السبت 8 حزيران (يونيو) 2013

الغنوشي والمؤتمر القومي

السبت 8 حزيران (يونيو) 2013 par أمجد عرار

قد يجادل البعض في صحّة قرار منظمي المؤتمر القومي العربي الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي، إلغاء كلمة زعيم حزب “النهضة” التونسي راشد الغنوشي ضمن فعاليات المؤتمر . لكن المنظمين عزوا إجراءهم إلى موقف الغنوشي المهادن تجاه “إسرائيل” وإحباطه، وحزبه “النهضة”، وضع مادة دستورية في تونس تجرم التطبيع والتعامل مع “إسرائيل” .

من غير المفهوم أن يفاجئ الغنوشي أعضاء المؤتمر بالحضور وفرض نفسه على الجلسة الختامية للمؤتمر، علماً بأن جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها انسحبت، ومعها حركة “حماس” من الجلسة الافتتاحية احتجاجاً على انتقاد سياسة الرئيس محمد مرسي . إذا كان هذا التصرف من جانبه إقراراً بضرورة التواجد والمشاركة والتأثير في القرارات، فإن الوجه الآخر له انتقاد لانسحاب “الإخوان” الذين لم تحتمل “ديمقراطيتهم” سماع رأي آخر .

على أية حال، ليست هذه خلافات إجرائية، بل في جوهرها تعبير عن اتضاح خيارات القوى السياسية في المشهد العربي في مرحلة “الفوضى الخلاقة” الجارية إدارتها بإحكام من جانب مهندسيها وعبر وكلائهم في الداخل العربي . الغنوشي يعرف مسبقاً مواقف القوى القومية والناصرية المشاركة في المؤتمر، فهي بغض النظر عن مدى قوتها أو ضعفها، متمسّكة برفض المشروع الصهيوني وتجلياته في المنطقة العربية، وفي القلب منها، فلسطين .

عندما كانت حركة الإخوان المسلمين، أو بعض فروعها على نحو أصح، في المعسكر المناهض للصهيونية و”إسرائيل” والهيمنة الأمريكية، كان من الطبيعي تواجدها حيث كل القوى المناهضة، لكنّها في الوقت الذي نضجت ظروف الاصطفاف الخادم لمخطط “الشرق الأوسط الجديد” حزمت أمرها وانتقلت إلى الموقع المضاد، وأثبتت فرضية أن مواقفها السابقة لم تكن سوى جسر للوصول إلى السلطة في سياق ما هو مرسوم للمنطقة، وما تجري ترجمته أكثر من واضح . لو لم يكن الأمر كذلك لما تمسّكت حركة “النهضة” الغنوشية بموقفها الحديدي إزاء رفض تجريم التطبيع مع “إسرائيل” التي كانت حتى الأمس القريب العدو الغاصب لفلسطين وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والتي ارتكبت مسلسلاً من المجازر بحق العرب والمسلمين، والتي لا تتورع عن شن العدوان حيثما رأى “موسادها” الأخطبوطي، مثلما فعلت مرتين علناً في تونس، فضلاً عن عبث أصابعها الخفية حالياً بالبلاد الخضراء، كما كشفت تقارير تونسية .

الغنوشي يعرف أن سبب منعه من إلقاء كلمة في مؤتمر قومي لا علاقة له بحرية التعبير عن الرأي، بل لأن منظومة سياساته المنقلبة على ماضيه لا تنسجم مع المؤتمر ومنطلقاته وأهدافه القومية . هذا ليس تجنياً أو خلاصات استنتاجية، بل ما عبرت عنه مواقف الغنوشي المعلنة وتنصّله من مواقفه السابقة من “إسرائيل”، حيث طمأنها بأن الدستور التونسي لا يتضمن أي بند يمنع العلاقات معها .

مهما كان الماضي فإنه لا يمنح شفاعة لأي جماعة تخلع ثوبها النظيف التزاماً بصفقات غير نظيفة، لأن الأمور بالخواتيم التي بإمكانها أن تثبت مقولة “التمسكن حتى التمكّن” التي تتبعها قوى سياسية وأدواتها الثقافية والإعلامية، لكن كثيراً من خواتيم التاريخ أثبتت لمن هم أقوى من “الإخوان” أن التاريخ لا يرحم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010