الاثنين 3 حزيران (يونيو) 2013

القرضاوي إذ يفتتح «المذهبوفوبيا» ..!

الاثنين 3 حزيران (يونيو) 2013 par أيمن اللبدي

من المؤكد أن هذه الموجات المتعاقبة من التحريض والإغراء بالاحتراب الطائفي والمذهبي والعرقي ليست وليدة وضع داخلي في هذه الأمة على الإطلاق، بل هي مدفوعة على البروز ومدعومة إلى الاستشراء والانتشار وتعدد ألسنتها بحيث تغدو وكأنها ترجمة لحال قائمة بين ظهراني هذه الأمة، ولم تكن هذه النغمات النّشاز وليدة الأعوام القليلة المنصرمة على كل حال، فهي في العصر الراهن ومنذ بداية استهداف وتضعضع أسس المشروع القومي العربي الذي ورث أو أنضج حالة الاستقلال عن الاستعمار الكولونيالي الغربي منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي تطل برأسها حيناً وتخبو حيناً آخر، لكنها في كل الأحوال وضمن الظروف السابقة كانت تخرج عن متطرفي الحالة المذهبية أو الحالة العرقية على الجانبين ولم تكن لذلك تسترعي الكثير من الاهتمام والانتباه.

لطالما قامت محاولات تسويق المباغضة الطائفية والمذهبية بين مكوّنات الفرق والمذاهب الاسلامية المتنوعة على أيدي عتاة المتطرفين وأصحاب التشدّد غير المنهجي وغير المستند إلى عقل أو نقل سليم، فحملت جميعها أسباب لا معقوليتها وبالتالي كساد بضاعتها عند أغلب أبناء هذه الأمة الواحدة التي وصفها ربها عزّوجل بأنها كانت خير أمةٍ أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعتصم بحبل الله وتتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الاثم والعدوان، وهكذا لم تجد جماعات التكفير سنيةً كانت أم شيعيةً مهرجانا تستعرض فيه فكرتها المشوّهة عن دين الاسلام الذي أراده الله تعالى واسعا رحباً بحيث يتسع لأن يكون بشارة الله لهذا العالم ولشقائه ومصائبه وقائما بلسان الجدال بالتي هي أحسن بين الناس، فما اسطاعوا له نقباً وهو على هذه الحال من السماحة والعقلانية.

«الاسلاموفوبيا» التي حاولت السياسة الاستعمارية أيضا في الغرب أن تسوقها نمطاً معرفياً لسكان النصف الآخر من هذا العالم عن الحضارة الاسلامية وعن الشعوب الاسلامية وعن المعرفة الاسلامية، استندت في أصل مخططها الشرير إلى أعمال غير مسؤولة متطرفة وليست ذات صلة بروح المنهج الاسلامي والدين الاسلامي والخلق الاسلامي فضلاً عن أن تكون هي وصية الله في الأرض قام بها نفر تكفيري واضح خرج عن وسطية معلومة كان يفترض لها أن تكون هي الجواب على شطط الكثيرين هنا أو هناك، وبينما كانت تجهد هذه الحكومات وهذه المؤسسات الحاقدة على المشرق عموما في محاولة إلصاق هذه الافتراءات وإنشاء هذه المخاوف والمثبطات عن دين الله نظرا لاقبال شديد شهدته معظم بلدان الغرب في محاولة الاقتراب من حقيقة الاسلام مؤخراً وإستجلاء المثاقفة الممكنة معه.

إن« الاسلاموفوبيا» لم تكن فقط أداة يراد لها أن تمنع إمكانية قيام هذه المثاقفة بين المواطن الغربي ذي الأصول الغربية والمعرفة الغربية بقطع النظر عن مدى انتمائه للدين أو احتفائه بطقوسه وبين الاسلام كدعوة ودين وبشارة، بل هي أيضا كانت أداة ضمن الاستراتيجيات التي أرادت أن ترسمها الولايات المتحدة باختلاق العدو الجديد لها عقب انهيار المنظومة الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي، ولطالما ردّد هؤلاء الذين ينتمي أغلبهم إلى شريحة معينة من تحالف قوى المال والاستثمار في الصناعات العسكرية الامريكية واللوبيات النافذة الدينية وخاصة الانجليكانية الاشتقاقية او الذين دعوا أنفسهم بصهاينة المسيحية الجديدة والذين جرى توصيفهم لاحقا في إطار الممارسة والادارة والتخطيط والتنفيذ بمصطلح شاع هو المحافظون الجدد، لقد كان ذلك هدفا في حد ذاته لانه كما تصف المعادلة البسيطة في العقليات والذهنيات الغربية وخاصة الامريكية، “إن لم يتوفّر الشرّ وقواه فكيف سيتم تبرير تسمية معسكر الخير المستعد للمنازلة الدائمة للحفاظ على طريقة حياتنا” هذا بالنسبة لحال هؤلاء واحتياجهم، ولذا كانت عندهم صناعة امبراطورية الشر ضرورة لسوق بضاعتهم وعدوانهم واستغلالهم وبطشهم ، وعندما سقط الشيطان الاحمر والسرطان الاحمر بالنسبة لهم عمدوا إلى صناعة الشيطان الاخضر وتصنيع السرطان الاخضر في إشارة إلى الاسلام وقاموا بعدها كما هو معلوم في هذا الإطار بإشعال الحرائق في أغلب الشرق العربي والاسلامي.

مع ذلك لم تنجح هذه الفرية «الإسلاموفوبيا» في دورها وتكفّلت قوى المقاومة المختلفة سنية وشيعيىة باصطيادها في الأماكن التي حاولت إشعالها وابقاءها مشتعلة للأبد تحت قدميها، وعندما اضطرت إلى جداول الانسحابات الذليلة والمهينة ولم تفلح عمليات الالعاب التبديلية التي تأخذ شكل صندوق الاقتراعات في امريكا والدول الغربية بما تحضره من وجوه جديدة لمسرحها السياسي الدولي، سقطت خطورة الاسلاموفوبيا بسقوط وهج تسويقها ومحاولة تكريسها بيد من ظن نفسه نهاية التاريخ والقطب الاوحد والمصير المحتوم للعالم، ونشأت عوضا عن ذلك دعوة التقريب بين الديانات وهي دعوة لا تصلح في حقيقة الامر فقط للرد على مخططات شيطنة الاسلام والمسلمين، بل هي دعوة تصلح كذلك لتبريد مساحات واحتمالات الاشتباكات غير العاقلة ولا المفهومة على هذه الأسس لأن هذه الأسس في تاريخ العالم كانت دوما وصفة لدماره الشامل، فتلكم الحروب الصليبية في التاريخ والتي حاولت ادارة بوش استدعاءها علنا في خطاب بوش الصغير يوم اجتياح العراق، والحروب البينية حتى في اوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت كلها يمكن ان تعطي مدلولا واضحا عن خطورة هذه الدعوات وما تذهب اليه فهي في حقيقة الامر قنابل تدمير شامل وتنفذ على دفعات.

للأسف اليوم نسمع إلى ما هو أشد خطورة من مصطلح الاسلاموفوبيا التي حاولت إدارة المحافظين الجدد ترويجها في العالم عن الاسلام وبلدانه وسقطت بتراجع هذه الادارة ومجموعتها التي اعتدت على التاريخ نفسه وادّعت يوما بنهايته في غرور منقطع النظير، اليوم نحن نستمع إلى دعوات تحريض مذهبي وطائفي وعرقي مقيتة تخرج عمّن كان يوما واحدا من أعمدة محاربة الاسلاموفوبيا وإسقاطها وفرض التراجع عليها وفتح بوابة للتقريب بين الأديان فضلاً عن المذاهب الاسلامية نفسها، إن الخطورة لهذا التجييش اليوم ليس أنه يقال فهو سبق وأن قيل عشرات المرات فضلاً عن ان قصة المذاهب والفرق الاسلامية إنما نشأت عن حكاية السقيفة المشهودة أي سقيفة بني ساعدة ولم تنشأ اليوم أو أمس، كما أن حكاية المذاهب في معظم جوهرها حكاية سياسية جرى إلباسها الثوب الفقهي بحيث امتدت لتشكّل وتكرّس حالة طائفية أو مذهبية في الحوض الديني المعرفي وإرثه، وهي اليوم تعيد كشف ما بدأت به نفسها تماما، كيف يمكن أن يفهم هذا الحديث وهذه الدعوات اليوم ليس عن تجمعات تكفيرية متشددة مأزومة، وليس عن جماعات لم تستطع استخدام لغة الحوار وأدوات العقل والفكر ومنطقه فلجأت إلى الخروج الصاخب وارتكبت في الطريق الفظائع كما فعلته دائما على مدار التاريخ الاسلامي كله، بل هي تصدر عن مراجع أو منابر نظر إليها لوقت طويل على أنها تعلم تماما الفرق بين الاختلاف والخلاف وسبل مواجهة كل منهما بعيداً عن طريقة شمشون والمعبد وحلول الطوفان.

مؤسف أن تتطور حاجة سياسية هنا أو هناك بحيث تندلق إلى أقسى أنواع الخطايا على هذا النحو إذ أنها في الواقع لا تعلن عداءها لطبقة سياسية معينة هنا أو هناك، ولا لحكومة بعينها أو دائرة صناعة قرار سياسي أو فكري أو حتى ثقافي في لحظة الاشتباك الراهنة، بل إنها تعلن إدانتها وحربها وتحريضها على ملايين البشر غير الحاضرين في هذا ولا ذاك ممن هم على الأقل تحت تصنيف البرآء من المسلمين واقعين، فكيف بالله عليكم يجري تحريض 300 مليون انسان او يزيد على 900 مليون انسان او يزيد بفتوى مفتوحة للاقتتال والاحتراب على أساس طائفي بغيض علنا ويقال بعدها أن هذا كلام عاقلين مدركين لحالهم وما تنطوي عليه دعوتهم من دمار وخراب؟ هل يعقل هذا من أحدهم كما فعل القرضاوي علناً من التحريض بين أمة المليار وإغلاق أبواب التواصل والحوار بين المذاهب التي هي ملك الشعوب في نهاية الأمر وليست ملك السياسيين القائمين اليوم ولا الفقهاء القائمين اليوم والتي شاءت أقدار الله أن يكونوا في هذا التاريخ وهذه اللحظة مؤتمنين على عهد الله في عباده برعاية سلمهم وصلاح حالهم وواثتهم لارض الله في هذا الجزء من العالم!

منطق عجيب أن تنسحب هذه الاصطفافات السياسية وهذه الاحترابات السياسية سواء تسمت بالربيع أم الخريف وسواء أكانت داخلية أم مسوقة من الخارج، عجيب أن تفرض هذه الأحداث وهذه الحسابات السياسية من جديد نفسها على المنابر بعد سقيفة بني ساعدة المعلومة لتلبس هذه المرة أيضا حروبا ودمارا وضياع شأفة بالمطلق تصبح بعدها العاقبة مقارنة بفرية الاسلاموفوبيا كمقارنة جهنم بشرر صغير،وبينما تفشل الشرارة الاستعمارية ودعوتها على يد المقاومة السنية والشيعية وتجبر الغازي على التراجع والانسحاب وعلى الاقل الانصياع لارادة أهل هذه البلاد، تقوم هذه “المذهبفوبيا” التي يبشّر فيها القرضاوي وغيره هداهم الله بفعلهم هذا -لا سمح الله – باستئصال مستقبل الاسلام نفسه وأهله وليس فقط التحذير من مقاربته او التفكير فيه، فأي مصلحة تتحقق للاسلام وأهله وناسه بهكذا دعوات؟ ولماذا يتم السكوت عليها والصمت إزاءها من علماء الأمة الذين لا زالت لديهم القدرة على وقف هذه الاخطار والمهاترات؟

الجديد هذه الايام أن دعوات القرضاوي وأمثاله تسللت من المنابر إلى المحابر وقد بدأت بعض الاقلام والاصوات المختلة تنشط في هكذا تحضير وهكذا تحريض، ومفهوم أين تكمن الاحتياجات السياسية وأين تكمن الاستجابات التعبيرية بما فيها حتى تلكم الدينية اللباس المرتدية عمة وقفطان، لكن من غير المفهوم بتاتا أن لا تكون هناك حتى قدرة ذاتية عاقلة غير متهورة قادرة على الاحتساب والتفريق بين القدرة على اللعب بعيدان الثقاب والنجاة من المغامرة باللعب بالبراميل المشتعلة، لأن تلكم قصة أخرى....



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010