الاثنين 14 كانون الثاني (يناير) 2013

كيف تكون «خريطة طريق» الحل السوري؟

الاثنين 14 كانون الثاني (يناير) 2013

كما كان متوقعاً، انهمرت الإشادات والاعتراضات والتحليلات للخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الأسد، والذي اقترح فيه تصوّره للحل في سورية، وأطلق مبادرة من مراحل ثلاث. لكن بغض النظر عن وجهات النظر المؤيدة والشاجبة، وعما طرحه، لا شكّ أن أي تصور واقعي للحل في سورية عليه أن يأخذ عدم قدرة أي من الطرفين على الحسم العسكري السريع والناجز في وقت قصير، خصوصاً بعد مرور ما يقارب السنتين على نشوب الأزمة في سورية، والتي سرعان ما تحولت إلى حروب بالوكالة على الأراضي السورية، وبدماء السوريين.

انطلاقاً من هذه القناعة بعدم القدرة على الحسم، وأن الوقت لا يلعب لصالح أي من الطرفين، فالدولة والجيش السوري لا يمكن أن ينهزم أمام الإرهاب، وسينتصر في النهاية، لكن معركة الإرهاب الطويلة تدمي جسد الدولة السورية وشعبها، وهي خسارة لها بالتأكيد، وهكذا على الأطراف التي تريد فعلاً أن تجد حلاً منطقياً للنزاع في سورية، أن تعتمد آليات العدالة الانتقالية، وذلك بالاستناد إلى التجارب التاريخية التي استُخدمت في دول عدة عانت من إرث من النزاع، وحيث ساهمت تلك الآليات بانتقالها إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية والسلام.

لعل من أهم آليات العدالة الانتقالية التي تؤدي إلى التطلع إلى المستقبل بدل الغرق في الماضي والاستمرار في الحرب والنزاع، هي الآليات التي تسمح ببناء السلام في المجتمع السوري، ويمكن أن نذكر منها ما يلي:

- المحاكمات لمن ارتكب الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان، ومارس قطع الرؤوس والتنكيل بالمواطنين السوريين الأبرياء.

- المصالحة بين مكونات المجتمع السوري كافة، ويمكن أن تكون هذه المصالحة كنتيجة لقيام مؤتمر حوار وطني، يعقبه تشكيل لجان تحقيق لكشف الحقائق حول كل ما حصل من ارتكابات خلال السنتين الماضيتين، فالاعتراف بالحقيقة هو التمهيد الأفضل للمصالحة والعفو.

- العفو: يعتبر كثير من المفكرين أن طيّ صفحة الماضي هي أنجع وسيلة لتلافي إحداث اضطراب في مسيرة انتقالية حساسة، ولعدم العودة إلى زمن العنف، ما قد يعيد نَكْأ جراح الضحايا القديمة، ولكن، برأينا، فإن العفو غير المشروط هو الخطيئة الكبرى التي تُرتكب بحق أي شعب من الشعوب، فالعفو عير المقرون بإعلان الندم والتوبة، أو بتسليم السلاح والتعهد بعدم العودة إليه، أو بمعرفة حقيقة ما جرى وتحديد المسؤوليات، هو جريمة كبرى تشبه ما حصل في لبنان بُعيد الحرب الأهلية، حيث تمّ العفو الشامل عن كل الجرائم المرتكبة من دون مساءلة أو حفظ حقوق الضحايا بمعرفة الحقيقة أو التعويض، وكان بمنزلة طمر الجمر تحت الرماد، والذي أدى إلى استمرار الاحتقان المذهبي والطائفي، وهو الذي يؤدي إلى إشعال فتيل الفتن المتنقلة كلما توتّر الوضع الإقليمي.

- إعادة إدماج المقاتلين والمسلحين، وهنا على الدولة السورية أن تميّز بين الإرهابيين التكفيريين، وبين المعارضين السوريين الذين امتشقوا السلاح، ولعل العفو ومحاولة إعادة إدماج المسلحين السوريين من غير الإرهابيين، يسمح بفرز الفئتين، ما يؤدي إلى سهولة اجتثاث الإرهاب، كما يخفف على المجتمع السوري تبعات انتشار السلاح، ما يساهم في الأمن والاستقرار عن طريق تجريد المحاربين من الأسلحة، وتحريرهم من البنيات العسكرية، ومساعدتهم في الاندماج اجتماعياً واقتصادياً في المجتمع، عن طريق إيجاد سبيل لكسب العيش.

وتترافق مع الإدماج الأمني عملية إصلاح شاملة للبنى المؤسساتية، وتنمية الأرياف والمناطق المحرومة، ما يؤدي إلى القضاء على الجذور الاجتماعية والاقتصادية لتأجيج الصراع، وهذه تترافق بالضرورة مع تبني إصلاحات تشمل مؤسسات الدولة وقوانينها وسياساتها المختلفة، بهدف تمكين البلاد من تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البعيدة المدى، والتي تُعتبر ضرورية لتفادي وقوع انهيار مؤسساتي وديمقراطي في المستقبل.

- التعويضات: الهدف الأساسي لهذه الآلية هو إحقاق العدالة للضحايا، وضمان حقوقهم، وتعويضهم عما لحق بهم من الضرر والمعاناة، وينطوي المفهوم القانوني للتعويض - بحسب تقارير الأمم المتحدة - على معيارين: حق الضحية في الحصول على تعويض عما لحق بها، وواجب الطرف المسؤول بالتعويض عن الضرر الذي سبّبه.

وهكذا، إن بناء السلام في سورية هو مرحلة صعبة وطويلة، لكن على الأطراف المتحاربة ومن يدعمها من الدول الكبرى أن تقتنع بداية أن الخيار العسكري قد سقط، وأنه لا بد من تسوية تُخرج الجميع من المأزق الذي دخلوا فيه، وعلى السوريين أن يقتنعوا بأن بناء سورية الجديدة لا يمكن أن تقوم على محاولات إلغائية لأي طرف من الأطراف، ولا على محاولات استقدام الاحتلال الأجنبي، وأن تجارب الدول أثبتت أن المصالحة التي تؤدي إلى الاستقرار، والتي تبنى على أساس إحقاق العدالة وإنصاف الضحايا، هي الخيار الأفضل للبقاء.

- ليلى نقولا الرحباني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165923

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165923 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010