السبت 2 آذار (مارس) 2013

المصالحة في المقاومة

السبت 2 آذار (مارس) 2013 par د. عصام نعمان

الشعب الفلسطيني في أرضه والمعتقلات والشتات أشجع من قيادته وأقوى . هو شعب قائد لنفسه لأن السلطة الفلسطينية ليست قيادة أصلاً، وليست لها هيبة السلطة وصلاحياتها وقدراتها .

أسرى الشعب الفلسطيني في مُعتقلات “إسرائيل” أشجع وأقوى من إخوتهم “الأحرار” في الضفة والقطاع . ليس أدل على ذلك من مبادرة “الأمعاء الخاوية” التي انطلقت من سجون العدو وشارك فيها ألوف الأسرى والموقوفين، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات وتظاهرات صاخبة في الضفة والقطاع واعتصامات داخل فلسطين المحتلة وخارجها إجلالاً للشهداء . كل ذلك ما كان ليحدث لولا انشغال معظم الفصائل بالصراع والتنافس فيما بينها، وعجز سلطتي رام الله وغزة عن التوصّل إلى مصالحة وطنية تضاعف فعالية فصائل المقاومة وحضورها .

مصادر رفيعة المستوى في قيادة الجيش “الإسرائيلي” قالت لصحيفة “معاريف” (26-2-2013) إنها لا تتوقع أن تؤدي الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة . ثمة اعتقاد لديها أن الأحداث بدأت بالتراجع، لكنها في الوقت نفسه قدّرت أن تبقى مستمرة إلى حين الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى كل من “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية في 20 مارس/آذار المقبل .

الواقع أن الهدف الرئيس من وراء “تساهل” السلطة مع المتظاهرين هو الضغط على أوباما لتغيير جدول أعماله خلال زيارته لجعل القضية الفلسطينية، وخصوصاً قضية الأسرى، في صدارة اهتمامه بدلاً من موضوعَي إيران وسوريا . وفي الوقت نفسه، يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير معني بأن يفقد السيطرة على الشارع إلى درجة اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تنطوي على مظاهر مسلحة أو عمليات استشهادية، ذلك أن أي خيبة أمل من زيارة أوباما من شأنها أن تتسبب بتصعيد الوضع أكثر فأكثر .

لتطويق الانتفاضة المحتملة، “قامت “إسرائيل”” في الأيام القليلة الماضية باتخاذ خطوات عدة من أجل تهدئة الأوضاع المتوترة في الضفة الغربية . فقد أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن حكومته ستقدّم موعد تحويل أموال الضرائب التي جبتها “إسرائيل” لمصلحة السلطة الفلسطينية عن شهر يناير/كانون الثاني الماضي .

لم تخفِ مصادر في الجيش “الإسرائيلي”، “أن الغاية المتوخاة من وراء هذا التدبير هي دفع رواتب أفراد أجهزة الأمن الفلسطينية” التي تبدو غير متعاونة مع قوات الأمن “الإسرائيلية” في قمع المتظاهرين .

خلافاً لقيادة الجيش “الإسرائيلي”، ترى قوى اليسار في “إسرائيل” أن التظاهرات قد تتطور إلى انتفاضة . صحيفة “هآرتس” (25/2/2013) قالت إن “ما يجري كان متوقعاً منذ زمن طويل، فالتظاهرات التي اندلعت أخيراً في المناطق المحتلة يجب ألاّ تفاجئ أحداً، إذ بعد أعوام من الجمود السياسي، وبعد معركة انتخابية “إسرائيلية” تجاهلت إلى حد بعيد مسألة الاحتلال، وفي إثر تصريحات شخصيات سياسية “إسرائيلية” متعجرفة، أكدت بغطرسة أن الموضوع السياسي يأتي في أسفل سلم أولوياتها، لم يبقَ للفلسطينيين غير اليأس والمعاناة من دون أي أفق سياسي” .

أضيفت إلى ذلك “خطوات جهنمية اتخذتها “إسرائيل” زادت في تعميق اليأس مثل إعلان النية للبناء في منطقة E1 ؛، وإعادة اعتقال 14 فلسطينياً من الذين أفرج عنهم في إطار صفقة شاليت، وقتل متظاهرين مسالمين؛ والوسائل القاسية التي يستخدمها الجيش في قمع التظاهرات؛ وازدياد أعمال الاستفزاز التي يقوم بها المستوطنون والتي لم يتصد لها لا الجيش ولا الشرطة؛ والنجاح النسبي ل”حماس” في غزة بعد عملية “عمود السحاب” في ليّ ذراع “إسرائيل” بإطلاق الصواريخ على أراضيها . في ظل هذه الأوضاع يبدو نشوب انتفاضة فلسطينية في الضفة مسألة وقت وانتظار الفرصة الملائمة . من هنا يمكن القول إن الإضراب المستمر عن الطعام الذي أعلنه عدد من الأسرى، ووفاة أسير شاب آخر، قد يشكّلان عود الكبريت الذي سيشعل النار” .

ختمت “هآرتس” تحليلها بالقول إنه “إذا لم تضع الحكومة “الإسرائيلية” المقبلة الموضوع السياسي في مقدم أولوياتها، فإن التظاهرات لن تتوقف . لقد أثبت الفلسطينيون أكثر من مرة أنه لا يمكن التهرب من مناقشة مصيرهم، على الرغم من محاولة “إسرائيل” الاهتمام بمسائل أُخرى أقل أهمية . إن الموضوع السياسي هو الموضوع الأول المطروح حالياً على “إسرائيل”، هذا إذا لم تشأ مواجهة انتفاضة جديدة” .

الحقيقة أن تقييم قوى اليسار للوضع الحالي في الضفة الغربية لا يخلو من الصواب، غير أن السبب الرئيس لتأخّر اندلاع الانتفاضة الثالثة يعود، بالدرجة الأولى، إلى تخلي السلطة الفلسطينية عن نهج المقاومة وتمسكها بنهج المفاوضات ماأدى إلى كارثتين: الأولى، انقسام فصائل المقاومة فيما بينها حتى حدود الاقتتال أحياناً . والثانية، ترهّل منظمة التحرير وتلاشي فعاليتها وهيبتها، وإذ تحوّل الفلسطينيون فريقين متصارعين، أصبح تجاوز الكارثتين المشار إليهما مرهون بإنجاز مصالحة وطنية شاملة . والحال أن مساعي المصالحة تعقدت وتعثرت ولا يبدو خيط ضوء لها في نفقها الطويل . لعل السبب الرئيس لتعثرها أن محادثات المصالحة تجري بين سلطتين : واحدة في رام الله والأخرى في غزة، بينما يقتضي أن تجري بين جميع فصائل المقاومة داخل منظمة التحرير وخارجها . ولا يُرّد علينا بأن منظمة التحرير مترهلة وغير فاعلة، لأن ذلك يشكّل بحد ذاته دافعاً إضافياً إلى إعادة بناء المنظمة بما هي الكيان الوطني الحقوقي والسياسي للشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد وذراعه في الكفاح والمقاومة .

أجل، يقتضي أن تباشر فصائل المقاومة الفلسطينية والقوى الحية في الشعب الفلسطيني والشعب العربي حالاً وبلا إبطاء ورشة واسعة لإعادة بناء منظمة التحرير على أساس المشروع الوطني الفلسطيني بما هو مشروع مقاومة وتحرير للوطن المحتل من النهر إلى البحر، في سياق إعادة بناء المنظمة تجري وتتم المصالحة الوطنية الفلسطينية، كما يجري الإعداد لمعاودة إطلاق مقاومة شاملة، مدنية وميدانية، تنشط حتى لحظة النصر النهائي .

المصالحة في المقاومة . . . تلك هي الغاية والوسيلة معاً في المرحلة الرا



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178386

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178386 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40