الأحد 21 نيسان (أبريل) 2013

عن أسرى يهزمون زنازينهم

الأحد 21 نيسان (أبريل) 2013 par علي جرادات

الأسرى الفلسطينيون قضية متعددة الأوجه، وتجربة بطولة ومعاناة فريدة، وتاريخ نضالي مديد، وواقع إنساني مرير، وحقوق وطنية وإنسانية ومعيشية مستباحة، وهموم متشعبة، بكل ما لذلك من استحقاقات سياسية وطنية فلسطينية وقومية عربية ثقيلة تجعل الكتابة عن هؤلاء المناضلين مكابدة . فالكتابة هنا تظهير - بالكلمات - لملحمة نضالية جماعية فريدة ونادرة خاض غمارها نحو 850 ألفاً من الرجال والنساء وأسس لها وقادها قادة شكلوا نماذج حية تدمج القول بالممارسة، وتجسر الهوة بين النظرية والتطبيق، وتعمد المواقف بعرقِ ودمِ النشاط اليومي المثابر . بل تأخذ الكتابة عن هؤلاء المناضلين طابع المخاطرة، ليس لإشكاليات تتعلق بهم، بل لأن الحديث عن المناضلين بصورة عامة مكررة بات تلخيصاً يُفقد التفاصيل دورها في تكوين خصوصيات الجوهر العام للنضال والمناضلين . فنحن هنا لسنا إزاء مناضلي منابر، إنما إزاء مناضلين أسرى قَدوا البطولة من صوان جبال فلسطين، وظلوا أنقياء جامحين مقتحمين لم يتعبهم السفر في آفاق عتمة السجون والزنازين . إنهم محاربون ظلوا ذاهبين إلى حيث المصير لكل من وهب حياته لقضية بحجم قضية فلسطين . مناضلون امتلأوا بالعطاء والفداء والإيثار، وما انفكوا - رغم قسوة السجن ومجافاة الظروف - شامخين كسارية تخفق فوقها رايات حرية الوطن والشعب . فرسان شقوا غبار المعارك طواعية وما ترجلوا تَعباً أو هزيمة . مقاتلون مازالت عيونهم المتوقدة ترنو إلى العلى وآفاق انبلاج شقائق النعمان على ضفاف الجداول . حكايتهم حكاية من يتقدم الصفوف حتى الاحتراق، حكاية مناضلين يهزمون زنازينهم . أسرى حرية لاتزال معاناتهم وبطولتهم- قبل كلماتهم- كتاباً مفتوحاً لجماهير شعبهم في الوطن والشتات .

نحن بهذا كله إزاء: “قضية مناضلين يصبح كل حديث عنهم أقرب إلى ممارسة رياضة اللسان، إن هو لم ينكأ - بالنقد الجريء - جرح اعوجاج المعالجة السياسية لقضيتهم منذ نشوء “السلطة الفلسطينية” في العام ،1994 فضلاً عن استفحاله منذ انقسامها وتقاسمها في العام 2007” . عبارة قالها وشدد عليها الشهيد الأسير القائد الوطني غير المشهدي ميسرة أبو حمدية خلال آخر لقاء لي معه في سجن بئر السبع بداية العام 2010 . أجل ثمة اعوجاج استفحل إلى درجة الاقتراب من التحول، (إن لم يكن تحول فعلاً)، إلى قصور بنيوي في الممارسة - أساساً - وفي الخطاب - أحياناً . اعوجاج استثمره قادة “إسرائيل” وأجهزتها الأمنية لتحويل ملف الأسرى إلى ورقة ابتزاز سياسي إلى درجة اشتراط الإفراج عن عدد قليل من الأسرى من ذوي الأحكام الخفيفة “باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة”، بل وتمادى رئيس الكيان العجوز المخاتل، بيريز، إلى درجة القول: “إن من شأن إقرار السلطة الفلسطينية بيهودية “دولة” “إسرائيل” وبوجود عسكري “إسرائيلي” في منطقة الأغوار أن يساعد نتنياهو على التقدم بخطوات لإعادة بناء الثقة مثل الإفراج عن أسرى فلسطينيين” . هذه إحدى النتائج الطبيعية، إنما المأساوية أيضاً، لسياسة تفاوض استعجل القائمون عليها، (بمعزل عن الاتفاق أو الاختلاف معهم بشأن هذه المفاوضات)، تقديم أوراق قوتهم حتى من دون إغلاق ملف الأسرى وهو الأسهل بلا ريب قياساً بقضايا الأرض، (الاستيطان والتهويد)، والقدس والحدود وعودة اللاجئين .

عليه، وبقدر ما يتعلق الأمر بقضية الأسرى واعوجاج معالجتها وطنياً وفصائلياً، بات ثمة حاجة إلى إعادة تأصيل الفهم لهذه القضية من حيث:

* الأسرى الفلسطينيون -أصلاً- نتيجة حتمية وضريبة مفروضة ورمز شامخ لقضية شعب يناضل لاسترداد حقوقه المغتصبة في الحرية والاستقلال والسيادة والعودة، ما يجعل مسعى تحريرهم أو معاملتهم كأسرى حرب أو حتى تحسين شروط عيشهم، مسألة نضالية بكل المعاني وعلى المستويات كافة، ومنها محكمة الجنايات الدولية، ما يفرض أن يكون التحرك السياسي لمصلحتهم وطنياً موحداً وخارج حسابات الانقسام الضيقة، واستراتيجياً لا تكتيكياً، ودائما لا موسمياً، ومخططاً لا ردة فعل على تصعيد التنكيل بهم .

* الأسرى الفلسطينيون ليسوا فرعاً ملحقاً يكفيه تضامن أصله، (الحركة الوطنية الفلسطينية) مع ما يخوضه من معارك في حرب مفتوحة، بل هم فرع شريك له حقوق واستحقاقات نضالية مطلوب تلبيتها بالوسائل كافة، إذ لئن كان مجافياً للحقيقة حصْر ملاحم نضال الحركة الوطنية الفلسطينية في تجربة فرعها في السجون، فإن من الظلم تجاهل فرادة هذه التجربة وطليعية دورها وجوهرية مساهمتها في الكفاح الوطني بوصفها خندقاً متقدماً لثقافة المقاومة وبنيتها، وبكونها اشتباكاً يومياً ومباشراً وتفصيلياً مع أكثر أجهزة المحتلين الأمنية والإدارية تطرفاً وسادية وعنصرية . اشتباك أدى- فيما أدى- إلى استشهاد 205 أسرى، لحق بهم مؤخراً الشهيدان ميسرة أبو حمدية وعرفات جرادات .

* لئن كان من التعسف اختزال تجربة البطولة الجماعية المديدة لهؤلاء الأسرى في بطولات أفراد أسسوا لها أو قادوها أو حفروا في سجلها بطولات فردية أسطورية نادرة، فإن من غير الإنصاف عدم التنويه بالدور الطليعي لهؤلاء في بناء هذه التجربة وتحملِ أعباء قيادتها في محطاتها كافة، وفي محطات تراجعها، (ارتباطاً بتراجعات وطنية عامة)، تحديداً . إذ فضلاً عما في محطة تأسيس تجربة الأسر الفلسطينية من قسوة وتعقيد، مرت تجربة الحركة الوطنية الأسيرة بمحطات مجافية كان ل”تفاؤل إرادة” أفراد استثنائيين الدور الأساس في انتشال عربتها من وهدة “تشاؤم العقل”، حين تقدموا الصفوف، وفجروا الطاقات الكامنة على طريقة من يحفر الصخر بالأظافر ويجعل غير الممكن ممكناً، والصعب سهلاً، والحلم إنجازاً، والخيال واقعاً، والقول فعلاً، والأمنية حقيقة . فهؤلاء القادة هم قادة الفعل وحراس القيم وملح الأرض الذي لا يفسد . بهم، وبأمثالهم من طلائع الكفاح الوطني، يصير الاستثناء - في كل محطات النضال الوطني - قاعدة، ذلك منذ نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية في عشرينات القرن الماضي، حيث تسابق الأجداد الأسرى محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي إلى حبل المشنقة، وصولاً إلى البطل الأسطوري بكل المعاني الأسير سامر العيساوي الذي ماانفك، وهو المعلقة حياته بخيط رفيع، يواصل إضرابه منذ تسعة شهور ويرفض إنهاءه دون تحقيق مطلب الإفراج عنه وعودته إلى مسقط رأسه في القدس .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165651

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165651 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010