بات الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال “الإسرائيلي” في الحلبة لوحدهم في مواجهة عدو شرس مناور لا يحترم عهوداً أو اتفاقات، فها هو يسلب ما حققته معركة الأمعاء الخاوية شيئاً فشيئاً بعد أن استنكف عن تطبيق الكثير من بنودها، وأهمها إلغاء الاعتقال الإداري وإنهاء سياسة العزل .
وإمعاناً في غطرسته وعربدته، لجأ الاحتلال، كعادته، إلى حيل وألاعيب لبث اليأس والإحباط في صفوف الأسرى بضرب وحدتهم، والإيحاء بأن مصيرهم في يديه وأنه قادر على هدم ما بنوه بلا حول لهم ولا قوة، وتمادى في الاستفراد بكل حالة على حدة لتفتيت حالة التضامن القائمة بينهم .
سياسة الاحتلال هذه لم تكن لتنجح لو كان هناك الحد الأدنى من الاهتمام الرسمي أو تصاعد التضامن الشعبي مع الأسرى وقضيتهم، خاصة مع انشغال مصر التي رعت الاتفاقات في أمورها الداخلية وما تشهده من تطورات . وانصراف ما يسمى المجتمع الدولي إلى قضايا أخرى ليست القضية الفلسطينية من بينها، لذلك رأينا العديد من الأسرى المسجونين إدارياً يلجأون إلى الاعتماد على أنفسهم بعد فقدانهم أي بصيص أمل في الانتصار لهم ولقضيتهم العادلة، ودخلوا في إضرابات مفتوحة عن الطعام لإجبار الاحتلال على فك قيدهم بعد أن تراجع عن وعود سابقة مقابل وقف الإضراب، وها هو الأسير الأسطوري سامر العيساوي يكمل شهره السادس في معركته التي يتحدى بها الاحتلال بأمعائه الخاوية، معرّضاً حياته للخطر بعد أن تراجعت صحته وهزل جسده، لكن عزيمته وإصراره عرّيا الاحتلال وكشفاه، كما التحق به إخوانه أيمن الشروانة وطارق قعدان وجعفر عز الدين ويوسف شعبان وأكرم الريخاوي، والذين باتت معركتهم مع الاحتلال معركة حياة أو موت ولسان حالهم يقول “نموت واقفين ولن نركع” .
أناس بهذا العزم وهذه التضحية يستحقون وقفة جادة معهم لتحريرهم بشتى السبل، ومن يرسل الوفود الدبلوماسية إلى عواصم العالم لإعادة إحياء مفاوضات عبثية يرفضها الاحتلال، بإمكانه أن يرسلها لإنقاذ أرواح مناضلين عظماء سطروا ملاحم بطولية في مقارعة الاحتلال وآلته القمعية، لأن أرواحهم باتت بحق معلقة بين الحياة والموت ما يستوجب تحركاً على الصعد كافة لإنهاء معاناتهم، والحديث الذي طرح مؤخراً لتدويل قضيتهم على أساس أنهم أسرى حرب بعد ترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة، لم يترجم على أرض الواقع إلى الآن رغم أن هذه القضية لا تحتمل التأجيل والتسويف، لكن من يُضرب بالعصي ليس كمن يعدها .
الأسرى هم العنوان الأبرز للصراع في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل القضية الفلسطينية وإضرابهم يعتبر ضريبة الدفاع عن الوطن وحريته، وقضيتهم تحتاج إلى تفعيلها إعلامياً ومناصرتها ميدانياً بفعاليات وحملات تضامن ومسيرات والتفاف جماهيري وشعبي يكون بمثابة إعادة شحن لطاقات الأسرى وإرادتهم . وعلى الصعيد النضالي، هناك العديد من الأجنحة العسكرية والخلايا تسعى إلى أسر جنود صهاينة لمبادلتهم بالأسرى، وآخرها الخلية التي تم توقيفها في الضفة الغربية، لكن ينبغي تكثيف العمل على هذا الجانب بعد أن أثبت نجاعته في مواجهة عدو لا يفهم غير لغة القوة .