الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010

مأساة الحصار وملهاة العلاج

الجمعة 25 حزيران (يونيو) 2010 par حسين العودات

بقي قطاع غزة محاصراً لمدة تزيد على ألف يوم دون أن تهتز شعرة في مفرق الأوساط العربية الرسمية والشعبية (باستثناء إبداء الحسرة والأسف وإرسال بعض المعونات التي لا تسمن ولاتغني من جوع) أو تتأثر ضمائر الرأي العام العالمي، أو تشعر الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس أمنها وجمعيتها العامة لا بالإهانة ولا بالخزي لمرأى مليون ونصف المليون من البشر يعانون من الجوع والمرض والبطالة والفاقة.

وتنتهك حقوقهم التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والاقتصادية (1966) والقوانين والمواثيق الأخرى، وكلما شددت إسرائيل حصارها كلما زادت ثرثرة الدول الكبرى ومنظماتها الإقليمية حول انتهاك حقوق الإنسان ولكن في أمكنة أخرى من العالم بعيداً عن الممارسات الإسرائيلية والصهيونية والعسكرية الأميركية، وكأن غزة وقطاعها وما يجري فيها يقع خارج كوكبنا.

زعمت الحكومة الإسرائيلية ووافقتها الإدارة الأمريكية والسياسات الأوربية أن حصار غزة ليس انتقاماً من شعبها ولا تدميراً لمجتمعها ولا سبباً في موت سكانها البطيء نتيجة الجوع والمرض والبطالة وغيرها، وإنما هو (عقوبة) لحركة حماس (الإرهابية المتطرفة).

ومساهمة في خلق الشروط الواقعية ليغير أهل غزة بمساعدة إسرائيل والقوى الخارجية السلطة التي تحكمهم، ولتوقف منظمات المقاومة الفلسطينية مقاومتها العسكرية وخاصة إطلاق الصواريخ على (إسرائيل)، وكادت هذه المبررات المخادعة والأكاذيب الكبيرة والمخاتلة أن تقنع الجميع وتنجح، وقد رددتها مع إسرائيل القوى الغربية (الأميركية والأوربية) والقوى المتخاذلة في مشارق الأرض ومغاربها، تلك التي تبحث عن الخلاص، حتى كاد الناس يصدقون هذه المزاعم بمن فيهم بعض العرب.

انكشفت اللعبة وافتضح أمرها وتهاوت المبررات الإسرائيلية الكاذبة بعد محاولة أسطول الحرية شحن المساعدات إلى غزة، واحتلال بواخره من قبل الجيش الإسرائيلي في عرض البحر بعملية عسكرية (مضحكة مبكية) حيث شاركت في (معركة) السيطرة على سفن الأسطول:

الحوامات، وقوات المظليين، والزوراق الحربية والمعلوماتية والتكنولوجيا، واستخدمت هذه القوات السلاح ضد ناشطين مدنيين عزلاً فيهم الشيوخ والنساء والأطفال، وافتخر الجيش الإسرائيلي بحماقاته هذه، وتلقى التهاني من رئيس حكومته ووزير الدفاع ورئيس أركانه (وكأنه خاض معركة لينيننغراد أو معركة العلمين) والأمر في الواقع لا يعدو أن يكون إلا حماقة وخفة وتصرفات لامسؤولة (وزعرنة) اكتشفها الرأي العام الإسرائيلي وبعض سياسيه وصحافته فيما بعد، وأدرك متأخراً أية جريمة ارتكبتها حكومته.

أمام عنف الصدمة ورد الفعل لدى الرأي العام العالمي، وموقف الحكومة التركية الحازم تجاه قتل مواطنيها، وبعد أن تبين هول الجريمة، وشعور إسرائيل وحكامها ورأيها العام أنها هي المحاصرة وليس قطاع غزة، تراجعت حكومتها عن عنترياتها السابقة، وقررت (تخفيف) الحصار على غزة، فسمحت في المرحلة الأولى بدخول الحلوى والعصائر وما يشبهها.

وكأن هذه هي الحاجات الرئيسة لأهل غزة أو كأنها تدخل في صناعات حماس العسكرية؛ ثم لما غدت هذه القرارات محط سخرية العالم، عادت الحكومة الإسرائيلية فسمحت بإدخال القرطاسية ومزيد من الأغذية والأدوية وغيرها.

إن ما جرى في قطاع غزة هو مأساة حقيقية، ولكن الأمر المستغرب، هو ذلك الموقف المتخاذل أو المتواطئ من الإدارة الاميركية، التي لم تتذكر، إلا بعد جريمة الأسطول، أن هناك حصاراً وانتهاكاً لحقوق الإنسان، وحاولت الالتفاف على موقفها المتهافت والمدلس، ومثلها الموقف الأوروبي الذي كان يبلع اهانة منع دبلوماسييه (بمن فيهم الوزراء) من زيارة غزة مع أنهم كانوا يقسمون أغلظ الأيمان بأنهم لن يقابلوا أحداً من مسؤولي حماس، وأخيراً موقف بعض العرب المتفرج والمكتفي بتحمل آلامه واجترارها وإرسال بعض الأغذية والمساعدات حيثما أمكن ذلك.

والآن، هل تغيرت هذه المواقف الإسرائيلية والأميركية والأوروبية تغيراً جدياً يهدف لرفع الحصار، أم أنها تعمل لتغطية الفضيحة الإسرائيلية ودرء مفاسدها، و(لفلفة) الجرائم التي ارتكبتها حكومة نتانياهو، وذلك من خلال الترحيب بالقرارات الإسرائيلية التي (تخفف) الحصار ولا (تفكه أو تكسره) وتساعد (الزعرنة) الإسرائيلية على الالتفاف عليه، وتحاول أن تعيد صورة إسرائيل المستهدفة التي تدافع عن أمنها؟

أدرك الإسرائيليون حماقتهم وأخطاءهم واعترف نتانياهو يوم الأحد الماضي بهول الجريمة التي ارتكبها (لا بحق أسطول الحرية وتبعات احتلاله فقط وإنما أيضاً بحق إسرائيل نفسها) .

وكذلك فعل العجوز المخضرم شمعون بيريس وأصيب بعدها بالاكتئاب، وتواجه الحكومة الإسرائيلية الآن نوعين من الصعوبات، إحداها الالتفاف على هدف رفع الحصار الذي لم يعد من الممكن استمراره، والثانية لملمة العار الإسرائيلي والروائح الكريهة التي فاحت من السياسة الإسرائيلية.

لقد غالت حكومة نتانياهو بتطرفها وحماقاتها، فهي التي أعلنت عن مزيد من الاستيطان كلما زارها مسؤول أميركي كبير (ميتشل ونائب الرئيس بايدن) وكان إعلانها دائماً مقصوداً وموجهاً ضد الإدارة الأمريكية التي بلعت الإهانة، وعملت دائماً لتحويل حصار غزة، وهو أمر جلل مناقض للشرعية الدولية وقوانينها وقراراتها ولشرعة حقوق الإنسان إلى قضية سد حاجات سكان القطاع من الطعام (العصائر).

وليس إطلاق حريتهم وتركهم يمارسون حقوقهم السياسية والاقتصادية وبناء منازلهم التي هدمها العدوان، وفي الخلاصة عملت الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها على تحويل مأساة الحصار إلى ملهاة تخفيفه، مع الاستمرار الفعليً في تطبيقه وإطالة مداه.

إن حصار غزة مأساة لن ينفع معها تخفيفها أو الالتفاف عليها، وإزالة هذه المأساة هدف لا يتجزأ ولا تحكمه المراحل وإلا تحولت المأساة إلى ملهاة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178569

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178569 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40