الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010

طبيب نتنياهو النفسي ينتحر

الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010 par د. بثينة شعبان

من ضمن عشرات ردود الأفعال على الجريمة التي ارتكبتها حكومة إسرائيل ضد ناشطي السلام الدوليين حين قتلت تسعة منهم بدم بارد، كتب خوسيه ماريا أزنار رئيس الوزراء الإسباني السابق مقالا في جريدة «الصنداي تايمز» البريطانية (17/6/2010) بعنوان «ادعموا إسرائيل: فإذا ما انتهت انتهينا جميعا». ولدى قراءة المقال يعجب المرء أن هذا الشخص نفسه كان يقود مقاليد دولة مهمة مثل إسبانيا خلال الفترة من عام 1996 - 2004، وهو الذي أسهم في ارتكاب جريمة قتل مليون مدني عراقي عندما وجه وفد بلاده في مجلس الأمن بتبني سياسات بوش في شن الحرب على العراق، وهو الذي قال حينئذ «لا يمكن الانتظار بعد اليوم»، وشارك جيشه في ذلك الغزو المخزي والكارثي للعراق، إلى أن أتت حكومة ثاباتيرو الذي سحب القوات الإسبانية من العراق.

لدى قراءة مقال أزنار، يدرك المرء في قرارة نفسه لماذا يعاني المدنيون الأبرياء في هذا العالم المضطرب من القتل، والتهجير، والتشرد، واللجوء، والفقر... ذلك لأن من يحكمهم هم من أمثال أزنار، وشارون، وبوش، ونتنياهو، الذين يرون الأمور بمنظور لا يمت للواقع، أو الحقيقة، أو ضرورات العيش المشترك، والأمن والاستقرار، والسلام، بصلة، بل إن كل ما يهمهم هو سفك الدماء، ونشر التعصب، والعنصرية، والأحقاد، والكراهية، والحروب.

يتحدث أزنار عن عالم يسميه «مثاليا»، حيث يكون المطلوب من المتطوعين لنقل الغذاء والدواء للمدنيين المحاصرين من قبل حلفائه الإسرائيليين في غزة «الترحيب بالجنود الإسرائيليين سلميا على متن السفينة». ولكنه يتناسى أنه في عالم مثالي لا حاجة للسفينة أصلا، لأن مثل هذا الحصار المشين الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي بمنتهى الوحشية على المدنيين العزل في غزة يجب ألا يكون موجودا، لو أن بعض السياسيين الغربيين يلتزمون بأدنى القيم الأخلاقية، أو مبادئ القانون الدولي الإنساني. ما هو مدهش في مقال أزنار، هو أنه تجاهل وجود الشعب الفلسطيني كليا، وتجاهل حقوقه في الحرية وحرمانه بقوة السلاح من هذه الحقوق، وتجاهل معاناته اليومية على الحواجز، وتجاهل عذاباته من المجازر والتشريد من أكثر من ستين عاما، واعتبر أن إسرائيل هي التي واجهت «موجة تلو الأخرى من الإرهاب والانتحاريين»، معتبرا الشرق الأوسط «برمته مكانا للإرهاببين»، وإسرائيل «منارة الغرب التي تدافع عن قيمه» في هذه المنطقة. هل يقول لنا أزنار إن الحصار، وقتل الأطفال، والجدار العنصري، وهدم المنازل والمجازر ضد المدنيين العزل هي هذه «القيم الغربية» التي تدافع عنها إسرائيل، ذلك لأننا في الشرق الأوسط لم نر من إسرائيل غير ذلك، وفي كل مرة كانت هناك حرب في الشرق الأوسط كانت إسرائيل هي المعتدية حتما، فأي منارة هذه التي تطل على بحر الدماء، والقمع، والاضطهاد؟

الأمر الوحيد المقلق للسيد أزنار، هو أن المنطقة مهمة لأمن الطاقة للغرب، وذلك بسبب اعتماد الغرب على النفط الشرق الأوسطي. أما شعوب هذه المنطقة، مسلمين ومسيحيين، فهم غير موجودين على الإطلاق في عقل أزنار. فمع أن إسرائيل، كما يقول، تقع في هذه المنطقة، فإنها «تشكل جزءا أساسيا من الغرب، والغرب هو ما هو عليه اليوم بسبب جذوره المسيحية واليهودية». لقد نسي السيد أزنار أن جذور المسيحية واليهودية هي في الشرق الأوسط، وأن المسيحية انطلقت من دمشق على يد بولس الرسول، حيث كان المسيحيون مضطهدين في أوروبا الوثنية، وكانت الإمبراطورة جوليا دومنا السورية تحمي العاملات المسيحيات من الاضطهاد في روما!!

ما يقلق في مقال أزنار، هو بركان العنصرية الذي يقذف بالكراهية التي تغطي كل سطور المقال. وهو حين يضع المسيحيين واليهود وكأنهم في عداء تاريخي مع المسلمين يمارس مغالطة مفضوحة، فكيف يفسر إذن رغبة حكومة إسرائيل المتطرفة بصبغ دولتها بالصبغة اليهودية فقط، وتهجير مسيحيي فلسطين الذين كانوا يمثلون قبل قيام إسرائيل نسبة مهمة في فلسطين، وأصبحوا اليوم بضعة آلاف نتيجة سياسة التهجير المتعمد لهم، من السكان؟ وها هي ذي هذه العنصرية تعبر عن نفسها داخل إسرائيل، حيث يرفض اليهود الغربيون الجلوس مع اليهود الشرقيين، لأنه حين تنشر إسرائيل وأصدقاؤها العنصرية الشنيعة ضد العرب والمسلمين، لا يمكن لها أن تضبط انتشارها إلى المجتمع اليهودي نفسه. لقد انتفض العديد من يهود العالم اليوم ضد إجرام ويمينية وتطرف هذه الحكومة الإسرائيلية، ورفضها المتواصل للسلام، ونزوعها للحروب، وهدم المنازل، ومصادرة الأرض، وقتل الأبرياء، فأين أزنار من كل هذا. وإذا كان يعتقد أنه يدعم إسرائيل، فإن طروحاته العنصرية تشكل هي نفسها خطرا على إسرائيل. على أزنار أن يقرأ ما قاله إيهود باراك، الذي وقع أمر مهاجمة سفينة الحرية، وحصد نتائج لم يكن يتوقعها: «لا توجد طريقة لإعادة اللحمة مع الإدارة الأميركية دون تقديم برنامج سياسي واضح يعالج القضايا الأساسية للتسوية النهائية مع الفلسطينيين. من الضروري اتخاذ قرارات وخطوات سياسية حقيقية» (هآرتس 16 يونيو / حزيران 2010). إذا كان باراك يدرك خطورة نتائج جرائمه على إسرائيل والولايات المتحدة، ويدرك ضرورة التحرك السياسي بعد الرفض الدولي الشامل للحصار المشين على غزة، فكيف يتنطح أزنار لدعم «إسرائيل» على ما هي عليه والتغريد خارج السرب، حيث إن أصدقاء الكيان بدأوا بالخوف عليه من سياسات حكومته المتطرفة التي تقود إسرائيل إلى هذا المسار المدمر لها ولسمعة ومصداقية الولايات المتحدة أيضا في المنطقة والعالم. ها هو باراك يعبّر عن قلقه في هذا المضمار «إذا تضررت مكانة الولايات المتحدة في العالم أكثر من ذلك، فإن إسرائيل هي التي ستعاني» (هآرتس 16 يونيو / حزيران 2010).

أولم يقرأ أزنار بعضا من مذكرات موشي ياتوم، العالم النفسي الإسرائيلي، الذي عالج أعقد حالات الأمراض العقلية في مسيرته المهنية المميزة ثم انتحر منذ أيام تاركا خلفه ملاحظة يقول فيها إن نتنياهو، الذي كان مريضا يعالجه طوال السنوات العشر الأخيرة «قد امتص الحياة مني»، ويضيف الطبيب ياتوم «لا أستطيع تحمل هذا أكثر، السرقة (لدى نتنياهو) هي إنقاذ، والتمييز العنصري هو حرية، ونشطاء السلام هم إرهابيون، والقتل هو دفاع عن النفس، والقرصنة أمر قانوني، والفلسطينيون هم أردنيون، وضم الأرض تحرير لها، ولا نهاية لهذه التناقضات (في عقل نتنياهو)». ويضيف الطبيب ياتوم: «لقد وعد فرويد أن العقلانية سوف تنتصر في العواطف العفوية، ولكنه لم يقابل بيبي نتنياهو. هذا الرجل (نتنياهو) يمكن أن يقول إن غاندي هو الذي اخترع النحاس».

وكان من الواضح أن الطبيب ياتوم قد دهش لما سماه هو «شلال الكذب الصادر عن مريضه المشهور نتنياهو». ويقول كاتب المقال مايكل كي سميث: لقد كان موشي (ياتوم) أنموذجا للشخصية المتكاملة، وقد أشفى مئات المرضى المصابين بانفصام الشخصية قبل أن يبدأ بالعمل على معالجة نتنياهو، ولكن ياتوم بدأ يشعر بالإحباط واليأس لعجزه عن تحقيق أي تقدم في جعل رئيس الوزراء نتنياهو يعترف بالحقيقة، وقد أصيب بجلطات عدة وهو يحاول أن يفهم عقل نتنياهو، والذي أطلق عليه في أحد عناوين مذكراته «ثقب أسود من التناقضات». وفي عنوان آخر في مذكراته كتب «نتنياهو لديه العذر نفسه دائما: اليهود على وشك الانقراض على يد عنصريين، والطريقة الوحيدة لإنقاذهم هي بارتكاب مجزرة نهائية». وفي مقتطف من مذكرات ياتوم ليوم الاثنين 8 مارس (آذار) نقرأ التالي:

«أتى بيبي (نتنياهو) الساعة الثالثة من أجل جلسة بعد الظهر، الساعة الرابعة رفض أن يرحل وادعى أن بيتي هو بالواقع بيته. ثم سجنني في القبو طوال الليل بينما استمتع بحفلة ماجنة مع أصدقائه في الدور الأعلى. حين حاولت أن أهرب اتهمني بأنني إرهابي، ووضع الأصفاد في يدي. توسلت إليه أن يرحمني ولكنه قال: لا أستطيع أن أمنح الرحمة لشخص غير موجود».

مع أشخاص كثر مثل أزنار، ونتنياهو، وبوش وغيرهم من الطغاة المهووسين بسفك الدماء: هل من غرابة فيما تعانيه الشعوب من حروب، وقتل، وتهجير، وحصار، وتشريد؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165238

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165238 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010