نزاهةُ من الذنبِ

اشتدّ الحديث عن تشكيل حكومة بعد إقالة حكومة سلام فياض ، ولا ندري إن كانت حكومة فياض ستتخلى عن دورها كحكومة ظل تمسك بمفاصل القرارات في مناطق سلطة أوسلو ، أم أن السيد سلام فياض سيتمسك بدور ما يلعبه بعد أول أزمة ستواجهها الحكومة الجديدة لا سيّما وأن الضائقة المالية ستأخذ أبعاداً كثيرة وأن الدول المانحة ستضع شروطاً أكثر تضييقا على أداء عباس المالي في ظل الفساد المستشري والذي إن لم يكن هو جــزء منه فإنه ولمصالحَ خاصة يغضّ الطرف عنه .
المضحكُ حول تشكيل الحكومة الجديدة هو حديث عباس الذي جاء فيه التركيز على ضرورة الانتهاء من تشكيل الحكومة .. وهذا كلام عباس .. (على اعتبار أن استمرار حكومة سلام فياض بالعمل يعتبر مخالفا للقانون الأساسي الفلسطيني ) .
مسلسل صح النوم المعروف وخاصة لسكان سوريا لا يغطي النومة التي اقترب منها النوّام السيد عباس ، وهذا يعني أن السنوات التي قضتها حكومة الاقتصادي العالمي سلام فياض لم تكن مخالفة للقانون الأساسي إلا الآن ، مع أن الرجل ـ أي سلام فياض ـ لا أحد ينكر أنه اشتغل ووضع أسسا وقواعد هامة تحضيرا لبناء مؤسسات الدولة التي كلما اقترب موعد ميلادها تراجع الميلاد وتراجع الحمل . لذا فإننا نقول صح النوم يا جماعة ، والمهم هو فعلا الاستيقاظ من النوم .
رئيس الــوزراء الجـديد لا نعرفه لكن نعتقد بأن أولى مهامه يجب أن تكون هي إرجاع حقوق الناس المسروقة من قبل جماعة أوسلو ولا نستثني أحداً من عباس وبالنازل وهو أمر من أسـوأ ما صدر عن عباس ، وَبِجُبْنٍ وسكوتٍ من الذين يُطلِقونَ عليهم قيادات وفي الحقيقة أن من يستحي منهم على شـــرفه عليه أن يبادر ويطلب من رئيس الحكومة الجديد أن تكون أولى مهامــه أن يغلق هذا الملف السيئ وغير الأخلاقي .
وقبل أيام كانت هناك ورشة عمل وندوة عن الفساد وما قامت به الهيئة المعنية بمحاربة الفساد والتي يرأسها الأخ رفيق النتشة وحضرها إلى جانب المعنيين من قانونيين ومحاسبين مجموعة من رجال الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي وتحدث المتدخلون عن الفساد الذي بات يشكل حالة سلبية كبيرة على مستوى أداء السلطة بكل مراتبها ، فهناك قضايا فساد ظاهرة ومعروفة للمواطن بأسماء أبطالها وحجم العمالة المنضوية تحت لوائها لدرجة أن البعض يشير إليها ويصنفها بالدرجات والدوائر ، فالدائرة الأولى هي دائرة الرئاسة “بهبراتها” الكبيرة التي تبدأ بالملايين ، ونأمل أن لا يقفز “أبو حصيني” هنا أو هناك ليدافع عن “الذات الرئاسية المصون” ونقول لكل أبَوَاتِ وأمّاتِ الحصينيّات يا ريت تتلهون بدجاجة وتكفوا عن الدفاع عن أناس تبدو على وجوههم “درنات الفساد” كقرن الخرتيت ظاهرة لا حياء فيها ، ولقد سمعتُ على ذمةِ أشخاصٍ لهم وزنهم ومكانتهم ووزنهم وأهميتهم بأنهم عجبوا من أمر عباس أنه عندما اجتمع معهم كان حديثه الأساسي ليس عن قضية فلسطين بقدر ما كان عن مجالات الاستثمار الممكنة . وهذا الكلام يلتقي في المعنى مع كلام عن تقييم سلبي لعباس وتوجهاته السياسية وما يسعى للوصول إليه ، ليصل إليه قبل أن يصل الواصل إليه .
ما يهمنا هو أن يعلم الناس حجم الفساد وثقافته التي يتستر تحتها المنتفعون ، وأنّ أحدا في الندوة لم يتطرق إلى أخطر ظواهر الفساد وهي قرارات رئيس سلطة رام الله بقطع رواتب أعداد كبيرة من المناضلين دون وجه حق اللهم إلا أنهم لا يؤيدون خطوات عباس السياسية ، وأن أجهزة الأمن التي أنشأها السيد دايتون لا هم لها إلا التجسس على الناس وكتابة تقارير الوشايات وبأن أصحابها لا يدينون بالولاء لمشروع السلام الذي يسير فيه عباس ، لذا فإنهم ينصحون بقطع أرزاق الناس ، مقابل إطلاق أيدي الفاسدين للسرقات والتلاعب والاستغلال بما بات يمارس على المكشوف . وأن من يتابع ما يتعرض له الإنسان الفلسطيني الذي أعطى قضيته كل ما يملك من تضحيات وهو يتعرض للتضييق والابتزاز والقهر والتجويع يدرك مدى الانهيار الذي وصلنا إليه ومدى العجز الذي وصلت إليه من تسمي نفسها قيادة .
ربما يخرج من يُطبّلُ ويزمر لهذا الإنجاز الكبير بتشكيل الحكومة “نمرة 15” متناسين أن هناك استحقاقات كثيرة معطلة التنفيذ وعلى رأسهاء موضوع المصالحة الوطنية وإنهــاء الانقسام ، وموضوع الانتخابات التشريعية والرئاسية ، والاستفتاء الشعبي على أداء القيادة الفلسطينية وما حققته وما عجزت عن تحقيقه ، بعيدا عن بيانات التلميع الكاذبة عن مسلسل الإنجازات الكبرى التي تمت هنا وهناك ، وعن نتائج المفاوضات ، وما وصلت وما لم تصل إليه ، وهل ستؤدي هذه المفاوضات إلى نتائح بحجـم الخسائر التي يدفعها الشعب الفلسطيني ؟
كل هذه الأمور الهامة يجب أن تكون ضمن أولويات الحكومة الجديدة ، فلماذا الحديث عن حكومة محدودة ولمدة محدودة وتمر الأيام لتتحول المدة المحدودة إلى مدة مديدة .
لذلك نقول كفى ضحكا على الناس والنزاهة تأتي من الرأس وليس من الذنب . هكذا نفهم النزاهة ونفهم المواقف الصادقة . ونحن نمر بذكرى تاريخ مؤلم إنه ذكرى الخامس من حـــــزيران . فليتذكر أولو النسيان . مع التأكيد على حرف “اليـــــــاء” في كلمة النسيان خشية أن يقلبه البعض .. “واواً”