الأربعاء 24 نيسان (أبريل) 2013

فياض يستقيل.. ماذا عن مشروعه؟

الأربعاء 24 نيسان (أبريل) 2013 par نافذ أبو حسنة

بعد أيام من الأخذ والرد، والنفي والتأكيد، تقدم د. سلام فياض؛ رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله باستقالته إلى رئيس السلطة محمود عباس، وقبل عباس الاستقالة، مكلفاً فياض بالاستمرار في تصريف الأعمال، إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

حتى لحظة الإعلان عن هذه الوقائع مساء السبت، لم يكن أحد متأكداً من أن “اللقاء الحاسم” الذي عقد بين عباس وفياض، سينتهي إلى استقالة الأخير، فعلى مدى سنوات أحيط فياض بهالة كبيرة، وبدا استمرار السلطة مرتبطاً ببقائه على رأس حكومتها، فهو المعتمد دوليا لتلقي الأموال، وهو الرجل الموثوق (غربياً وعربياً) لتحديد طرق وأشكال صرفها، هنا ظهر دوره أمنيا أكثر مما هو متصل بالنزاهة على نحو ما يتم الترويج له، ببساطة، قال المانحون: “إن ياسر عرفات كان يدفع الأموال للإرهاب”، وقصدوا بذلك تمويل الرئيس الشهيد لكتائب شهداء الأقصى، ومحاولة جلب السلاح لها قبل وخلال انتفاضة الأقصى، ثم كان القرار، بأن توضع الأموال في يد رجل محدد، يتقزز من كلمة مقاومة، ويؤمن بالبناء والازدهار تحت الاحتلال، ولا يمكن أن يدفع قرشاً خارج مقتضيات “التنسيق الأمني” وشروطه، ولعله من اللافت للانتباه حقاً، أن الخلاف بين فتح وفياض، كان حول منصب وزير المالية، تولى هذا المنصب، نبيل قسيس (الفتحاوي)، ولم يكن رئيس الحكومة الذي ثابر على الاحتفاظ بمنصب وزير المال، إضافة إلى رئاسة الحكومة راضياً عن ذلك، تعرض قسيس للضغط حتى استقال، ثارت ثائرة فتح، مطالبة بعودة وزيرها، رفض فياض، وعندما خيره عباس (تحت ضغط فتح) بين عودة قسيس، أو الخروج من الحكومة، اختار الخروج، وتحول التهديد بالاستقالة، إلى استقالة فعلية، جرى قبولها.

رجل مهم

كان من المتاح توقع مسار آخر للأحداث، فمن المعلوم أن الإدارة الأميركية دخلت على خط أزمة الاستقالة، ووفق ما قالت وسائل إعلام عديدة، فإن “وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل ليل الجمعة - السبت مع رئيس السلطة الفلسطينية؛ محمود عباس وطلب منه تطويق أزمة استقالة فياض من منصبه وحل الإشكال”.

الإعلان عن هذا الاتصال، سبقه نشر كلام منسوب لمسؤول أميركي في الخارجية، يقول فيه: “إن فياض لم ولن يستقيل، وإنه باق في منصبه”، ونشر هذا التصريح، عشية لقاء عباس برئيس حكومته، كان يحمل رسالة سياسية واضحة، وفيها إنذار لرئيس السلطة، الذي تلقى اتصالاً مباشراً يطالبه بحل الإشكال، بمعنى رفض قبول استقالة فياض، والنزول عند شروطه التي يضعها للاستمرار في ترؤس حكومة السلطة الفلسطينية.

وإلى التحرك الأميركي، كانت هناك تحركات أوروبية أيضاً، وبحسب ما تداولته وسائل إعلام ووكالات أنباء أوروبية، فإن “عدداً من وزراء الخارجية الأجانب أجروا اتصالات سريعة مع فياض وحثوه على الامتناع عن المضي قدماً في استقالته من منصبه”، رئيساً لوزراء السلطة الفلسطينية، وأكد مصدر دبلوماسي غربي للوكالات، وجود هكذا اتصالات، وقال “تمنينا على فياض عدم المضي قدماً في استقالته، لا سيما في هذا الوقت الحرج الذي تمر به المنطقة”.

وأضاف “نعتقد أنه يتوجب الاستمرار في البرنامج الرائع لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وفياض هو الشخص الذي تعاملنا معه في هذا المشروع، ولا نرى أن من الفائدة في هذه المرحلة، الانتظار للتعامل مع وجه جديد قد نعرفه أو لا نعرفه”.

يصعب على المرء الاقتناع، بأن هذه المواقف الأميركية والأوروبية، ناجمة عن الرغبة بوجود رجل يتمتع بـ“النزاهة والشفافية” في إدارة أموال السلطة الفلسطينية، واستطاع، وفق ترويج الغرب ذاته، الحد من الهدر والفساد، لا توجد سوابق في علاقة الغرب مع العالم، تشجع على تصديق هذه الشائعات، ولعل في ما قاله المسؤول الأوروبي، إشارة بينة إلى القصد من الإصرار على وجود فياض، وهو “البرنامج الرائع لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية”، وذلك على الرغم من إشارات كثيرة، ومتكررة إلى أن المديح الأميركي والأوروبي، و“الإسرائيلي” أيضاً شكل ضربات إضافية لرئيس الحكومة المستقيل.

البناء تحت الاحتلال

ثابرت أوساط في فتح والسلطة الفلسطينية على إنكار وجود برنامج سياسي لسلام فياض، أو حتى مغزى سياسي محدد لوجوده على رأس حكومة السلطة الفلسطينية، وحتى كيفية مجيئه لتولي حقيبة المال بالتحديد.

في ذلك الوقت، كان الانسجام كاملاً بين فتح وفياض، وكان يتردد على نحو دائم القول: إن فياض ينفذ سياسات محمود عباس، وهو لا يحمل أي مشروع سياسي خاص به، وكان يمكن تصديق ذلك إلى حد كبير، إذ إن الموافقة على الاستمرار في التنسيق الأمني، وتلبية كافة شروطه، يمثل قاسماً مشتركاً كبيراً، وهو شرط شارط على ما يقال، لكل تحرك في الضفة الفلسطينية.

ولكن فياض هو صاحب “فكرة البناء تحت الاحتلال، وإشادة مؤسسات الدولة”، دون أن تكون هناك دولة، جرى شق هذا المسار بموازاة التعثر الذي تواجهه عملية التسوية السياسية، دون الانفصال عنها كلياً، وقد عقد فياض نفسه لقاءات متكررة بوزير حرب الاحتلال في حينه، إيهود باراك.

قامت فكرة فياض على إمكان العمل في بناء المؤسسات، وكأن الاحتلال ليس موجوداً، أو بالتكيف مع وجوده، وبينما كان الاستيطان يستمر في الزحف، كان فياض يفتتح مبنى هنا، ويدشن مؤسسة هناك، وعلى نحو يشبه مواجهة الواقع بالأوهام، بالتوازي مع الإصرار على رفض، بل ومنع أي توجه لمقاومة الاحتلال، والدفاع الشرس عن سياسة التنسيق الأمني، وعن نموذج اقتصاد استهلاكي، ومتعيش على المساعدات في الوقت ذاته.

حظي مشروع فياض بتأييد من الدول المانحة، التي اعتبرت وجوده شرطاً لاستمرار تدفق الأموال، وأشادت بمشروع يستبعد المقاومة، ولا يشترط وقف الاستيطان والتهويد، ولا يواجه سياسات القتل، عبر التدخل الساخن، والاعتقالات المستمرة، ويشجع نمط الاقتصاد المعتمد في وصفات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وهو نمط يعتبر فياض من المساهمين في تطبيقاته على المستوى العالمي، وببساطة، كان المشروع يوفر متطلبات احتلال مريح وغير مكلف، وسط ضوضاء الحديث عن بناء مؤسسات الدولة وتحقيق النمو في الاقتصاد.

في واقع الحال، وعدا بعض التصريحات المتصلة بالمطالبة بوقف الاستيطان شرطاً، لاستئناف المفاوضات، لم يكن من الممكن العثور على افتراقات كثيرة بين مسلك فياض عامة، ومسلك السلطة الفلسطينية إجمالاً، الأمر الذي يطرح سؤالاً جدياً عن السبب الحقيقي للخلاف بين فياض وفتح، وانتهى به إلى تقديم استقالته.

القصور.. والتهميش

أتى فياض من البنك الدولي وزيراً معتمداً لإدارة أموال السلطة، وتكرس رئيساً لحكومتها، بعد الانقسام الفلسطيني، وقيام حكومة منفصلة في غزة، ووفق وصف أحدهم صار المشهد طريفاً، حيث إن لحماس حكومتها في غزة، ولفياض حكومته في الضفة، ووجدت فتح نفسها خارج الحساب، ما جعل حكومة فياض هدفاً دائماً لانتقاداتها، ولتتكرر مطالباتها بحصة وازنة في الحكومة، إذا كان رئيسا الوزراء ثابتاً.

ارتفعت وتيرة الانتقادات بالتوازي مع الأزمة المالية الطاحنة للسلطة الفلسطينية، صحيح أن للأزمة أسبابها وأبعادها الخارجة عن إرادة الرجل، ولكن هناك أيضاً النموذج الاقتصادي الذي قام بتطبيقه، وخلف إفقاراً وتهميشاً وبطالة، لتصطدم أوهام كثيرة، بالوقائع الصلبة والعنيدة، وبدا مفهوماً والحالة تلك أن تتوجه حالة الغضب الشعبي المتفاقمة ضد رئيس الحكومة، وتلاقي استياءً متفاقماً في صفوف فتح، فجرى تنظيم تظاهرات صاخبة تطالب فياض بالرحيل، على خلفية الفشل في معالجة الأزمات المعيشية المتفاقمة، وفي شهر شباط الماضي اتخذت التظاهرات شكلاً أغضب سلام فياض كثيراً، فتقدم باستقالة رفضها رئيس السلطة، وخرج الأخير بتصريحات داعمة لرئيس الحكومة.

وعلى مدى الأشهر الماضية، ظل فياض هدفاً للانتقادات، وظل يلوح بالاستقالة، ثم انفجرت أزمة وزير المالية نبيل قسيس، كشفت هذه الأزمة أن فياض يشكل مؤسسة منفصلة، عن منظمة التحرير، ورئاسة السلطة والفصائل، ولمس رئيس السلطة شيئاً مما ثابرت بعض أوساط فتح على التحذير منه: المشروع السياسي لسلام فياض، هذا المشروع ليس بالضرورة مختلفاً عن المشروع السياسي للسلطة الفلسطينية، ولكنه حتماً مشروع سلام فياض وحده، والذي يضعه في موقع ثقل مواز لكل مكونات المشهد السياسي الفلسطيني، من فصائل ومنظمة تحرير.

هذه أسباب كافية كي يتقدم فياض باستقالته، وكي يلاقيها رئيس السلطة بالقَبول، لكن هناك من يحيل الأمر إلى ترتيبات قادمة في المشهد الفلسطيني كله: المصالحة ومفاوضات التسوية التي يعمل الأميركيون من أجل تحريكها، وقد كان لافتاً، أن تصدر أصوات من فتح تعتبر استقالة فياض، مدخلاً للمصالحة، كما كان لافتاً أيضاً أن يوصي فياض، بتعيين محمد مصطفى خلفاً له، وهو زميله السابق في البنك الدولي، أي ابن المدرسة ذاتها، والمقبول في أوساط الدول المانحة والغرب، وهو أيضاً مرشح حماس البديل لرئاسة حكومة الوحدة سابقاً، وهناك أيضاً احتمال تولي رئيس السلطة رئاسة الحكومة، الأزمة لم تنته.. الأزمة مستمرة.. هي أعمق كثيراً من مجرد إدارة أموال المساعدات والهبات..



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2179056

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2179056 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40