قمم عربية لا ترقى إلى مستوى التحديات

المدة الزمنية بين أول قمة عربية عقدت في مدينة أنشاص العام 1946 وقمة الدوحة سبعة وستون عاماً، عقدت خلالها أربع وعشرون قمة عادية، إضافة إلى عدد من القمم الطارئة، وغالباً ما كانت كل قمة تحمل اسماً أو وصفاً دلالة على الظروف التي تعقد فيها . وعلى مدار هذه الفترة الطويلة لم يتغير شيء على مستوى العمل العربي المشترك، ولا في هياكل الجامعة العربية التي مازالت تعاني مظاهر القطرية وأعراضها أكثر من تحولها إلى جامعة عربية أكثر تجسيداً لمفاهيم الاندماج والتكامل العربي . بل الأسوأ من كل ذلك، هذا التدهور والتراجع في بنية النظام الإقليمي العربي لدرجة أنه أصبح نظاماً هشاً تخترقه كل القوى الإقليمية المجاورة والدولية وتتحكم في تركيبته وكينونته، لدرجة أن قمة الدوحة تعقد في ظل ظروف وتحديات مصيرية تصل إلى حد تحوّل المنظومة العربية إلى كيانات سياسية وهذه المرة ليست قطرية فحسب، بل مذهبية وإثنية وعرقية . وتعقد في ظل تحولات عربية لم تستقر بعد ويسيطر عليها فوز القوى الإسلامية، لدرجة أن هذا يضع القمة العربية أمام تحد خطر يتعلق بهوية الجامعة العربية، وتنازعها الهوية الإسلامية .

تعقد القمة العربية بعد قمة عربية سابقة عقدت العام الماضي في بغداد وفشلت فشلاً ذريعاً، إذ على مدار عام شهدت المنطقة المزيد من العنف، وعدم الاستقرار، والانهيار السياسي والاقتصادي . وهذا يفرض على قمة الدوحة أن تثبت حسن نواياها وفعالية سياساتها في محاولة إعادة ترميم وصيانة البيت العربي، واستعادة قدر من الحيوية للفعل والإرادة العربية .

إذ يفترض بهذه القمة مثلاً أن تعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها وحيث يجب أن تكون كقضية أمن قومي عربي . وما يتعلق أيضاً بقيام الدولة الفلسطينية المراقب وإمكان تحولها إلى دولة كاملة، وهو لن يتحقق إلا من خلال دعم عربي اقتصادي وسياسي جدي، وإعادة التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية وشعب .

ومن التحديات التي يمكن أن تلعب القمة فيها دوراً مهماً الملف السوري، إذ المطلوب من هذه القمة قرارات مصيرية تتعلق بوقف عجلة العنف والقتل التي يتعرض لها الشعب السوري، ومسألة تمثيله في الجامعة وغيرها . ومن الملفات المهمة والحيوية التي لها علاقة بأمن دول الخليج العربية، فهو المتعلق بالملف النووي الإيراني، والموقف من استمرار احتلال إيران للجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا يحتاج من القمة العربية تقديم تصور لإيران النووية، وكيفية معالجة هذا الملف الحيوي في إطار من المصالح المتبادلة . ومن الملفات المهمة المطلوب التعامل معها بجدية صياغة رؤية أمنية عربية في ظل التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة، والتحولات في بنية القوة التي تعمل على استنفاد قوة العرب الاقتصادية . ومن الملفات المهمة الأخرى التي تحتاج إلى قرارات على مستوى القمة العربية، ما يتعلق بالأخطار التي تتهدد مستقبل المبادرة العربية، وهل تبقى المبادرة مطروحة على الطاولة في الوقت الذي ترفض فيه “إسرائيل” قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، وفي ظل استمرار الاستيطان على الأراضي الفلسطينية .

السلام والمفاوضات يحتاجان إلى قرار عربي وليس فلسطينياً فقط . هذه بعض من التحديات والملفات المصيرية في الجانبين السياسي والأمني، وتبقى هناك تحديات لا تقل أهمية على المستوى الاقتصادي وتنمية العلاقات العربية الاقتصادية، والقدرة على الدفع بالعمل العربي خطوات أكبر نحو التكامل الاقتصادي أسوة بالتكتلات الاقتصادية الكبرى المحيطة بالمنطقة العربية .

ويبقى ملف إصلاح الجامعة العربية من الملفات المهمة التي تحتاج إلى قرارت مصيرية تدفع بالحياة والفعالية إلى هذه الجامعة التي شاخت في زمن التحولات العربية .

ومن المناسب التذكير بملف مهم يتعلق بطبيعة العلاقات العربية في ظل فوز الإسلاميين بالحكم في بعض الدول العربية، فهذه القمة تعقد وهناك غيوم كثيفة تحجب الرؤية عن علاقات عربية صحيحة، فالقمة تعقد في ظل شكوك وتخوفات من دول عربية إزاء فوز الإسلاميين، وتدخلهم في شؤون دول عربية أخرى . ومطلوب من القمة ومن قادة الدول التي فاز فيها إسلاميون كمصر تحديداً أن يبددوا هذه المخاوف والشكوك من خلال البدء في مشروع سياسي ونهضوي وثقافي عربي، أو بعبارة أخرى ميثاق عربي جديد يأخذ في اعتباره كل هذه التحولات . فلم يعد ميثاق الجامعة العربية الذي وضع قبل 67 عاماً يصلح في زمن القوى والتكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة . وليكن معلوماً أن هذه المنطقة منطقة استهداف إقليمي ودولي بفضل أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية، ومن دون نظام إقليمي عربي قوي وقادر سيسهل ابتلاع النظام العربي في كيان إقليمي دولي أكبر تضيع معه الهوية العربية .

هذه التحديات في حال مواجهتها بصدق تجعل من قمة الدوحة قمة مهمة ومصيرية .