في كتابه القيم « الأدب العربي المعاصر في فلسطين »، يورد البحاثة الأكاديمي الدكتور كامل السوافيري قصيدة في رثاء القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، للشاعر الكبير الشهيد كمال ناصر (1924م – 1973م) ، بعنوان « مصرع البطل القائد الشهيد »، كان ناصر قد ألقاها في الحفلة التأبينية التي أقامتها كلية « بير زيت » للبطل الفقيد، يقول ناصر في قصيدته:
أيُّها الموت تهْ علينا وفاخر لَمْ يطشْ سهَمْك اللّئَيم الغادِر
أنْت لَمْ تَطْوهِ صغيراً ولكنْ قد تداعتْ في مقلَتَيه الكَبائِر
أنْت لَمْ تَطوهِ جباناً ولكِن قد تهَادَى إليْك نشوان ظافِر
كمْ تحاشَيْت أن تراهُ فأِلْوى يتحدّاك رابط الجأْشِ ثائِر
كمْ سعى في مَجالك الخصْب حتّى بتّ تلْقاه خاشِع الطَّرف خاسِر
أيُّها المَوْت لا تَسلْ أنْت أدْرَى كَيْف يردى إلى حِماك المغامِر
دُونكَ النَّعش هلْ تَرى مَن عَلْيه تَلك أُنشُودة الْجِهاد الطَّاهر
رددى صَوتَها الشجى وضجّى يا لَيالي، وزغردِى يا مَقابر
زّارك اليَوْم فارس عربيّ عانِقِيه فذاك عبد القادر
*** ***
ومَشى القائِدُ الكبيرُ إليْه ملعباً بالشّباب والشّيب زاخر
ورمى جَبْهة الصَّعاليك بالنَّار وللصَّعاليك منّا الخناجر
هِيه يا موت أيْن أَنْت فلبت عُصْبة الموت من وراء المحاجرِ
فإذا الأرْض شُعلة ألْهبتها هَمَسات الجهاد عَبْر الحَناجر
فجثا الحصن في يَديْه ولاحَت راية المجْد بهجة للنَّواظر
ورَنا صامِتاً وفي مقْلَتيْه ومضة النّصر في صُدور البَواتر
فإذا قبضة الرَّدى تدّعيه لا انتقاماً وإنّما للمفاخر
وإذا الفارسُ الأبي طريحاً فوق أرْض ندية بالمآثر
لَم يرعْهُ الرَّدى ولكنْ عرتْهُ مثْلَما يعْترى الغريب المُهاجر
لاحَت الدَّار دارهُ ثمَّ أغفَت مقلتاه عَلى الطُّيوف السَّواحر
*** ***
يا فِلسطين لا تُبالي فإنَّا قد روينا والخصم ظَمْآن صاغِر
ما اغْتَصْبنا المجدَ الأثيل ولكن قَدْ ورثْناهُ كابراً عَنْ كابِر
يا فِلَسْطين لا تُراعي فَفينا همَّة تصْفَع الزَّمان القاهِرِ
كلُّ شبْرٍ عَلَى أديمك سوْفَ يُفْديه شَعْبك المتَضافر
كلّ فردِ معذَّبِ بأمانيه علَى أمانيك يقظان ساهِر
مزٍّقي حالِك الظَّلامِ وسيري بالْميامِين عبر هذي المجازر
فحرامٌ عليْك أنْ يطلعُ الفَجْر وفي رُبوعك الخضُرْ كافر
*** ***
يا فقيد الشَّباب حسْب المنَايا لَوعة أن تَقُول ماتَ القادرُ
شَمتت زُمرة العِدا واستطارت لحمِاها تزُفّ فيك البَشائِر
هذه دمْعتي تثُور بجفني ثمَّ تَهْوى خضيبة في الخَواطِر
نمْ عَلَى سِدرة الخُلود فهذا خالِد قد أعد فيها الشعائر
لَك ذِكر كالدّهر يَبْقى جنيا في جَبين الخُلود ريَّان عاطِر
ونقرأ قصيدة للشاعر الراحل منيف الحسيني (1899م – 1989م) ، بعنوان « في ذكرى الشهيد عبد القادر الحسيني »، أوردها الأديب الأردني الراحل يعقوب العودات (البدوي الملثم)، في كتابه الرائد « أعلام الفكر والأدب في فلسطين»، كان قد ألقاها في حفلة أقيمت في « جمعية الشبان المسلمين » بالقاهرة إحياءً لذكرى الشهيد الحسيني، وقد صورّ فيها مأساة فلسطين، وما انتابها من عوادي الأيام وصروف الليالي، نقتطف منها هذه الأبيات:
يا فلسطين قد رَمَتْكِ الليالي بسهامٍ من الرزايا قَواصمْ
فاسأل القَسْطَل الذي ضرسَتْهُ بضعةٌ من نيوبِ تلك الضَراغِمْ
و«الحسينيُّ» مقبلٌ وقد بَسط الموتُ جناحيه والخطْبُ داهِمْ
يا أبا فيصلٍ" وموسى وغازي وسليلَ الكُماةِ من فَرع هاشِمْ
قد لقيتَ الرّدى ببأسٍ شديدٍ وبثغرٍ يوم الكريهةِ باسمْ
ومشتْ حولك الميامينُ تتْرى في حنينٍ إلى الشهادةِ دائم
وبريقُ الحديد يلمع حيناً ثم يَخفى في عِثْيَرٍ مُتراكم
نَعمتْ عينُ من رأى الأروعَ القسّـ ـامّ فخرَ بيضِ العمائم
حنينٍ إلى الشهادةِ ..
كما أورد الدكتور راضي صدوق في مؤلفه « شعراء فلسطين في القرن العشرين ـ توثيق أنطولوجي »، قصيدة ثانية في رثاء شهيد معركة القسطل ، للشاعر الراحل فتح الله السلوادي ، عنوانها: « ذكرى استشهاد عبد القادر الحسيني » جاء فيها :
عَلَم الجهادِ الحرِّ عبد القادر ذكراك بالإكبار تملأ خاطري
القَسْطَلُ الحمراء تذكُرُ هِمَّةَّ شَّقَّتْ لنَيْلِ المجدِ حُجْبَ مخاطرِ
وحديثُ بأْسِكَ عِزَّةٌ وكرامةُ رَفْعت لدى التِّذكارِ هامةً فاخرِ
آثَرْتَ موتَ الأكرمين فلم تمتْ أنت المُخَلَّد، أنت صَرْحُ مآثرِ
ما مَاتَ مَن دَفَعَ الهَوانَ بروحهِ ومضَى بعزَّةِ أرْيَحيٍّ طاهرِ
لكنَّ من يَرْضي الحياةَ ذليلةً مَيْتٌ وإنْ لم يَثْوَ بين مقابرِ
****
يابْنَ البُطولةِ نم قريرَ العينِ في خُضْر الجِنان على النَّعيم الوافرِ
بين الدِّيار شبيبةٌ جّبَّارةٌ ستَعودُ للأوطان صَوْلة قاهرِ
ذِكْراكَ لا تَفنى فكلُّ فتى بنا يَلْقى به الأعداءُ عبدَ القادرِ
هي غَيْمَةٌ رَبْداء حَلَّ قَتامُها بِخَديعةٍ تمَّتْ بأَمس الدابرِ
سَتِزيلُها ريحُ البُطولةِ في غدٍ ويَعُودُ للفرْدَوْسِ كلُّ مُغَادرِ
ونقرأ قصيدة ثالثة في كتاب صدوق آنف الذكر، للشاعر المتميز غسان زقطان عنوانها: « عبد القادر الحسيني »، يقول فيها:
كما أنت...
لم تطرق الأربعين
ولم تفتح الباب كي يدخل العمر
لا شيْب في الشعر
غبارٌ على زيك العسكريّ الأخير
دخانٌ على الجرح
شمس مبلّلة فوق كمّك
والوقت عصر.
كما أنت
نادى عليك الشباب
ولم تسترحْ بعد ..،
نفس الثياب
ونفس الدماء على فضّة الأرض
تسند قلبك للباب .. كيما نمر
وتقطف من حزنه زهرنا.
.. تبلّلنا الشمس في طرف كمّك
خمسين عام
نخّبئ جرحك في كل قلبٍ ودارٍ وجرح
ننقّل صوتك بين البيوت وتحت السنابل
ترسمه في الأماسي النساء لأولادهنّ
ونخفي جوادك عن كل عين
ونسرجه كل صبح.
كما أنت..
أجملنا يا أخانا الكبير
نسير إليك
وتأتي لنا
لخمسين عام ونحن هناك
وأنهت هنا ...
.....
ليكن ترابك، مثل قلبك، صافياً
ومباركاً وطريّ ...
لم تهدأ الدنيا
كأنك لم تزلْ فيها
تهز على تلال القدس جيشك كاملاً
ملكاً... تتوّجه خواتم شعره العربيّ.
قصيدة رثاء من العربية السعودية..
في ديوان « الصدى الضائع » للشاعر السعودي الراحل أحمد بن راشد آل الشيخ مبارك . نطالع قصيدة « في رثاء الشهيد عبد القادر الحسيني »، ويقال أن هذه الأبيات عُلِّقت على أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، وجاء فيها:
فِدىً لك قومٌ دون سعيِك سَعْـيُهم وإن مَلَأ الدُّنيا بِمَسعاهُمُ الزّمرُ
فَعَلَتَ وقالوا وارتضيت وأحجموا فليتهُمُ الثاوي وأنت لنا الذُّخرُ
لَقِيتَ الرَّدى مثل الرَّدى في مَضائه إلى أن قضى أو كادَ يَقتُلُهُ الذُّعرُ
فآبَ وفي كَفَّيْهِ أنفَس مُهجةٍ ورُحْتَ وبُرْدَاك الشهادة والفخرُ
فإن أصبَحَتْ ذي الأرضُ بعدَك مأْتماً فقد زَهَتِ الفِردوس حين الْتَقَى السَّفْرُ
تلقَّتْكَ بالبُشرى هناك ملائكٌ وحفَّ بك الفاروق والنَّفَر الغُرُّ
وتاهَ صلاحُ الدين عُجْباً وقدْ رأى غِراساً لها أخلاقُـهُ الماءُ والبذرُ
وتاهَ أبوتـمام يـرنوا بمقـلةٍ عن الـملأ الأعلى إليك وتـفـتَرُّ
فتىً مات بين السيف والضرب مِيتةً تقومُ مقامَ النصرِ إن فاته النصرُ ‘‘
وأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها مِن دون أخمصُكِ الحشرُ
رضِيتَ الرَّدى دون الأَسار دريئةً ولَمَّا تقُلْ أمران أحلاهما مرُّ
ومن طلب النصر المُبين بسيفه فليس له إلا المَمَاتُ أو النصرُ
بني السِّبط لن تذهبْ دِماؤكُمُ سُدىً ففي كُلِّ جَنْبٍ مِن خوافِقِنا ثأرُ
حرامٌ على غير السيوف دِماؤكُمْ أكـان لها في هام بيتِكُمُ وِتْـرُ
ألستُمْ بني القوم الذين توارثَتْ دِمَاهُمْ على الجُـلَّى المُثَـقَّفَةُ السُّمْرُ
وإمَّا رَنَتْ للمجد منكم عظيمةٌ يُدكُّ فضاء الله أو يُدرَكُ الأمرُ
يَطيبُ غُبَارُ النَّقْعِ في لَهَوَاتِكُمْ إذا طاب في أفـواهِ غيرِكُمُ الخمرُ
سَيَعلَمُ قومٌ ضاعَ ثأرُك بينَهُمْ بِأنَّ لهم يوماً وإن سَوَّف الدَّهرُ