الثلاثاء 11 حزيران (يونيو) 2013

30 يونيو.. والخطة الأميركية (ج)

الثلاثاء 11 حزيران (يونيو) 2013 par علاء حمودة

يفكر الاميركي قبل أن نتوقع .. ويخطط قبل أن نتحسب لـ(التعكز) .. وينفذ ويبلغ المراد قبل أن تتدافع الانفاس للحراك .. لا بأس اذن أن نتمسك بفضيلة الصمت أمام قرعة كؤوس الانخاب في صحة الغارقين في الأوهام .. حتى لو خرجت نهاياته السعيدة صدى كئيبا مفزعا في البلدان العربية المكلومة المغلوبة على أمرها .. فهل هو فارق التوقيت والتفكير والوعي والادراك الشاسع بين من ليلهم نهار مفعم بالتدبير والتخطيط وبين من نهارهم ليل يغط في نوم عميق أو جري وراء السراب؟!.. أم هو حكم التاريخ في أمة دشنت الشرق الاوسط الكبير بـ(كامب ديفيد) في رحلة تخبط طويلة مبعثرة الخطوات داخل برزخ من الانحطاط والتردي والتراجع والتقزيم.
بالأمس ركب الاميركي موجة الطموحات المصرية في (العيش) و(الحرية) و(العدالة الاجتماعية)، وجعل من حراكها الشعبي الهادر في الـ25 من يناير مصنعا للفرص ومختبرا بشريا كبيرا لوهم اسمه ربيع للحرية، كان في جوهره مزاد علنيا لنقل السلطة من نموذج عسكر كامب ديفيد إلى النموذج الأردوغاني الاخواني، وبينهما تواصلت الجسور وامتدت خطوط الاتصال للحفاظ على حزمة المصالح الاميركية في قلب المنطقة، لتبقى صيغة الولاءات والتفاهمات على حالها شيكا على بياض لاستكمال ما تبقى من مشروع الشرق الأوسط الكبير ودرة عقده اسرائيل.
لكن، يبدو أن حالة الغليان التي يمر بها المجتمع المصري جراء انسداد الأفق السياسي والازمات الاقتصادية المتلاحقة تحت حكم الاخوان، ووصولها إلى حافة الانفجار مع الدعوات لتظاهرات غضب عارمة في الـ30 من يونيو المقبل في الذكري الاولى لتولي الرئيس محمد مرسي السلطة، قد فرضت على الأميركي خطوات إلى الخلف يجلس بعدها على رصيف الأحداث لاعادة حساباته في بؤرة نفوذه بالمنطقة، والبحث عن مخرج من مأزق تمر به المصالح الاميركية داخل بلد يستعصي على ترمومترات قياس درجة الحرارة الثورية.
لا مفر اذن أمام هذه الورطة المستحكمة من طبخ سيناريوهات جديدة المستقبل قبل أن يبلغه أصحابه، واعداد الخطة (ج) لاحتواء ما قد تكون موجة ثورية جديدة، هذا اذا تيقنا أن خطط تكبيل قلب الأمة من الانحراف على الخطوط الاميركية لا تقبل لغوا ولا تأثيما.
انه التطفل الاميركي مجددا على مستقبل المصريين، تكشفه أروقة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي بدأ في طرح خيارات أمام صناع السياسة الأميركية حيال (صيف التذمر الذي يمر على مصر) وذلك في دراسة نشرها المعهد للباحث إريك تراجر زميل الجيل التالي في معهد واشنطن، حيث تلخصت توصياته لصناع القرار الاميركيين في سيناريوهيين:
الاول: اقناع المعارضة بعدم التخلي عن السياسة، إذ إن المشاركة في النظام الحالي تمهد طريقاً يمكن السير فيه بصورة أكبر نحو تقاسم السلطة، بدلاً من الدعوة للقيام بـ“ثورة” ضد مرسي، واقناع الاخوان بأن (زيادة الضرائب وخفض الدعم) تجعل شمل المعارضة وصياغة توافق سياسي أمرين لا غنى عنهما.
أما الثاني ـ وهو الأهم من نظري ـ التخطيط لحالة محتملة من عدم الاستقرار. والتركيز على ثلاث مصالح استراتيجية يمكن أن تتعرض للخطر وهي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وأمن قناة السويس، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ويرى الباحث وفق هذا السيناريو أنه وبما أن الجيش المصري هو المسؤول الأول عن جميع هذه العناصر، ينبغي على إدارة أوباما أن تعمل مع القادة العسكريين لضمان تفعيل خطط طارئة إذا ما اشتعل صيف التذمر الذي تمر به البلاد).
إلى هنا انتهت توصيات الباحث، ولي في هذا السياق عدة ملاحظات:
أولا: إن تاريخ نشر هذه الدراسة هو الـ 28 من مايو الماضي قبل شهر من المظاهرات المرتقبة، بما يؤشر إلى قلق أميركي بالغ ومبكر مما قد يحمله المستقبل في مصر من حراك، قد يؤثر وبشكل مباشر على المصالح الأميركية ويدير دفة الأحداث إلى حيث يريد طابخو السياسات الاميركية ومن خلفهم اللوبي الصهيوني.
ثانيا: أن السيناريو الأول يسعى إلى محاولة ناعمة لاستغلال شبق الوصول للسلطة لدى أطراف بالمعارضة، في مقابل استخدام مدخل اقتصادي للإخوان يوفر استمرار شبكات التبعية الاقتصادية للاميركي، بغض النظر عن مدى معاناة الانسان المصري في معادلة رأسمالية مجحفة، وهي في رأيي السبب الجوهري لتفجير أي موجة ثورية جديدة في مصر.
ثالثا: أن السيناريو الثاني، يمثل ترجمة حية لسيناريو مرحلة احتراق الجلد السياسي ووصول الأزمة إلى العظام، بما يفرض استغلال العسكر وتشابكات علاقاته مع واشنطن للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الاميركية وفي صدارتها (كامب ديفيد)، أو بما يعني الحفاظ على الثوابت التي أخرجت مصر من دائرة التأثير في المنطقة.
رابعا: أن كلا السيناريوهين المطروحين يعبران عن مأزق أميركي بالغ الصعوبة في نظام حكم بديل للإخوان يلبي طموحات واشنطن في الحفاظ على استقرار مصالحها الاستراتيجية، بعد أن خاب الرهان الاميركي على (الاردوغانيين) الجدد، وتبددت مساعي العامين ونصف العام في الدعم المقنن والممنهج للاخوان في تحسين شروط اعادة الوضع لما قبل الـ25 من يناير.
لا مجال للشك اذن في أن تلك الخطة الاميركية المتطفلة تتجاهل ارادة المصريين وتستهزئ بقدرتهم على تحديد مصيرهم، وتغيب دورهم الحقيقي في تقرير مستقبلهم، ولعل في ذلك ما يرفع درجة الشك في الدور الاميركي الجوهري في ادارة تخبط مرحلة ما بعد الاطاحة بمبارك في شتاء 2011، واستمرار التعاطي مع المصريين على أنهم جثة بلا حراك، وفي ذلك ما يؤجج مشاعر الغضب والعداء الشعبي المصري ضد أميركا وألاعيبها التي سقطت ورقة التوت عن آخر عوراتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 82 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010