الثلاثاء 4 حزيران (يونيو) 2013

الرقص على دماء العرب

الثلاثاء 4 حزيران (يونيو) 2013 par بركات شلاتوة

الناظر إلى حال الأمتين العربية والإسلامية يشعر برغبة جارفة في السفر خارج الزمن والتاريخ والجغرافيا، للهروب من واقع دموي مزرٍ يجتاح أمته ويفتت عالمه الذي بناه في أحلامه، ويشوه الصورة المشرقة التي رسمت له عن واقع الأمة وحاضرها ومستقبلها . هذا الواقع الأليم المعمّد بالدم والموسوم بالخزي لما وصلت إليه حال الأمة بعد أن دخل الأغراب بين أبنائها محوّلين الأخوة إلى أعداء، يقتّل بعضهم بعضاً باسم الطائفة والقبيلة والمذهب، فيما الأعداء يدخلون البيوت بلا استئذان .

هذا الواقع يخلق صراعاً داخلياً في النفس البشرية، عنوانه الانتماء والهوية ما يجعل المرء يتمنى لو أنه ولد في أي عصر آخر غير الذي نعيشه، أو أنه لم يولد، كي لا يسمع أو يرى الدمار والقصف وصراخ الأطفال وعويل الثكالى والدم القاني المراق في الشوارع والساحات والأسواق وعلى عتبات المساجد، يتمنى واحدنا أمام هذه الفواجع أن يهرب إلى عالم يسوده الهدوء والسكينة والدعة والأمن والأمان، يتسابق أبناؤه في التحصيل العلمي الذي يخدم مجتمعهم .

إزاء ما يجري نتساءل: هل كُتب علينا أن نواصل حروب البسوس وداحس والغبراء رغم أن زمانها انقضى؟ إلى متى سنبقى منوّمين مغناطيسياً من قبل الغرب يوجهنا كيفما يشاء من دون حول لنا ولا قوة؟ لماذا لا نفكر ولو لبرهة في ما يدور في عالمنا؟ لماذا جاءنا هذا “الربيع” على هذا الشكل؟

كي نعرف أكثر، فلنفتح كتاب تونس لنكتشف أن ياسمينها لم يزهر إلى الآن، والعنف يجتاحها من كل حدب وصوب، وصارت مهددة أكثر من أي وقت مضى بأن تصاب بلعنة الإرهاب، وتكتوي بناره بعد بروز بوادره في جبل الشعانبي، وعلى الحدود مع ليبيا والجزائر .

ومصر تغرق في الفوضى والجوع والصراع وغياب الأمن، بعد الظن أنها عادت إلى زمن الكرامة، وبدأت تستعيد دورها في قيادة الأمة، لكن المخاوف تحولت إلى حقائق، فغزة اشتد حصارها والعدو الصهيوني لم يزل “صديقاً وفياً”، وسفير “إسرائيل” يصول ويجول في قاهرة المعز عزيزاً، والأخوة الإسلامية محاصرة بسيوف المتأسلمين الذين يرون هذا ولا يرون ذاك .

وآخر فصول الربيع الليبي أثمر تشطيراً لكيانها، وأبعد إقليم برقة عن الوطن الأم في مقدمة لمزيد من التشطير والتفتيت بحراب القبائل والميليشيات والجماعات المسلحة، والرصاص لغة الحوار الوحيدة السائدة كما التفجيرات والاغتيالات، وقوانين البرلمان تقر تحت تهديد السلاح وحصار المسلحين، ورئيسه يبعد نفسه عن الحياة السياسية باسم قانون “العزل السياسي”، مثلما أن رئيس الوزراء مهدد بالعزل باسم ذات القانون .

أما سوريا فقد باتت كتلة من اللهب تجتاحها حرب أهلية، حصدت أكثر من ثمانين ألفاً من أبنائها، وأصبح يمُارس فيها القتل على الهوية وكيان الدولة مهدد بالانهيار لمصلحة دويلات وأقاليم طائفية مذهبية، وشرر أزمتها بدأ يطول لبنان وينذر باشتعال الحرب الأهلية فيه مجدداً .

بعد كل ذلك، هل من شك في أن “الربيع العربي” وهم انخدع به الكثير من الناس قبل أن يكتشفوا أنه تحول إلى ميدان للقتل والتدمير؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2176733

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2176733 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40