الاثنين 14 كانون الثاني (يناير) 2013

«الكونفدرالية» الفلسطينية - الأردنية.. إلى الوراء در

الاثنين 14 كانون الثاني (يناير) 2013

يظهر حديث الكونفدرالية الأردنية - الفلسطينية ويخبو تبعاً للتسريبات التي تقوم بها أوساط أردنية وفلسطينية، وصهيونية أيضاً. السمة العامة للتصريحات الرسمية الصادرة عن الطرفين الأردني والفلسطيني، هي النفي الكلي حيناً، والموارب حمال الأوجه حيناً آخر، فيما يلتزم الصهاينة الصمت، ولم يصدر تعقيب رسمي، أو إعلامي بعد التسريبات التي أعقبت زيارة نتنياهو السرية إلى الأردن، وما تردد عن رئيس حكومة الاحتلال، بحث مع الملك الأردني أساساً في موضوع الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية.

ما هو أكيد وفق الأوساط المتابعة للتطورات الفلسطينية، أن خيار الكونفدرالية مع الأردن، أصبح قيد التداول النشط، بعد حصول السلطة الفلسطينية على مكانة عضو مراقب في الأمم المتحدة لدولة فلسطين، ويقال، وفق الأوساط نفسها: إن الرئيس عباس عاد من نيويورك، ليكلف لجنة فلسطينية متخصصة بإعداد تصور قانوني حول الخيار المذكور، وإنه عزز هذه اللجنة بقانونيين كبار، ليتم إنجاز التصور المطلوب بحلول النصف الثاني من شباط القادم.

ويتردد أن الفلسطينيين وقبل التوجه إلى الأمم المتحدة، أجروا مشاورات داخلية، وأخرى مع الأردن، وقد كان معروفاً لدى الطرفين أنه بمجرد الحصول على صفة العضو المراقب في المنظمة الدولية، سيتم اعتماد – بالأحرى - العودة إلى خيار الكونفدرالية مع الأردن.

وهناك من يعيد نجاح المسعى الفلسطيني، في الأمم المتحدة هذه المرة، إلى معرفة أطراف فاعلة ومؤثرة، بأن الحديث يدور في نهاية المطاف عن كونفدرالية مع الأردن، وليس عن دولة مستقلة، في فلسطين، وبالتالي جرى تمرير القرار في الجمعية العامة، وشاهد الجميع كيف تبخرت كثير من الاعتراضات السابقة التي أبدتها دول أوروبية، والولايات المتحدة، فضلاً عن حكومة الاحتلال، والتي كانت رافقت المحاولة الفلسطينية السابقة، والتي انتهت في حينه إلى الفشل.

كثير من جوانب هذا المشهد تتوضح بشكل كامل عند الحديث عن زيارة نتنياهو إلى الأردن، وبشكل سري، ليس هناك في الواقع موجبات ملحة لزيارة سرية، إلا إذا كان البحث يتناول ملفات حساسة، ولا يراد لها أن تكون في دائرة الضوء إعلامياً، وهذا هو الحال مع مسألة الكونفدرالية الأردنية - الفلسطينية.

لا شك بأن توجه السلطة نحو الكونفدرالية يُعتبر مفضَّلاً لحكومة الاحتلال؛ المناهضة دوماً لدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، كما أن الصهاينة أنفسهم كانوا أول من طرح ما يسمى “الخيار الأردني” في نسخته الثانية، النسخة الأولى من هذا الخيار، وفق التصور الصهيوني، تقوم على اعتبار الأردن وطناً للفلسطينيين، يجب ترحيلهم إليه لإقامة دولتهم هناك، أما الخيار الجديد، فيقوم على ما سمي “التقاسم الوظيفي”، وفيه يسيطر الصهاينة على الأرض، ويتولى الأردن أمر إدارة السكان.

ما هو مطروح الآن يشبه الخيار الثاني إلى حد بعيد، وبدل أن يتولى الصهاينة تنفيذه، يقوم بين دولتين؛ دولة فلسطينية وهمية، هي الجزء الفلسطيني من الكونفدرالية، والجزء الثاني: الدولة القائمة شرق نهر الأردن، باسم المملكة الأردنية الهاشمية، وهذا الخيار يُعتبر مريحاً للصهاينة من جوانب عديدة، فهو يلغي فكرة الدولة المستقلة كاملة السيادة، ويؤسس لصراع فلسطيني - أردني، ويترك للاحتلال إكمال مشروعه في تهويد فلسطين، وترسيخ وجوده على أرضها.

بعض المدافعين عن الخيار يستحضر مقولات الوحدة العربية، وما شاكل ذلك من كلام حق يراد به باطل، حبذا الوحدة بين دول حرة مستقلة، ولكن تقديم هدايا للاحتلال باسم الوحدة العربية، يدخل في باب الجريمة المركبة، وخيار الكونفدرالية دون قيام دولة فلسطينية مستقلة بالكامل هو خيار مصمم لإراحة الاحتلال، وإن كان في كل حالاته إسهاماً في تكريس احتلال جزء كبير من فلسطين، وإسقاطاً لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وعموماً ليس من سبيل لإقناع أحد بأن الكونفدرالية في صيغتها المطروحة، هي شكل من أشكال الوحدة العربية.

البعض الآخر، ومن المدافعين عن الخيار أيضاً، يتحدث عن عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، قبل عدوان حزيران عام 1967، حين كانت الضفة الفلسطينية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية.

وهذه قصة تعود إلى ما بعد نكبة فلسطين، وبها استُكمل مشروع أردني قديم ظهر إلى العلن مع طرح أول خطة لتقسيم فلسطين عام 1937، وهي الخطة التي تقدمت بها لجنة “ووكهيد”، ونصت على التقسيم بين العرب واليهود، ولاقاها مشروع الأمير عبد الله، الذي اقترح منح حكم ذاتي لليهود على أجزاء من فلسطين، وضم ما تبقى من فلسطين إلى إمارة شرق الأردن، لإقامة دولة عربية واحدة.

ظل عبد الله وفياً لهذا التوجه، وناهض الهاشميون دوماً مشروع “الوطنية الفلسطينية” بعد النكبة مباشرة، وفيما كان الحاج أمين الحسيني يحاول لملمة ما تبقى من فلسطين، ليشكّل نواة كيان يحرر ما احتل من البلاد، سارع الأمير عبد الله إلى عقد مؤتمر في أريحا، ثم آخر في عمان، انتهيا إلى إعلان وحدة “الضفتين”، وقيام المملكة الأردنية الهاشمية، فيما قُوّض مشروع الحاج أمين كاملاً بعد ذلك، وجرى وضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية.

بقي الوضع كذلك حتى عام 1967، احتل الصهاينة الضفة والقطاع، بقيت الضفة من “الناحية القانونية” جزءاً من الأردن، وواظبت عمان على دفع رواتب الموظفين، ورعاية الأوقاف الإسلامية، وقد تسبب هذا الواقع بعلاقة متوترة بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، فقد عارض الأردن لوقت طويل اعتبار المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وظلت العلاقة عرضة للشد والجذب بين الجانبين لسنوات طويلة، وما زالت، في حين تخلت مصر عن إدارة قطاع غزة، وصار إصدار الأوراق الثبوتية الخاصة بأهالي القطاع، يتم من “إدارة الحاكم” في القاهرة.

بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، والتي صعدت فيها “مشاعر الوطنية الفلسطينية” بقوة، اتخذ الملك الأردني قراراً بفك الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، لاقى القرار ترحيباً فلسطينياً في حينه، وترحيباً من بعض الأوساط الأردنية ورفضاً من بعضها الآخر.

مع توقيع المنظمة اتفاق أوسلو مع حكومة الاحتلال، جرى اعتبار وضع مدينة القدس، من ضمن قضايا الحل النهائي، ثم اعتبرها الصهاينة خارج أي بحث، ولكن عندما وقع الأردن اتفاقية وادي عربة مع حكومة الاحتلال، تم تثبيت مسؤولية قانونية للأردن عن الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة، الأمر الذي أثار حفيظة السلطة الفلسطينية الممنوعة من النشاط والتحرك في مدينة القدس، وعاد التجاذب التقليدي بين الطرفين إلى الظهور، وأطل الحديث عن الكونفدرالية برأسه من جديد، ولكن أحداً لم يأخذ الأمر على محمل الجد، خصوصاً أن العلاقة بين المنظمة والحكومة الأردنية، حملت طوال الوقت، سمات الارتباك والتشابك وغياب الثقة، وانتقلت هذه السمات مجتمعة إلى العلاقة بين السلطة ونظام الحكم في الأردن.

عام 1985، وقع الطرفان (المنظمة والأردن) اتفاق عمان، وهو نص بشكل صريح وواضح، على أن مستقبل العلاقة بين الطرفين هو العلاقة الكونفدرالية، ولكن الاتفاق ألغي من قبل الأردن بعد أشهر قليلة، وطوال الوقت الذي تحدث فيه قادة المنظمة عن الكونفدرالية، كان الموقف الأردني يصر على رفضها، أو يكتفي بعدم التعليق عليها، وبدا الأمر على الدوام اندفاعاً فلسطينياً نحو هذا الخيار، وابتعاداً أردنياً رسمياً عن الخوض فيه.

وثمة من يلفت الانتباه إلى أن المنظمة، والسلطة لاحقاً، كانت تكثر من الحديث عن الكونفدرالية، كلما واجه الخيار التفاوضي انسداداً على نحو ما، في حين تعمد الأردن التشديد على دعم خيار دولة فلسطينية مستقلة، وكأنه يرد بذلك على اتهام تاريخي، بإعاقة التطلعات الوطنية الفلسطينية ومناهضة الكيان الفلسطيني.

أمر آخر يتصل بالمخاوف الأردنية، من اختلال ديمغرافي لصالح أغلبية فلسطينية، كان وراء الموقف الرسمي الأردني من طرح الفلسطينيين المتكرر للكونفدرالية، إذ غير خاف أنه مع نمو مشاعر “الوطنية الفلسطينية”، نمت أيضاً مشاعر “وطنية شرق أردنية”، وعبر بعض رموزها عن معاداة للفلسطينيين أخذت طابعاً عنصرياً في أحيان كثيرة، باسم الدفاع عن الكيان الوطني الأردني، رموز هذا التوجه عبروا عن رفضهم الشديد لإعادة الروابط مع الضفة الغربية من أي نوع، تماماً كما اعتبر بعض الفلسطينيين إعادة الروابط نوعاً من المؤامرة على المشروع والكيان الوطني الفلسطيني.

قصارى القول: نما اتجاهان شرق النهر وغرب النهر، يناهضان بقوة تقارباً بين المملكة والسلطة/الدولة الفلسطينية، وبالتوازي غاب عن التداول إلى حد كبير الحديث الصهيوني عن الوطن البديل، أو اعتبار الأردن دولة للفلسطينيين.

تساؤل منطقي يطرح الآن: لماذا العودة للحديث عن خيار الكونفدرالية؟ وهل هي مجرد مناورة أم توجه جدي؟

سلفت الإشارة إلى أن طرح الموضوع أصلاً وثيق الارتباط بتعثر التسوية، وتدرك السلطة أن ما حازته في الأمم المتحدة لا يعني دولة، ولا يعني حتى شبه دولة، لكنه قابل للصرف من أجل التصرف كدولة، إذا تعلق الأمر بالكونفدرالية مثلاً، وثمة من يقول: إن إنهاء الانقسام، وبالرغم من كل ما يطفو على السطح، يقترب من خانة الاستحالة، فالبنى القائمة في غزة تتجه نحو مصر بشكل حثيث.

وربما هناك من يجد الفرصة سانحة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء: ضفة مع الأردن، غزة مع مصر، أما فلسطين ومشروع التحرر..

- عبد الرحمن ناصر



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010