الجمعة 24 أيار (مايو) 2013

رأيت إبليس

الجمعة 24 أيار (مايو) 2013 par د. عبد الستار قاسم

رأيت إبليس، بل أراه باستمرار، وليس إبليسا واحدا وإنما أباليس. إنهم هناك على شاشات التلفاز ينشرون الفساد والإفساد في الأرض بخاصة بين المسلمين. إنهم أولئك الذين يظنون في أنفسهم أوصياء على الدين الإسلامي فيصدرون الفتاوى وفق شهواتهم، ويكفرون كيفما يرون مناسبا ويعتدون على الذات الإلهية بتنصيب أنفسهم مكانها، ويوزعون المقاعد في الجنة والنار.

هؤلاء لا يظهرون فقط على شاشات التلفاز وإنما أيضا على شاشات الشبكة الإليكترونية بكافة أشكالها وألوانها، ونسمعهم عبر الإذاعات، ونقرأ لهم بيانات. نراهم ونسمعهم يقذفون السم من أفواههم، ويصرون على إثارة الفتنة بين المسلمين خدمة لأعداء الله والوطن. من هم هؤلاء؟ إنهم الغلاة من الفرق الإسلامية الذين يعتدون على حرمات الله، فيسممون الأفكار، ويقتلون النفوس، ويدمرون الممتلكات، ويستبيحون لأنفسهم حرمات المسلمين. يسمون أنفسهم فقهاء، والفقه الإسلامي منهم براء.

وهل إبليس من الإنس؟ ألم تسمع قول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (البقرة، 14) وقوله: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (البقرة، 102) وقوله: وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (الأنعام، 112)

مناظر هؤلاء الأباليس منفرة مقززة، ولحاهم شيطانية، والعفن يخرج من أفواههم ابتغاء الفتنة وسفك الدماء. إنهم يحرضون على المسلمين الذين ليسوا من أصنافهم فينعتونهم بالمروق والكفر والفسوق، ويشجعون على قتالهم. تراه في منظره وكلامه وهيئته وحركة يديه مجسدا للشيطان الرجيم الذي نذر نفسه لإغواء الناس وتضليلهم. هم لا يعرفون بالدين الإسلامي، وحصيلتهم المعرفية تنحصر في الغالب بأقوال من السلف، وبأقوال مزورة على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعض الآيات من القرآن الكريم دون الإشارة إلى سياقها.

هذا يشتم أهل السنة ويحرض ضدهم، وهذا يشتم أهل الشيعة ويحرض عليهم، وتبقى الأنظمة العربية وإسرائيل وأمريكا مرتاحة مبتهجة لما في ذلك من شر مستطر للعرب والمسلمين. هؤلاء يعملون بجد واجتهاد وتعب وسهر من أجل الفتنة الشيعية السنية، من أجل الاحتراب الداخلي الإسلامي ليخلو الجو للذين يوظفونهم ويغدقون عليهم الأموال ويسمحون لهم بإقامة الوسائل الإعلامية اللازمة للفتنة، ليخلو الجو لإسرائيل ومن حالفها من أهل الغرب لتبقى أحذيتهم فوق رقاب العرب والمسلمين.

هؤلاء منغلقون سوداويون ظلاميون، وعيونهم وآذانهم مغلقة لا يسمعون إلا من شياطينهم. إنهم يصدون عن سبيل الله، ويؤذون المسلمين وينفرون الناس من الإسلام. لقد عجز أعداء الإسلام عن تشويه الإسلام ومحاصرته وإعدامه، فنقلوا المهمة إلى هؤلاء الشياطين الذين لا يترددون في نسف مسجد على من فيه، أو تفجير سوق مزدحمة بالمتسوقين، أو بحافلة تقل عمالا يبحثون عن لقمة خبز لأطفالهم. هؤلاء لا تقوى لديهم ولا خشية من الله، وقلوبهم لا تعمر إلا بالخراب والدمار وإزهاق النفوس.

هؤلاء لا يقيمون فتنة بين المسلمين فقط، وإنما يشجعون مسلمين على تبرئة أنفسهم من الإسلام برمته. وهناك من الناس البسطاء العاديين الذين يظنون أن هؤلاء بلحاهم الطويلة وكلامهم المعسول المغمس بالسم يمثلون الإسلام، فيلعنون ما هم عليه من دين. وهناك من أهل الشرق والغرب من يتوجس خيفة من المسلمين فيحرض على التخلص منهم قبل أن تنفجر أجساد هؤلاء المفسدين في أسواقهم وجامعاتهم وووسائل نقلهم. لا ينحصر هدفهم بقتال شيعي سني، وإنما يمتد لبث كراهية لدى الأمم ضد المسلمين.

هؤلاء لا يمثلون الإسلام الذي هو دين علم وعمل وجهاد في كافة مجالات الحياة. الدين الإسلامي دين عدل وبناء وتقدم، ولا يقوم إلا على فضائل الإخلاص والأمانة والشجاعة والوفاء بالعهد والوعد والحرص على مصالح الناس أجمعين. إنه دين قوة للحق، ودين نصرة للمظلوم، ودين توفير العلم للجاهل، ودين الخير والمحبة بين الناس.

ربما من الضروري أن يعرف المرء كيف يشوه هؤلاء الدين الإسلامي، لكن السير خلفهم لن يورث سوى الخزي في الدنيا والآخرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2181627

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

70 من الزوار الآن

2181627 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 75


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40