السبت 12 كانون الثاني (يناير) 2013

أين تستقرّ الورقة الفلسطينية؟!

السبت 12 كانون الثاني (يناير) 2013

منذ بدأت المتاعب في سورية، تقاذفت الريح العربية الورقة الفلسطينية. وبعد أن كان الكلّ يلوّح مندّداً أو مرحّباً بكون الورقة الفلسطينية في يد سورية، كانت عواصم عربية أخرى تحاول انتزاع تلك الورقة من سورية، مرّة من قبل الخليج العربي، وأخرى من قبل مصر. وسبق أن كتبت حول هذا الموضوع وتساءلت عن الأسباب التي تجعل رئيس المخابرات المصرية مثلاً، هو من يجمع الرؤوس الفلسطينية... بالحلال.
جاء العدوان «الإسرائيلي» الأخير على غزّة ليخلق وضعاً جديداً يتلاءم مع ملامح الثورة المصرية الأخيرة التي تلقّفتها أيدي الإخوان هناك. وقد وجدوا في الورقة الفلسطينية ما يساعدهم على الانتقام من سورية، مستذكرين علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، وجوب الانتقام .
رئيس المكتب السياسي في حركة حماس، السيد خالد مشعل، الذي سبق له أن كان مثل اليهوديّ التائه، لم يرحَّب به ولم يستقبله أيّ بلد عربي إلا سورية، قد بدأ التفكير بالتوجّه السياسي لحركة حماس قريناً للعمل الجهادي، ولألف سبب وسبب، وربما لألف اتصال سريّ من هنا وهناك، قرّر التوجّه إلى الدوحة، ومن هناك، فتحت له أبواب عواصم عربية عديدة، التي تودّ الثأر من دمشق. والمثل العربي القديم يقول: «نكاية بوجهه جدع أنفه»... والحذق يفهم.
بعد أحداث غزّة الأخيرة، تسابق الجميع إلى إعلان تأييدهم غزة ومقاتليها ومقاتلي حركة حماس إعجاباً وتضخيماً واستجراراً إلى ما يهيّأ لها في غرف المخابرات العربية والأجنبية. تصالح خالد مشعل ومحمود عباس، وتعانق الاثنان، وهلّلت الجماهير وصفّقت، وخفّفت سلطة عباس قيودها على جماعة حماس في الضفّة، وخفّفت حماس قيودها على جماعة فتح في القطاع، وبدأ شهر عسل تجلّى في مهرجانٍ لفتح في القطاع. ولكن، السؤال الذي لا بدّ منه: هل ترفد احتفاليات كهذه العمل الفلسطيني وتساعد الشعب وتوقد نار المقاومة؟ من يدري...؟ مَن يراقب الوضع ويفنّد الظروف والملابسات، ويجمع الخيوط من هنا وهناك، ويحلل ما هو معروف من المخططات «الإسرائيلية» وما يدور في بعض العواصم، يشكّ في ذلك.
كان مفترضاً أن يكون اجتماع خالد مشعل ومحمود عباس مع الرئيس المصري محمد مرسي منذ ثلاثة أيام. ولكن، من المقرّر قبل ذلك اللقاء، أن يجتمع القطبان الفلسطينيان مع رئيس المخابرات المصرية. لماذا؟ ما علاقة المخابرات في اجتماع بين الرئيس المصري وقائدَي حماس وفتح؟ نربط هذه الحفاوة المخابراتية بالحفاوة التي أحاطت بسلطة غزة بعد أن كانت تُعتبر منشقّة ومتمرّدة وحكومة مقالة، ونبحث عن التفسير .
الاجتماعات قد لا يُعلَن عن تفاصيلها ولا عن الخطوط السرّية فيها والاتفاقات التي تحصل المصالحات الكبرى على أساسها، ولكن لنبدأ من الأساس، ممّا هو أهمّ من اجتماع القاهرة مع الرئيس المصري أو مع رئيس المخابرات المصرية. هذه الاجتماعات أو حتى الاتفاقات، هي سياسية في الدرجة الأولى، تطبيقات ومصالحات وتسويات، بينما القضية الأساس هي الاحتلال «الإسرائيلي» واغتصاب الأرض والتراث والتاريخ.
نشكر لحماس أنّها ظلت عاصية على التطبيع، وأنّها ترفض التسويات وترفع شعار المقاومة ورفض الأمر الواقع ـ أي الاحتلال - حتى وقع العدوان الأخير، ثم حدثت هجمة العناق والمحبة والتأييد والمساندة العربية على غزّة، وكأنّ العرب كلّهم بما فيهم جماعة 14 آذار اللبنانية ـ اكتشفوا في حماس ما لم يعرفوه من قبل .
ثمّة خلاف واضح في التوجّه العام. رئيس السلطة الفلسطينية يقول علناً وصراحة أنّه لن يسمح بحدوث انتفاضة مسلّحة في الضفّة ما دام في السلطة، ويقول علناً وصراحة إنّه يتنازل عن حقّ العودة حتى إلى بلده ـ صفد - إلا كسائح يحصل على فيزا وتصريح من السلطات «الإسرائيلية». وحماس ترفع شعار استمرار المقاومة حتى تحرير كامل التراب الفلسطينيّ. فكيف للمخابرات المصرية، وللرئيس المصري أن يجمعا الماء والنار في غرفة واحدة أو إناء واحد. إذن لا بدّ من تسوية، خطوة علنية للدعاية فقط من هذا، وأخرى مثلها من زميله، وينتهي الأمر بحفلة تبويس لحى، وعفى الله عمّا مضى.
لا ما يقوله محمود عباس، ولا ما يمكن أن يتقبّله خالد مشعل، يشكّلان الحلّ أو الخطوة الصحيحة لما سيكون. القضية الفلسطينية ليست سلعة يُساوَم حول ثمنها، ولا هي مشكلة سياسية حتى تحصل التسوية حولها في غرف المخابرات أو في اجتماعات تبويس اللحى وأمام الكاميرات، وتحت ضغط الملايين التي سوف تقدّم تحت غطاء المساعدات للشعب الفلسطيني، وهي أشبه برشوة للسكوت والخضوع .
القضية الفلسطينية قال فيها أنطون سعاده القول الفصل، في كتابه الذي وجّهه إلى لويد جورج البريطاني بما معناه: «إن القضية الفلسطينية قضية حقّ قوميّ وتاريخيّ وتراث، ولا يحقّ لفردٍ أو لجماعة أو لدولةٍ محليةٍ أو أجنبية، التصرّف بهذا الحقّ الذي هو حقّ الشعب كلّه، إنّه التاريخ لا الحلول السياسية والتطبيقات...».
من هنا، إنّ الأجيال الفلسيطينية المقاوِمة لن تقبل أيّ تسوية ولا أيّ اتفاق يكون دون الحق القوميّ كاملاً، والزمن بيننا، وما يعجز الشعب الفلسطينيّ عن تحقيقه اليوم، لن يعجز عنه في المستقبل ولو بعد مئة عام، أو ألف عام. ولو قامت أمامه عقبات اتفاق في القاهرة أو غيرها، وفي غرفة المخابرات أو على السطوح.

- سليم سعدو



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2182156

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2182156 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40