الأحد 24 آذار (مارس) 2013

تطورات خطيرة في الشأن السوري

الأحد 24 آذار (مارس) 2013 par د. فايز رشيد

تشكيل حكومة مؤقتة، واستعمال جبهة النصرة لصاروخ كيماوي في خان العسل بريف حلب، والذي تسبب بقتل وإصابة العشرات من السوريين والجيش العربي السوري هما تطوران خطيران في الصراع الدائر في سوريا إضافة بالطبع إلى قضية ثالثة وهي: استشهاد الشيخ البوطي وأربعين من المصلين في أحد جوامع دمشق, الامر الذي يشي بأن المسلحين باتوا يستخدمون حتى الجوامع والمصلين أهدافا لإرهابهم!. الحدث الأول وهو تشكيل غسان هيتو للحكومة المؤقتة، والذي سيحضر على رأس وفد من المعارضة كممثل للشعب السوري في مؤتمر القمة العربي في الدوحة أواخر شهر مارس الحالي: قطع الشك باليقين في إمكانية جنوح هذه المعارضة للحوار الذي طرحته الدولة السورية، بما يعني اعتماد الحل العسكري كخيار وحيد في التعامل مع الأزمة التي ابتدأت للتو عامها الثالث.
التطور الثاني: هو استعمال المعارضة للسلاح الكيماوي في ريف حلب، بما ينبئه ذلك من إمكانية استعمال هذا السلاح في مواقع أخرى. طيلة أيام الأزمة السورية طلعت علينا أجهزة الإعلام الغربية والإسرائيلية وبعض العربية بأسطوانة إمكانية استعمال الحكومة السورية لهذا السلاح ضد المعارضة، حتى وصل الأمر بالولايات المتحدة إلى تهديد سوريا بأنه وإذا ما استعملت هذا السلاح، فإن ذلك يعني الإيذان للقيام بشن حرب ضروس على سوريا. للأسف لم نسمع إدانة واحدة من أي من الأطراف السابقة لاستعمال هذا السلاح الخطير من أسلحة الدمار الشامل. هذه الأجهزة الإعلامية وفي تغطيتها للخبر صاغته بطريقة توحي وكأن من الممكن أن يكون النظام هو من استعمل هذا السلاح، فقد جاءت الصياغة على الشكل التالي:“اتهامات متبادلة بين المعارضة والنظام حول استخدام الأسلحة الكيماوية”.
لقد سبق وأن أُتهم العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل واستُعمل ذلك سبباً رئيسياً لغزوه. بعد احتلاله تبين خلوه من هذه الأسلحة. ما يُذاع مؤخراً في وسائل الإعلام الغربية المختلفة: اعترافات بعض العراقيين الذين قاموا بفبركة وجود أسلحة الدمار الشامل في بلدهم، وبذلك ساهموا في حض المخابرات الأميركية والرئيس بوش الابن ـ ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير للهجوم على العراق! ماذا كانت الحصيلة؟ تدمير العراق وإعادته مئات السنين إلى الوراء ( إلى العصر الحجري كما قال العديدون في الإدارة الأميركية آنذاك)، قتل مليون عراقي، تهجير خمسة ملايين من أبنائه، نشر الفوضى والتفجيرات في مختلف أنحائه، إشعال الحرب الطائفية فيه، السيطرة على نفطه، وجود إمكانية حقيقية لتقسيمه الجغرافي إلى دويلات متقاتلة. خطيئة النظام العراقي السابق والرئيس صدام تحديداً إعلان الحرب على إيران، وتضييع مقدرات البلدين لسنوات طويلة في حرب عبثية إرادتها الامبريالية, وفي الانجرار إلى احتلال الكويت، والإنزلاق لما أرادته السفيرة الأميركية في بغداد آنذاك أن يحدث، الأمر الذي كان سبباً رئيسياً في التبرير لشن الحرب على العراق. الآن ضاع هذا البلد العربي كعامل مهم في مجابهة العدو الصهيوني، وكعمق استراتيجي للأقطار العربية الأخرى المحيطة بفلسطين المحتلة, وكطرف في توازن القوى مع إسرائيل.
لقد كشف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق برلسكوني كيف جرى استغلال حوادث بسيطة في ليبيا من قِبل الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي وبلده، وتصوير هذه الأحداث بأنها ثورة، والتبرير للإطلسي بشن غارات عسكرية على قوات نظام القذافي من أجل تأييد (ثورة) الليبيين! حصيلة العدوان على ليبيا هي مطابقة تماماً لما حدث في العراق! اقتسام النفط الليبي لعقود طويلة من قبل الدول الغربية، الاقتتال الداخلي، خلق الأسباب لتفتيت ليبيا إلى دويلات متنازعة فيما بينها،نشر الفوضى في أنحائه، قيام إمارات مختلفة في ولاياته، بعضها أخذ في تطبيق عقوبة الجلد للمواطنين (مثلما رأينا منذ بضعة أيام!).
من قبل جرى تقسيم السودان وجرى انفصال الجنوب (المنطقة الأغنى بتروليا) ، وأصبحت دولة جنوب السودان بمثابة إسرائيل ثانية في خاصرة الوطن العربي. المحاولات جارية على قدمٍ وساق لتكريس هذه الآلية في اليمن. نظرا لضيق أفق حزب التنمية والعدالة في مصر، فإن الأوضاع فيها تتردى بوتيرة متسارعة. كذلك الأمر في تونس: بدايات لفوضى شاملة ( وليست مثلما أطلقت عليها كونداليزا رايس:“فوضى خلاّقة”).
المؤامرة أيضاً تستهدف الجزائر، وربما بعد سنوات قليلة, وإن لم يجرِ التصدي جدياً لخيوط هذه المؤامرات وإحباطها وإجهاضها في مهدها فلربما (لا سمح الله) ستطول بلدانا عربية أخرى، وستتحقق رؤية برنارد لويس في تفتيت أقطار الوطن العربي إلى دويلات متحاربة فيما بينها.
الآن الدورعلى سوريا، المطلوب تفتيتها كدولة وتقسيمها إلى دويلات طائفية متنازعة، هذا هو أحد الأسباب التي حدت سابقا برئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب (وفقاً لتصريحات له) إلى رفض تشكيل الحكومة السورية المؤقتة “لأن هدفها هو تقسيم سوريا”، وإلى الموافقة على إجراء حوارٍ مع النظام. أميركياً وإسرائيلياً وغريباً، المطلوب: هو تفتيت سوريا لإزاحة أحد مضلعات مثلث المقاومة المكون من المقاومة الوطنية اللبنانية وسوريا وإيران، وبذلك تسُهل مقاومة الطرفيين الباقيين. التحدي الأول للحكومة الإسرائيلية الجديدة والأكثر تطرفاً وفقاً لنتنياهو وبعض أعضاء حكومته هو الموضوع النووي الإيراني. الإدارة الأميركية أعلنت مراراً أن امتلاك إيران للسلاح النووي هو خط أحمر بالنسبة لها!.
للعلم فإن تفاصيل الصراع في سوريا منذ أعوام ( قبل بدء الأزمة) وحتى اللحظة كان موجوداً وما يزال على الشبكة العنكبوتية تحت عناوين مختلفة، الأمر الذي يجعل من نظرية المؤامرة قضية قائمة، وليس تبريراً للعجز العربي كما تقول أوساط عربية وغربية كثيرة تعتبر “نظرية المؤامرة” إسقاطاً لهذا العجز.
لقد حذّرت سوريا مراراً من إمكانية استعمال بعض فصائل المعارضة(وجبهة النصرة تحديداً ) للأسلحة الكيماوية، فكما هو معروف فإن“جماعة النصرة”هي ذراع القاعدة في سوريا والأخيرة تمكنت من تصنيع بعض الأسلحة الكيماوية في مناطقها في أفغانستان، هذا بالإضافة إلى سيطرة بعض هذه الفصائل على مواد كيماوية من أحد المواقع السورية. كان التحذير الأول في 8 ديسمبر في عام 2012 من خلال رسالة لوزارة الخارجية السورية أُرسلت للأمين العام للأمم المتحدة، ثم توالت التحذيرات بعد ذلك ولكن لا حياة لمن تنادي!. مؤخرا وعد بان كي مون بارسال لجنة للتحقيق في الحادث.
رئيس حكومة المعارضة كان واضحاً في خطابه ( في المؤتمر الصحفي الأول له بُعيد انتخابه) من أنه لا حوار مع النظام, وأن الحكومة ستعاقب كل من أراق دماء السوريين، الأمر الذي يعني فتح الطريق لوقت طويل على المزيد من العسكرة, بما يعنيه ذلك من زيادة في معاناة السوريين وقتلهم وتهجيرهم في صراع مفتوح من الصعب على أحد الطرفين حسمه. من هنا تنبع أهمية الحوار كضرورة ملحة للحل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010