الأحد 16 حزيران (يونيو) 2013

عبد العزيز السيد :مرض الجسد وجراح الأمة

الأحد 16 حزيران (يونيو) 2013 par معن بشور

منذ أن جمعتني بعبد العزيز السيد في منتصف السبعينات لقاءات حميمة في مكتب الشهيد ماجد أبو شرار (عضو اللجنة المركزية لحركة فتح)، ثم في اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين (بعد انتخابي كأول عضو غير فلسطيني فيها وذلك في المؤتمر الذي عقده الاتحاد في تونس عام 1977)، بقي أبو إيهاب هو هو... ثابتاً على المبادئ، صلباً كأبناء الخليل التي طالما أعتز بانتمائه إليها، صبوراً كمؤمن، رابط الجأش كأصحاب القضايا العادلة.
كان عبد العزيز السيد يساري الجذور، فتحاوي السيرة، فلسطيني البوصلة، وحدوي التوجه، عروبي الانتماء، مقاوماً في خياراته وثقافته ونهجه، كما كان أيضاً موسوعي الثقافة، واسع الاطلاع، غني الرؤية، حكيم الرأي، عميق الخبرة، فأنشغل وهو في غمرة التزاماته ومهماته بإصدار “الموسوعة الفلسطينية الميسّرة” لكي تكون فلسطين في متناول الأجيال الفلسطينية والعربية الشابة.
بل كان عبد العزيز السيد رجل تواصل بكل ما في الكلمة من معنى، تواصل بين أقطار وأفكار وأجيال، فسعى إلى جمع أحزاب الأمة، كبيرها وصغيرها، قومييها وإسلامييها ويسارييها وليبرالييها في مؤتمر أسسه في منتصف التسعينات مع الشخصية الأردنية البارزة الراحل سليمان عرار، من اجل البحث عن مشتركات يدخل من خلالها إلى مساحات الاختلاف لمحاصرتها بدلاً من السماح باجتياح الخلافات المشتعلة للمشتركات القائمة فتدمرها وتدمر معها أوطاناً ومجتمعات.
وحين رأيته ينكب على جمع ما كتبه الشخصية الفلسطينية التاريخية، ومؤسس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965، الراحل أحمد الشقيري، لينشرها في مجلدات بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، سألته:“عن سبب اهتمامه” أجابني :“أنا لست مع الذين يحاولون تصوير التاريخ وكأنه بدأ معهم وينتهي معهم، بل مع دعوة الجميع أيّاً كانوا إلى ان يدركوا أنهم جزء من تاريخ سبقهم وتاريخ سيتلوهم”.
وقال يومها، رحمه الله، “لقد حاولوا”شيطنة“شخصية هذا القائد الفلسطيني الفذ وتصويره على عكس حقيقته، فشعرت مع ثلة من إخواني بضرورة إعادة الاعتبار له كجزء من تاريخ فلسطين لا يمكن القفز فوقه أو تجاهل عطاءاته”، وأضاف بحسرة :“كم ينقصنا في ثقافتنا السائدة اليوم أن ننصف بعضنا بعضاً بدلاً من أن نقيم أسواراً من الشتائم والإشاعات حول شرفاء وأحرار عرفتهم الأمة ومنحوها حياتهم...”
وعلى مدى العشرين سنة الأخيرة، كان أبو إيهاب –رحمه الله – وجهاً بارزاً في كل تحركات ما نسميه اليوم “بالكتلة التاريخية”، فشارك في كل مؤتمراتها، وساهم في كل ملتقياتها العربية والدولية، وتوّج تحركاته تلك برئاسته للجنة التحضيرية للملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، وهو الملتقى الذي انعقد في الجزائر في خريف 2010، بعد ملتقيات عدة انعقدت في اسطنبول من أجل القدس، وفي دمشق من أجل حق العودة، وفي الخرطوم من أجل وحدة السودان، وفي القنيطرة من أجل الجولان، وفي بيروت من أجل دعم المقاومة العربية، ثم من أجل ملاحقة قانونية لمجرمي الحرب الأمريكية على العراق.
وحين التقينا في بيروت بعد انتصار ثورتي تونس ومصر في مطلع عام 2011 في إطار “المؤتمر العربي العام”، كان أبو إيهاب يصرّ على إطلاق اسم “الثورة العربية الكبرى الثانية” على ما يجري في المنطقة من حراك ولعله كان يسعى إلى التحذير من الأفخاخ الاستعمارية التي نصبت للثورة الأولى، فوعدتها بدولة عربية واحدة فيما كان الوعد الفعلي هو وعد بلفور للصهاينة، وكانت الخارطة العربية محل تقاسم وتقسيم في احد أروقة مجلس العموم البريطاني بين وزير خارجية بريطانية المستر سايكس ووزير خارجية فرنسا المسيو بيكو...
لذلك من حقنا أن نعتقد أن المرض وحده لم يكن كافياً لرحيل أبي إيهاب وهو في عز عطائه، ولكنها أيضاً أوجاع الأمة وجراحها عجلت برحيله، لا سيّما في سوريا، التي سعى أبو إيهاب مع كل المخلصين إلى السعي لوأد الفتنة فيها، و“لدعم الحوار والإصلاح ومناهضة التدخل الأجنبي في سوريا” وقد ترأس من اجل هذه العناوين مبادرة شعبية عربية تضم ممثلي المؤتمرات العربية الثلاث (القومي العربي، القومي/الإسلامي، الأحزاب العربية)، حاولت أطفاء النار المشتعلة في سوريا، ولكن الرياح التي تغذي تلك النار، و“الزيت” الذي يُصب عليها، أقوى من نوايا أبي إيهاب وإخوانه الصادقة والحسنة.
رحم الله أبا إيهاب، رمزاً للتواصل بين أبناء الأمة وأحزابها وتياراتها، وعلماً لفلسطين في ديار العرب، وعلماً للعروبة في قلب فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 71 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010