فتئت تصر على أنه من حقها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي.

ثالثا، عرض أوباما قبوله للحل الوسط الذي اقترحته الوكالة الدولية للطاقة النووية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من خلال السماح “لإيران بشحن كمية 1200 كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى بلد ثالث”، مقترحا أن تكون تركيا هي البلد الثالث المعني. ومضى إلى أبعد من ذلك من خلال عرض تأكيد لإيران بأن يحفظ وقودها “قيد الرهن” في تركيا “كضمان خلال عملية إنتاج الوقود، على أن تسترد إيران اليورانيوم الخاص بها إذا فشلنا في تسليمها الوقود المطلوب”.

وكان شرطه الأخير هو أن تتولى إيران إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية كتابة “بالتزامها الإيجابي بالانخراط -في العملية- من خلال القنوات الرسمية”.

ومسلحا بالشروط الأميركية الجوهرية، وبعد تلقيه ردا إيجابيا بالتفاوض نقل إلى داود اوغلو من جانب القيادة الإيرانية، طار وزير خارجية البرازيل سلسو اموريم إلى إيران بعد أسبوع من ذلك، يوم 27 نيسان (أبريل) من أجل التحضير لزيارة رسمية يقوم بها الرئيس لولا دا سيلفا بهدف إعداد اتفاقية نهائية استنادا إلى الاقتراح الأميركي. وقد وصل الرئيس البرازيلي إلى طهران يوم 15 أيار (مايو)، وانضم اليه رئيس الوزراء التركي في اليوم التالي. وفي جلسة مفاوضات ماراثونية استغرقت 18 ساعة، ضغط الزعيمان العالميان على القيادة الإيرانية من أجل قبول الشروط الأربعة المحددة في رسالة أوباما.

ويوم 17 أيار (مايو) الماضي، تم التوصل إلى اتفاقية تستند إلى اقتراحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووقعها وزراء خارجية الدول الثلاث. وبعد أسبوع من ذلك، قدمت إيران رسالة رسمية إلى الوكالة الدولية للطاقة النووية تعترف فيها بالاتفاقية، وتعلن فيها عن نيتها تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب خاصتها خلال شهر واحد من تاريخ القبول بالخطة.

ولكن، وللدهشة التامة لكل من البرازيل وتركيا، استبعد كل من البيت الابيض ووزارة الخارجية الصفقة خلال 24 ساعة، رافضين المبادئ نفسها التي اشتملت عليها رسالة أوباما المذكورة. حتى إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وصفت الاتفاقية بينما كانت تتحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي يوم 18 أيار (مايو) الماضي بأنها “مؤامرة”، وأعلنت أن ثمة قراراً لفرض عقوبات على إيران من جانب مجلس الأمن الدولي، والذي بات استصداره وشيكا.

وفي مقابلة له نشرت يوم 3 حزيران (يونيو) الحالي في صحيفة (جورنال دو برازيل) الرئيسية البرازيلية، أعرب محمد البرادعي عن خيبة أمل عميقة مما حدث، وعن دهشته لرد الفعل الأميركي، بقوله إن الاقتراح الذي وقع في إيران كان نفس ذلك الذي كان قد اقترحه، والذي كان الغرب قد قبله في السابق.

وإضافة إلى ذلك، شرح البرادعي بقوله: “إنك إذا أزلت أكثر من نصف المادة التي سلمتها إيران لتركيا، فإن ذلك يعد بوضوح إجراء لبناء الثقة فيما يتعلق بالمخاوف حول نوايا إيران المستقبلية”. وبالنسبة لباقي المادة المخصبة نوويا قال: “إن المادة التي ستظل في إيران ستكون تحت ضمانات وأختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وليس هناك مطلقا أي تهديد وشيك بأن تطور إيران قنبلة غدا من المادة التي توجد لديها في إيران”.

إن رفض إدارة أوباما تبني اقتراحاتها الخاصة لا يقوض مصداقيتها أمام خصومها فحسب، وإنما يربك أصدقاءها مثل البرازيل وتركيا أيضاً. وكان أوباما قد انتخب على بطاقة الوعد بالأمل والتغيير من خلال عرضه على المجموعة الدولية، وخاصة العالم المسلم، تطبيق مقاربات سياسية جديدة تستند إلى الأمانة والاحترام والمتبادل.

وفي خطابه التنصيبي، الذي كرر فحواه في خطابه في القاهرة، قال أوباما بخصوص إيران: “سوف نمد إليكم يدنا إذا كنتم راغبين في إرخاء قبضتكم”. لكن الولايات المتحدة، حسب وجهة نظر البرادعي، هي التي ضمت قبضتها بهدف الضرب عندما مدت إيران يدها إليها.

ومن ناحية فعلية، عرى المدير العام السابق لوكالة الطاقة الدولية النووية خطاب باراك المزدوج في نفس المقابلة مع الصحيفة البرازيلية، عبر الإعلان عن أن الصفقة التي تم التوقيع عليها في طهران “يجب أن ينظر إليها على أنها اول إجراء جيد لبناء الثقة، وأول جهد تبذله إيران لمد يدها والقول: إننا جاهزون للتفاوض”.

- ظهر هذا المقال تحت عنوان :

Extending Hands or Clenching Fists: Obama’s Doublespeak on Iran


titre documents joints

مقالة «مد الأيدي أم ضم القبضات؟ حديث أوباما المزدوج عن إيران»

19 حزيران (يونيو) 2010
info document : HTML
87.6 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2177262

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2177262 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40