الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

ما بين فلسفة الاسلام والفلسفات الأخرى

الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

كل عصر له فلسفته الخاصة في الحياة بشكل عام منذ بداية التاريخ حتى اليوم ، ومن تلك الفلسفات تنبثق الحضارات عبر التاريخ ، مثلما حدث من تلاقح بين ثقافات الاغريق والهند ومصر واليمن والرومان والفرس ... وتترك تلك الفلسفات بصماتها على جميع نواحي الحياة من فكر وسياسة وسلوك وأدب ودين وفن وعادات ... الخ .
وعندما تتصادم تلك الفلسفات يحدث للبشرية الشقاء بكل ألوانه ، لذلك فتلاقح الثقافات يتولد عنه مزيجا راقيا من الخير والتقدم ، وعندما تتقولب بعض الفلسفات بقوالب جامدة وهي تدعي ملكية الحقيقة المطلقة والحق المطلق ، فهنا الطامة الكبرى ...
وسنضرب هنا على عجل بعض الأمثلة التي يمكن لجميع الفلسفات التي أنجبت حضارات عبر التاريخ ، أن تتلاقح فيما بينها وتتلاقي في الكثير من القواسم المشتركة :
فلسفة الهندوس تدعو إلى طريق الحب والخلاص ، وإلى طريق الفعل الصحيح ، وتدعو إلى التأمل وإلى الحكمة والتفكير ...
والفلسفة البوذية كان لهم دور في الحركات الثقافية للفلسفات والمذاهب الدينية ، مثل المانوية و الزرادشتية ، وهي فلسفة تدعو إلى الاستنارة ومحاربة الشهوات ، والبحث عن السعادة ، ومحاربة الجهل ...
الفلسفة الزردادشتية تدعو إلى قوة الخير والعمل الصالح ، وإلى النور والحكمة ...
الأخناتونية في مصر القديمة تدعو إلى الخوف من إله واحد ، وعدم اقتراف الشر، ونشر المحبة ...
الاغريق واليونان ساهموا في علوم الرياضيات والفن وقواعد الهندسة وعلم الفلك والطب .
والديانات المسيحية واليهودية والاسلامية تلتقي بأمور كثيرة جدا منها : المحبة والخير للناس وإكرام الضيف واحترام الجار ورحمة الطفل والمرأة والشيخ ، حتى أنها تشترك في كثير من أسماء الله الحسنى كالرحيم – واللطيف – والحكيم – الكريم – والسلام – الوهاب – الزاق – الفتاح – الحكم – العدل – اللطيف – الخبير – الحليم – الحكيم – البر- التواب - البر – الرؤوف - الصبور .
تلاقح الفلسفات لا يتعارض بين القديم والحديث ، بل ويطوره باستمرار ، من خلال البحث عن أسس وقواعد مشتركة بين الشعوب والأمصار عبر التاريخ ، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال : انتم أعلم بأمور دنياكم ...
وفي دعوة اخلاقية كريمة يقول الله سبحانه وتعالى :
“خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”
ودعوات أخرى كثيرة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تدعوا إلى التأمل والتفكير والخير من اجل الناس جميعا :
قال صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأمم مكارم الأخلاق- رواه التِّرمذيُّ-
والله يقول : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256). البقرة.
حتى الميت :
وجاء في صحيح البخاري : كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا . ؟!. –
وكان إذا مرت عليه جنازة يهودي أو نصراني يتقلب وجهه، فيسأل في ذلك يقول: نفس فلتت مني إلى النار. فإذا كان رسول الله احترم ميتا ليس بمسلم ، فمن الاولى بنا احترام الحي كائنا من كان ...
تسامح :
وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة : ما تظنون أني فاعل بكم؟ قال الجميع: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء . ومرَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عقب فتح مكة بفضالة بن عمير وهو عازم على الفتك به. فقال له: ما تحدَّث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله عز وجل، فضحك النبـي (صلى الله عليه وسلم) وقال: أستغفر الله لك. ووضع على صدره، فكان فضالة يقول: (والله ما رفع رسول الله يده عن صدري حتى ما أجد على ظهر الأرض أحب إليَّ منه).
رحمة :
ويقول صلى الله عليه وسلم أني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من وجد أمه عليه فأسرع.
حُب :
وقال صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذهبهنّ عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي .
حتى الحيوان :
ومر رسول الله بظبية عند قانص فقالت: يا رسول الله إن ضرعي قد إمتلأ وتركت خشفين، فخلِّني اذهب وأرويهما ثم أعود إليك فتربطني) فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم): صيد قوم وربيطتهم؟ قالت: (يا رسول الله فاني أعطيتك عهد الله لأرجعنَّ) فأخذ عليها عهد الله ثم أطلقها وأرسلها، فما لبثت إلاّ يسيراً حتى جاءت وقد فرّغت ما في ضرعها. فقال عليه الصلاة والسلام: لمن هذه الظبية؟ قالوا: لفلان فاستوهبها منه ثم خلى سبيلها وقال: (لو ان البهائم تعلم ما تعلمون من الموت ما أكلتم سميناً.
الأسرى : لم يحدث في عهد الرسول أن قتل أسيرا، لأنه كان يغلب جانب العفو دائما ...
كان ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة في طريقه إلى المدينة يريد اغتيال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فأخذته سرية وجاءت به إليه، فقال عليه الصلاة والسلام: (أحسنوا أساره) فربط بسارية المسجد، ثم دخل إلى بيته فقال لأهله: (أجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إلى ثمامة، وأمر له بناقة يأتيه لبنها صباحاً ومساءاً. ثم جاء إليه صلوات الله عليه فقال: مالك يا ثمامة، هل أمكن الله منك؟ فقال: (يا محمد أن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وان كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئتَ). وفي اليوم الثالث أطلق سراحه وعفا عنه، فانطلق ثمامة إلى ماء قريب فاغتسل وطهر ثيابه ثم دخل إلى المسجد فقال: يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبحت أحب الوجوه كلها، وما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ، وما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد اليَّ) شهد شهادة الحق وأسلم. ثم استأذن رسول الله في العمرة فأذن له. فلما كان ثمامة بمكة وعلمت قريش باسلامه. فقالوا له: (صبأت يا ثمامة قال: بل أسلمت وتبعت دين محمد، وهموا بقتله، ولكنهم خافوا قومه، لأن عامة تموينهم من القمع كان من اليمامة، فقال لهم ثمامة: والله لن تصل إليكم حبّه من حنطة اليمن إلاّ باذن رسول الله فلما عاد إلى اليمامة منع القمح عن مكة حتى جاعت قريش، فبعثوا إلى النبـي (صلى الله عليه وسلم) يسألون بالله والرحم أن يكفيهم أمر ثمامة، فكتب (صلى الله عليه وسلم) إلى ثمامة أن يكف عنهم. ألآ يستحق هذا النبي الوصف القرآني الذي وصفه الله به: [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] (القلم:4).
مراعاة المشاعر :
ثم إن عمر بن الخطاب فاروق الامة رضي الله عنه لم يصل في كنيسة القيامة عندما دخل القدس ؛ محافظة منه على أماكن عبادة المسيحيين واحتراما لمشاعرهم ...
حب الخير للجميع :
عن أنس بن مالك : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “انطلقوا باسم اللّه وباللّه وعلى ملة رسول اللّه، ولاتقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولاصغيراً، ولا امرأة، ولا تغلُّوا وضمُّوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إنَّ اللّه يحبُّ المحسنين”. ( فهرس ابى داود كتاب الجهاد )
روي أنه صلى الله عليه وسلم أوصى المجاهين أثناء غزواتهم ومن ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يوصي أصحابه (رضوان الله عليهم) إذا خرجوا للجهاد بألا يهدموا صومعة عابد، ولا يقتلوا شيخا كبيرا، ولا امرأة ولا طفلا، ولا يقطعوا شجرة ولا يحرقوها.
أوصى أبو بكر جيش أسامة فقال: يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني:
لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له...
نستنتج من كل ذلك سعة ثقافة دين الاسلام وسماحته ورحمته ، فلماذا نحن نُضيق ما وسَّعه الله حيث قال صلى الله عليه وسلم : لا تضيق واسعا - أو لا تحجر واسعا .
لماذا نتعامل مع الثقافة الاسلامية بجمود كجمود عقولنا وبضيق كضيق تفكيرنا ؟
وبدلا من أن يكون الخلاف بين أئمة المسلمين رحمة جعلناه نقمة وشرا مستطيرا ...
عاصرت حقبة من عمري في طفولتي ، فرأيت الصلاة تقام مرتين في المسجد العمري القديم في غزة مرة لأتباع المذهب الشافعي ، ومرة لأتباع المذهب الحنفي ، هذا غير الشتائم والسباب وارتفاع الأصوات التي كانت بين اتباع المذهبين ... علما بأننا نعرف أن النبي قال : لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما ً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ...
كذلك فإثارة ونبش قضايا في ديننا الحنيف تولد الكراهية و لا تخدم قضايا المسلمين الجوهرية فلمصلحة من يثير المسلمين - على سبيل الأمثلة لا الحصر – قضايا لا قيمة لها أو ربما تكون من الامور اليسيرة ، وتوقيت إثارتها يحمل ألف علامة استفهام ... فقد سأل عشرات من المجتمعين على باب الحسن البصري– لاحظوا – بأن دم البرغوت طاهر أم نجس ... أو عندما نثير اليوم مسألة رضاعة الكبير ، وهل يجوز للمرأة التي لا يطمع فيها الرجال أن تتعرى ؟ وأن الخل أو حبة جوز الطيب حرام أم حلال ؟، ومنهم من يفجر الفتنه الطائفيه من جديد فيقول أن الكتاب المقدس هو كتاب الزنا و الفجور و الدعارة ... قال الامام الغزالي المعاصر- رحمه الله - : سؤلت في مطار القاهرة السؤال الآتي : هل الخل حلال ام حرام .. وعندما وصلت إلى مطار أبو ظبي سؤلت نفس السؤال ثم قال : ليس من فراغ أن يتم سؤالي بنفس السؤال وبيوم واحد في المطارين
وفي النهاية أقول إن الفكر الجمودي ، وحرف أنظارنا إلى أمور ثانوية يؤدي إلى تمزقنا وتشتيتنا ، بل إلى أن يقتل بعضنا بعضا ، وأتذكر هنا ذلك الصحابي الذي رفض الخوض في حروب علي ومعاوية فقال : عندما ينطق السيف ويقول لي إن هذا كافر فسأقتله .. فما بالنا ونحن اليوم نقتل مسلما يعبد ربه ؟ ونحقد على آخر لأنه ينتمي إلى حزب كذا او كذا وهو مؤمن بربه ؟ أليس بذلك هدما لثقافة ديننا الحنيف ولشريعته السمحاء ؟ فلا تختموا عقولكم بالشمع الأحمر ...
وما أرسلناك الا رحمة للعالمين

- أ . تحسين يحيى أبو عاصي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165388

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165388 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010