الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010

العرب ومتطلبات تجاوز الدورين الإيراني والتركي

الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010 par صالح النعامي

للأسف الشديد، فإن النظام العربي الرسمي بدلاً من أن يستخلص العبر من أحداث أسطول الحرية التي فضحت تواطؤه في فرض الحصار على قطاع غزة، ينطلق فاراً للإمام في مسيرة التواطؤ والتخاذل.

لا يحتاج الأمر إلى تحليل عميق لكي يدرك المرء بسهولة حجم الحرج الذي وقع فيه النظام العربي الرسمي بعد هبة أسطول الحرية التي عرت هذا النظام وكشفت عوراته. ومع ذلك فها هي سلطة رام الله والنظام العربي الرسمي مرة أخرى يقدمان الدليل القاطع على تواطئهما على استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، ومرة أخرى يتقدمان لحماية “إسرائيل” من العقاب. فكما تواترت الأنباء ومن مصادر مختلفة يتأكد أن رئيس السلطة محمود عباس تدخل لدى الرئيس الأمريكي لمنع رفع الحصار عن قطاع غزة بحجة أن من شأن مثل هذه الخطوة تعزيز حكم حركة حماس، وإن كان هذا لا يكفي دليلاً على التواطؤ، فها هو وزير المواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس يأتي ليؤكد أن كلاً من مصر و“إسرائيل” تتعاونان في فرض الحصار على قطاع غزة لمساعدة محمود عباس. للأسف الشديد وصل الأمر إلى حد رفض مصر المقترحات الأوروبية القاضية بإعادة فتح معبر رفح والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر البحر، بحجة أنه لا يمكن تفتيش السفن المتجهة للقطاع بشكل دقيق.

لا يتعلم هذا النظام من أخطائه، ويصر على تكرارها، وعلى رأس هذه الأخطاء: الاعتقاد بأن مواصلة فرض الحصار على قطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى انهيار حكم حركة حماس، فالشواهد على أرض الواقع تثبت بؤس الرهان على هذا الحصار لتحقيق هذا الهدف، بل على العكس تماماً فإن الحصار أدى إلى تعزيز حركة حماس ومنحها تعاطفاً عربياً وإسلامياً ودولياً لم تكن الحركة لتحلم به لو لم يتم فرض الحصار عليها. إن محصلة أكثر من ثلاث سنوات ونصف من الحصار على قطاع غزة قد جعلت غزة تحاصر النظام العربي الرسمي، كما تحاصر “إسرائيل” وحلفاءها؛ فهامش المناورة الضئيل الذي كان متاحاً أمام هذا النظام لم يعد قائماً، سيما في ظل تعاظم الدعوات لتسيير المزيد من أساطيل الحرية لقطاع غزة. والذي يجعل موقف ما يعرف بمحور “الاعتدال” العربي أكثر حرجاً هو انضمام قطاعات كثيرة من النخب العربية لجهود فرض الحصار؛ ولا يخفى على أحد أن هذا التطور سيكشف البون الشاسع الذي يفصل الأنظمة العربية عن جمهورها والرأي العام في الدول التي تحكمها، وهذا ما سيظهر تهاوي شرعية هذه الأنظمة. إن حالة التيه التي يعيشها النظام العربي الرسمي تجعله غير قادر على القيام بعملية إعادة تقييم شاملة وضرورية لسياساته تجاه قطاع غزة وحركة حماس؛ فلا يعقل أن يواصل هذا النظام دفع الأوكسجين في شرايين سلطة رام الله المتهاوية. وحتى لو تجاوزنا للحظة الاعتبارات القومية والأخلاقية والتي يتوجب أن تحكم سلوك أنظمة الحكم تجاه قضايا أقطارها وأمتها، فإنه حتى وفق الحسابات الضيقة لكل نظام عربي يتوجب عدم مواصلة التواطؤ في فرض الحصار على غزة والتعاون مع سلطة عباس؛ لأنه يتم تحميل النظام العربي تبعات كل أخطاء وخطايا هذه السلطة؛ حيث إن سلوك هذه السلطة بلغ من الانحطاط لدرجة أن الارتباط بها أصبح مكلفاً جداً.

ما تقدم لا يعني أنه يتوجب على النظام العربي الرسمي ألا يوجه الأسئلة لحركة حماس وحكوماتها، فهناك الكثير مما يتوجب على هذه الحركة إعادة تقييمه، سيما فيما يتعلق بفكرة الجمع بين الحكم والمقاومة؛ لكن مما لا شك فيه أنه يتوجب أولاً وضع حد لسلوك سلطة رام الله التفريطي في القضية الفلسطينية. فباسم من يبلغ محمود عباس قادة المنظمات اليهودية الأمريكية أنه لا ينكر حق “الشعب اليهودي في أرض إسرائيل”؛ ولمن لا يدرك الأمر فإن مصطلح “أرض إسرائيل” يعني حدود فلسطين التاريخية؛ أي الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حربي 1948 و1967؟. وباسم من يعلن رئيس حكومته سلام فياض بأنه لا ينكر “حقوق اليهود في أرض التوارة”. على الرغم من أن التجربة التاريخية قد تدفع نحو اليأس من إمكانية أن تتغير أنماط سلوك الأنظمة العربية، إلا أنه بالإمكان تدارك الأمر بشكل يخدم المصالح الوطنية لكل قطر عربي، والمصالح القومية للعرب جميعاً. وأعتقد أن هذا التغيير يجب أن يدفع بعض الأنظمة العربية للتوقف عن ربط الحراك الداخلي في بلدانها باتجاه البوصلة الإسرائيلية والأمريكية، لدرجة أن تصل الأمور في بعض الأحيان أن “تفطن” هذه الأنطمة للقيام بخطوات اعتقاداً منها أنها تلقى رضى تل أبيب وواشنطن. إن النظام العربي الرسمي يعجز عن ملاحظة ما بات لا يخفى على أحد، فنجم الولايات المتحدة الأمريكية في أفول، ومعه نجم ربيبتها “إسرائيل”، فأين الحكمة في الارتهان لرغباتهما. وبأي حق تبدي بعض الأنظمة العربية انزعاجاً من الدور الإيراني والدور التركي المتعاظم في المنطقة، حيث يبدو واضحاً أمام الرأي العام العربي أن كلاً من طهران وأنقرة تتبنيان هموم المحاصرين في غزة، حتى لو افترضنا جدلاً أن هذا الموقف نابع بالأساس من حسابات المصالح لدى الإيرانيين والأتراك؛ فأين الدور العربي الرسمي الموازي؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2178234

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178234 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40