الأربعاء 16 كانون الثاني (يناير) 2013

خطوة رمزية ليس أكثر

الأربعاء 16 كانون الثاني (يناير) 2013 par عوني صادق

تستحق شجاعة أولئك الناشطات والناشطين الذين فكروا ونفذوا فكرة إقامة قرية “باب الشمس”، في منطقة قررت حكومة بنيامين نتنياهو أن تكون مكاناً لمستوطنة جديدة، تنطوي على خطوة استراتيجية مهمة في مخطط استيطاني استراتيجي، كل احترام وتقدير . لكن لا أظن أن أحداً منهم تصور أنهم قادرون على حماية “قريتهم”، أو أن سلطات الاحتلال ستتركهم ينفذون لفترة طويلة ما أقدموا عليه، مع ما يمكن أن يتعرضوا له من أذى وأضرار، وهو ما يزيد من احترامنا وتقديرنا لهم .

بعد يوم واحد فقط من نصب خيام “القرية”، أوعز رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، بنيامين نتنياهو، إلى قوات أمنه وجنود جيشه وحرس حدوده بإخلائها “فوراً” . وقد فعلت ذلك صباح يوم الأحد الماضي وبالقوة، واعتقلت كل من كانوا فيها، من متضامنين فلسطينيين وأجانب . وكانت سلطات الاحتلال قد أعلنت المنطقة “منطقة عسكرية مغلقة”، ومنعت عدداً من ممثلي الفصائل الفلسطينية، والمسؤولين في السلطة، والمتضامنين الفلسطينيين والأجانب من الوصول إليها . في الوقت نفسه، كانت الإدارة المدنية “الإسرائيلية” قد أصدرت أمراً بإخلاء القرية، لكن عائلات فلسطينية في المنطقة قدمت “التماساً” إلى “المحكمة “الإسرائيلية” العليا” ضد أمر الإخلاء . ولم ينتظر نتنياهو لتصدر المحكمة أمرها بالإخلاء، لكن الأمر صدر بحجة أن القرية أقيمت على “أرض دولة” ومنعاً “لإثارة أعمال شغب سيكون لها تداعيات وطنية ودولية”، كما ادعت الحكومة أمام المحكمة . أما السبب الحقيقي فعبرت عنه الحكومة بقولها: إن إخلاء القرية “ضروري لمنع سابقة غزو الفلسطينيين لأراضي الدولة . . .”! يا سبحان الله! تصرف أصحاب الأرض بقطعة صغيرة من الأرض تعدّ في عرف الاحتلال “غزواً”، أما الغزو الفعلي وسرقة كل الأرض علناً فهي شرعية لأنها “الدولة” ولأن الأرض “أرض الدولة”! لقد أعلن عدد من قادة الفصائل الفلسطينية، ومسؤولين في السلطة الفلسطينية، تأييدهم لخطوة الناشطين، وحاول بعضهم الوصول إليهم كمتضامنين، لكنهم منعوا من ذلك . وبعضهم (مثل حركة حماس) “حذر” السلطات “الإسرائيلية” من تنفيذ تهديداتها، ثم، لاحقاً بعد تنفيذ التهديدات، استنكروا تنفيذها، وكفى الله “المؤمنين” القتال .

أعرف أن ما سأقوله لن يعجب كثيرين، لكنه الحقيقة في ما أعتقد، وهي مرة معظم الأحيان . إن فكرة “القرية”، قد تكون فكرة “إبداعية” في رواية، لكنها في واقع كالواقع الفلسطيني، ومع احتلال استيطاني، ليس لها أن تتجاوز حدود “الرمزية”، أو في أحسن الأحوال “الخطوة الاحتجاجية”، التي ستواجه بما ووجهت به بالفعل، أي بالقوة . وفي كل الأحوال لن تنفع دليلاً على “فاعلية” المقاومة الشعبية، ما دامت تفتقر إلى القوة القادرة على حمايتها وبقائها . وأغلب الظن أن الفكرة انطوت، بوعي أو من دونه، على محاولة للفت نظر “المجتمع الدولي” إلى الوضع الراهن في الأراضي المحتلة، لعل ذلك يدفعه إلى إعادة النظر في مصير المفاوضات، و “عملية السلام” الميتة .

أما إذا ابتعدنا أكثر من ذلك، فإن مشكلة الفلسطينيين، قيادات ونخباً، كانت دائماً محاولة تقليد الحركة الصهيونية . لقد لاحظوا أن المستوطنين الصهاينة، وكذلك الحكومات “الإسرائيلية”، قبل إقامة الكيان وبعده، كانوا، وما زالوا، يضعون أيديهم على الأرض ويقيمون عليها المستوطنات من دون الرجوع إلى أحد، فلماذا لا يحاولون فعل شيء مماثل؟ هنا يظهر غياب الحقائق والإبداع معاً، فالحركة الصهيونية زمن الانتداب البريطاني كانت مدعومة ومحمية بقوات الانتداب، وزيادة على ذلك كانت قبل أن تنشئ المستوطنة تنشئ “الحامية” التي تدافع عنها وتحميها . أما بعد الاحتلال، فالحكومات “الإسرائيلية” تملك القوة التي تسمح لها بفعل ذلك، وبغطاء من “المجتمع الدولي” الذي لا يفعل أكثر مما تفعله قيادات الفصائل الفلسطينية: الاستياء وأحياناً الاستنكار، ولكن دائماً وصف المستوطنات ومشاريع الاستيطان ليس أكثر من أنها “تشكل عقبة في طريق السلام”، أو في طريق “حل الدولتين” .

بماذا تختلف فكرة “قرية باب الشمس” عن أيام بلعين ونعلين وكفر قدوم والنبي صالح؟ وماذا أعطتنا هذه الأيام، غير عدد من المصابين والشهداء والمعتقلين؟ هل أوقفت بناء الجدار؟ هل أوقفت عمليات الاستيطان؟ هل غيرت شيئاً من برنامج “إسرائيل الكاملة”؟ ليس معنى ذلك أنني ضد “المقاومة الشعبية”، بل معناه أنني أرى أن “المقاومة الشعبية السلمية” لا تجدي نفعاً مع مستوطن على استعداد للقتل باسم “الدفاع عن النفس” مدعوم بآلة عسكرية جاهزة لحمايته والدفاع عنه، أو باسم “التعدي على أراضي الدولة”، أو حتى باسم “إثارة أعمال الشغب”! المقاومة الشعبية مطلوبة بكل أشكالها، ولكن ليس وحدها، وليس بوصفها “الجهد الرئيس” في مقاومة الاحتلال . هي مطلوبة كرافد مهم للعمل الحقيقي: العمل المسلح . لكن أنصار “المقاومة الشعبية” يريدون مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” بدعوات السلام، وليتهم يريدونها على طريقة غاندي الذي كانت “مقاطعة الاحتلال” أهم نقطة في برنامج مقاومته .

كنا نعرف لماذا السلطة في رام الله تؤيد وتشجع وتتبنى “المقاومة الشعبية السلمية”، وكنا نعرف أنها تفعل ذلك لأنها ترفض “العنف والسلاح”، لأنها مع “الحياة مفاوضات”، ولأن تأييدها وتبنيها لهذه المقاومة لا “تحرجها” أمام سلطات الاحتلال وأمام “المجتمع الدولي” . لكننا لم نكن نعرف أن فصائل المقاومة أصبحت من أنصار “المقاومة الشعبية السلمية”، تسير على الدرب نفسه . لقد أقدمت قوات “الأمن الفلسطيني” أكثر من مرة على اعتقال “متظاهرين سلميين”، لأنهم لجأوا إلى الحجارة مع جنود الاحتلال، لكن رموز السلطة أعلنت تأييدها، واستعدادها للمشاركة مع معتصمي “باب الشمس” . . . ألا يطرح هذا وحده أكثر من سؤال؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165265

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165265 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010