السبت 8 حزيران (يونيو) 2013

تقاسم الأغوار والخطة الاقتصادية للسلام

عبد الرحمن ناصر
السبت 8 حزيران (يونيو) 2013

يعمد وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المزج بين مجموعة من المقترحات والخطط التي جرى التداول فيها من قبل، ويقوم بتسويقها على اعتبارها وصفات طازجة تماماً، وأكثر من ذلك، تحمل حلولاً سحرية لأزمات مستعصية، فكل من تابع ملفات ومجريات التفاوض بين السلطة (المنظمة سابقاً) وبين الحكومات المتعاقبة في كيان الاحتلال، يعرف كثيراً عن مصطلحات السلام والأمن والاستقرار، والسلام الاقتصادي، والمسارات الأمنية والسياسية، وغير ذلك، كما يعرف عن المقترحات بشأن القدس والأغوار والحدود واللاجئين، أما التغيير الحادث فيمكن ملاحظته في أمرين، الأول وثيق الصلة بالمناخ العربي العام، ومدى حضور فلسطين والاهتمام بها عامة، في ظل الأوضاع الراهنة، والثاني يتعلق بحذف قضايا أساسية من النقاش تماماً، والتركيز على الموضوع الاقتصادي، ووضع منطقة الأغوار.

يتماشى التركيز على هذين الموضوعين مع ما يريده كيان الاحتلال، أكثر من ذلك، هو تجسيد لرغبات الاحتلال بالضبط، فـ“السلام الاقتصادي”هو مشروع “إسرائيلي” قديم، أما الموضوعات الغائبة فهي: قضايا القدس واللاجئين، والكلام عن وضع الأغوار، حيث الانتشار الاستيطاني الكبير، يخدم تصور الاحتلال الذي يرفض أي تواصل جغرافي “للدولة الفلسطينية” مع الأردن.

تقاسم الأغوار

أقام الاحتلال الصهيوني بنىً استيطانية ضخمة في منطقة الأغوار، وقد كانت هذه البنى ومعسكرات جيش الاحتلال، هدفاً لعمليات المقاومة الفلسطينية حتى عام 1970 عندما جرى إخراج المقاتلين الفلسطينيين من الأردن، بعد ذلك، عاود الصهاينة تركيز وجود استيطاني كبير، ومعسكرات لقواتهم، وأقاموا استثماراً استيطانياً زراعياً ضخماً جداً.

مع بدء المفاوضات، أصر الصهاينة على الاحتفاظ بمنطقة الأغوار، كان المطلب الصهيوني يقوم على نقطتين: الاحتفاظ بالاستيطان والوجود الأمني العسكري، من ناحية، ومنع أي تواصل فلسطيني - أردني جغرافياً، في المقابل، طالب الفلسطينيون باستعادة المنطقة الغنية زراعياً، والمشاطئة للبحر الميت، وما يختزنه من معادن، والتي تؤمن تواصلاً للدولة الفلسطينية الموعودة مع الأردن.

صارت الأغوار من ضمن القضايا المعقدة في مسار التفاوض الطويل، وجرى صوغ كثير من التصورات التي تحقق للصهاينة مطالبهم، ويبدو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يسعى للاستفادة من طروحات حمد بن جاسم، حول الموافقة على تبادل الأراضي، ليطرح صيغة جديدة للحل في الأغوار على طريقة التقاسم.

يتركز تصور الوزير الأميركي، على إشراك المملكة الأردنية كطرف ثالث في إدارة المنطقة، وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت، إن كيري كثف في الأسابيع الأخيرة اتصالاته مع الحكومة الأردنية، وضغط باتجاه إشراك المملكة في القضية الأكثر تعقيداً بعد موضوع القدس، وتضيف “يديعوت أحرونوت”: إن “كيري نجح في إقناع الجانب الأردني بأن يكون جزءاً من المعادلة الجديدة”، وأبلغ كيري وزيرة “القضاء” تسيبي ليفني، المكلفة بإدارة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، وإسحاق مولخو، ممثل رئيس حكومة الاحتلال، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بهذه الأفكار، وناقشها معهم.

ولم تتضح بعد طبيعة المهمات المشتركة للأطراف الثلاثة، وتقول “يديعوت أحرونوت” إنه سيتم بحث ذلك لاحقاً أثناء التعمق في المفاوضات، لكن هناك تصوراً بأن يكون الوجود العسكري الفعلي على الأرض لـ“إسرائيل”، مع وجود مقر مشترك للتنسيق الأمني يضم الأطراف الثلاثة.

وتقول مصادر في الخارجية الأميركية، إن هذه الفكرة جزء من سلسلة أفكار نقلها كيري إلى الأطراف الثلاثة في إطار سعيه لإطلاق مبادرة سلام، وينتظر أن يطرح كيري مبادرته الجديدة هذا الشهر، وهي مبادرة متكاملة تدمج بين المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية.

وكانت حكومة الاحتلال تطرح في البداية استئجار الأغوار من السلطة، لفترة 99 عاماً، لكن السلطة رفضت تماماً حتى التفاوض حول ذلك، ثم خفضت المدة إلى 40 عاماً على أن تجري بعدها مفاوضات أخرى، وكررت ذلك في اللقاءات الاستكشافية التي أجريت في المملكة الأردنية في 2012، وعادت السلطة ورفضت التخلي عن المنطقة، وهو ما أدى إلى انهيار المفاوضات آنذاك.

ويبدو أن سلطات الاحتلال تسارع من جانبها لخلق وقائع جديدة في منطقة الأغوار، وبحسب صحيفة معاريف، فإن وزير الحرب موشيه يعلون، أعطى موافقته الأخيرة على المخطط الاحتلالي الجديد الذي يقضي بترحيل عشائر فلسطينية منتشرة في منطقة غور الأردن، من أراضيها والسيطرة عليها، وتجميعهم في تجمع سكاني واحد، يطلق عليه الاحتلال اسم “مدينة نويعمة”، وحسب المخطط، فإن الاحتلال قرر “تحويل ألفي دونم” للسلطة الفلسطينية، لغرض إقامة مدينة جديدة قرب مدينة أريحا في الغور ويطلق عليها “نويعمة”، وعلى الرغم من أن المخطط يقر بأن المساحة المخصصة هي ألفا دونم فقط، إلا أن الاحتلال يخطط لتوطين عشرات الآلاف في هذه الرقعة شبه الصحراوية الصغيرة نسبياً، وهو ما يكشف أكثر خطورة المخطط، الذي لم تتحدث عنه الهيئات الفلسطينية من قبل، ما يشير إلى أن المخطط هو من سلطات الاحتلال، إذ حسب المخطط ففي المرحلة الأولى من المتوقع أن ينتقل إلى “نويعمة”، التي ستكون محاذية لأريحا ومستوطنة “يتاف”، نحو 8 آلاف نسمة يسكنون في 1140 وحدة سكنية، وسيتشكل الحي الأول في المدينة من منازل خاصة يقع كل واحد منها على مساحة نصف دونم.

السلام الاقتصادي

على خط مواز، يعمل وزير الخارجية الأميركي على الترويج لما يسمى السلام الاقتصادي، ويدور الحديث عن مشاريع اقتصادية للفلسطينيين، مثل إنشاء مطار خاص بهم في منطقة أريحا إلى جانب مشاريع استثمارية أخرى.

وستقام إلى جانب المطار شركة طيران وطنية فلسطينية يشكل أسطولها الجوي همزة وصل بين الدولة الفلسطينية المستقبلية ودول أوروبا وأميركا وبقية العالم، وستمر الطائرات الفلسطينية عبر المجال الجوي “الإسرائيلي” بعد تنسيق رحلاتها مع أبراج المراقبة الجوية في دولة الاحتلال، وستكون الإجراءات والترتيبات الأمنية داخل المطار في يد السلطة الفلسطينية بالكامل، لكن “إسرائيل” ستراقب حركة المسافرين عبر أجهزة الحواسيب وكاميرات مراقبة بما يشبه الترتيبات الأمنية التي كانت سائدة على معبر رفح عام 2006.

وتقضي خطة كيري بتحويل كامل منطقة أريحا إلى مركز اقتصادي يشهد وضع الأساسات الاقتصادية الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة، حيث يقترح كيري إلى جانب مشروع المطار السماح للسلطة بإقامة مصنع بوتاس في منطقة “غالية” شمال البحر الميت، وتتحدث مصادر الاحتلال عن طلب الوزير الأميركي من دولة الاحتلال الانسحاب من تلك المنطقة التي توجد فيها مستوطنة “كيبوتس غالية” وتسليمها للسلطة.

وتعتبر الخطة الأميركية الانسحاب من شمال البحر الميت الانسحاب الأول ضمن سلسلة انسحابات أو سلسلة من عمليات نقل الصلاحيات في مناطق الضفة الغربية، بما يسمح بإمكانية تحقيق المفاوضات الثلاثية المتوقعة “الأميركية الإسرائيلية الفلسطينية” تقدماً. وتشير وسائل إعلام في دولة الاحتلال، إلى أن خطط ومقترحات كيري سابقة الذكر، هي جزء من خطته الأصلية الهادفة إلى تحسين الوضع الاقتصادي الفلسطيني، حيث يتوقع كيري رفع قيمة الناتج الفلسطيني الخام بنسبة 5 في المئة، وتخفض نسبة البطالة بما يعادل الثلثين من 21 في المئة حالياً إلى 8 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفيما تتحدث المصادر الفلسطينية عن رفضها لأي مشروع اقتصادي، لا يتضمن مساراً سياسياً موازياً، فإن حكومة الاحتلال لا ترى في التصور الأميركي ربطاً واضحاً بين المسارين، ووفق معلومات منسوبة لمكتب رئيس حكومة الاحتلال، فإن الاستثمارات التي تتحدث عنها الخطة الأميركية ستكون عبر القطاع الخاص الفلسطيني المتطلع إلى شراكة مع الاقتصاد “الإسرائيلي” والاقتصاد العالمي بعيداً عن تعقيدات السياسة، لهذا الكلام ترجمة واحدة: لا رابط بين مساري الاقتصاد والسياسة، ولذلك يركز الصهاينة أحاديثهم عن رزمة فيها اتجاهات اقتصادية وإعلامية وثقافية، تشمل ما يسمى وقف التحريض، وزرع مفاهيم التعاون والسلام والتعايش الحضاري بين الفلسطينيين و“الإسرائيليين”.

وحسب مصادر الاحتلال، فإن مقترحات كيري التي طرحها في زيارته الأخيرة للمنطقة، تشمل كذلك إطلاق سراح أسرى فلسطينيين معتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو 1993، ونقل السيطرة الأمنية عن مناطق بالضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، إلى جانب وقف طرح عطاءات للاستيطان، خصوصاً في منطقة شرقي القدس والاكتفاء بالعطاءات الحالية.

عملياً لا يزال الغموض محيطاً بالخطة الأميركية، وقد اشتكى المفاوضون الفلسطينيون من حقيقة أن رئيس السلطة يحجب حتى عنهم ما يدور بينه وبين الوزير الأميركي، لكن الكلام عن الأغوار والتفاصيل التي سربها الصهاينة حول الخطة الاقتصادية تظهر الربط الواضح بين الأمرين، فالمشروع الاقتصادي الأساسي سيقوم في أريحا والأغوار والأخيرة هي المرشحة للتقاسم وفق إدارة ثلاثية فلسطينية - “إسرائيلية” – أردنية، وفيما يسجل ضعف واضح في ردود الفعل الفلسطينية على المشروع الأميركي الجديد بكل تفاصيله، اعتبر إسماعيل هنية؛ رئيس حكومة غزة، أن المشاريع والخطط الأميركية الأخيرة بمنزلة “خديعة وغش سياسي يرمي إلى طمس الحقائق التاريخية والعقائدية للشعب والأرض، ومحاولة لتكرار الفيلم المحروق” الذي يسمى المفاوضات مع الاحتلال، وقال: “إنّ الإغراء بالمال وسيلة أعداء الإسلام مقابل التنازل السياسي،”فالمليارات تتدفق من الإدارة الأميركية مقابل التنازل السياسي والتطبيع مع العدو وتبادل الأراضي والوجود الأمني والتخلي عن حق العودة".



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165810 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010