معروف السبب الذي من أجله يمكن ان تدافع عن وطنك فيما لن تدافع عن اي بلد آخر.. ومعروف ايضا لماذا الحنين الى وطنك مسقط رأسك وليس الى اي مكان آخر مهما انفعلت فيه ..
كنت كلما أسافر إلى بلد غير عربي اشتم رائحة تراب مختلفة عن تلك التي عهدتها في وطني.. لكأنما فلذات جسدي مركبة منه، وكأنما الهواء الذي تنشقته صنع من رئتي فلذات خاصة لاتصلح لأي هواء آخر، وبالتالي الى المكان الآخر.
لكني في حقيقة الأمر أغبط البعض الذي يضع دائما محفظة ثيابه على ظهره واينما كانت الوجهة فهي محطته النهائية. أقول إني أغبطه، لأني على تماس تام مع ماقاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش ذات يوم:“هذه الارض جلد عظمي/ وقلبي فوق اعشاشها يطير كنحلة”.
وأقول الحق اعترافا مني بسيطرة الوطن الأكبر على انفاسي وهو المقصود بكلمة وطني، فانا لا اعترف سوى بالجغرافيا التي صنعت الامتداد الذي يهمني وأراه بصورته المترامية الاطراف متداخلا بآسيا ثم بإفريقيا مترابطا بهيكله العظمي، مشدودا الى البحار والمياه، ومهما كان التباعد فيما بينه فهو دائم التطلع الى بعضه وكأنه ضمن قطار واحد ينتظر نهاية الرحلة كي يفعل مايفعله غيره من النظارة الذي ينتظر كل منهم الآخر.
أقول إني مشبع بهذه الجغرافيا التي ليست فقط على مرأى مني، بل هي تشيد في عظامي مكانها اللائق.. فانا في النهاية ابنها، وتاريخ من تاريخها، ووجه من وجوه صباحاتها، وفي قلبي شمس وظل شجرة متعافية. ألا ينطبق هذا الوصف على الوطن العربي الكبير الذي اشعرني دائما اني ذاك العاشق الذي كلما اكتشف حبا تأكد له حبه القديم .. فمن يحب يستطيع أن يعيش حبه على انه أبدي، فكيف اذا ماكان الوطن العربي حبه ومستقر عواطفه ووجدانه، وكيف اذا كانت صورة قطره الصغير وسط جغرافيته الواسعة.
حين اتكلم عن رائحة تراب بلادي، فأنا لا اقصد تلك المساحة الصغيرة، بل ذلك الامتداد من المحيط الى الخليج .. أعرف ان كثيرين لايوافقوني الرأي من الاجيال الحالية التي غادرت منذ زمن مفهومها القومي الواسع وبانها جزء من كل متكامل، باستثناء أولئك الذين عايشوا مرحلة الحلم القومي وبنوا فيه استقرارهم الهاديء الذي لم ولن يتزعزع رغم الخطوب التي مرت والافكار التي تغيرت والعوامل التي تبدلت.
سأظل هناك حيث خارطة أمتي الكبرى ولن أسامح نفسي في تغيير اجتهادي وموقفي. هنا “بلاد العرب أوطاني”، وهنا مايتفوق على السياسة، هو الاحساس بانك تملك جغرافيا كبرى استطيع فيها انا العربي ان أتحدث فيجيبني أكثر من ثلاثمائة مليون، يتفاهمون معي واتفاهم معهم، يفرحون بي وأفرح بهم اذا ماالتقينا في بلاد الله الواسعة ، يصلون مثلي وأصلي مثلهم .. ما ان اتحدث العربية حتى تطن كلماتي في أذن مئات الملايين الذي لايجدون صعوبة في فهمي.
رائحة ترابي إذن، هي مزيج من هواء يتلاقى ويتمازج ويتعاطف ليكون رائحة واحدة مكثفة فيها كل الخلود لمن يريدها ويشعر بها ويتمناها أبد الدهر. تلك التربة موجودة لكل متأمل بتاريخ أمته التي تحاول ان تخرسها اليوم ألاعيب كثيرة، ومتغيرات تسعى لترتيب تراب كل على قياسه، لايصلح ان يكون هواء نقيا.
الاثنين 18 شباط (فبراير) 2013
رائحة التراب
الاثنين 18 شباط (فبراير) 2013
par
زهير ماجد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
66 /
2165456
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
15 من الزوار الآن
2165456 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 17