الأحد 16 حزيران (يونيو) 2013

تشومسكي وسايكس - بيكو

الأحد 16 حزيران (يونيو) 2013 par أمجد عرار

المفكّر الأمريكي ناعوم تشومسكي يتقمّص دور الرجل الذي يحرص على مستقبل العرب أكثر من الكثير من مفكّريهم ومثقفيهم . شكراً له . منذ زمن ليس بالقصير، غابت هذه اللغة السياسية عن الحناجر التي يعتد بها ويسمع لها في عالمنا العربي، إذا استثنينا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وحفنة من الأصوات التي لا تخلو منها حتى أشد ليالي الشعوب حلكة في تاريخها . لكن هذا المفكّر الأمريكي اليهودي يعيد إلى أسماعنا لغة كنا نسمعها أيام الذروة القومية في حقبة الزعيم الراحل جسداً، جمال عبدالناصر .

شكراً لتشومسكي لأنه يصوّب بوصلة الخطاب السياسي العربي بلسان يحمل معنى النداء لنا أن ننظر تحت أقدامنا للحظات لنرى مياهاً مسمومة تتسلل، ونحن لا ندري أو ندري . شكراً له لأنه يبشّرنا ببدء انهيار اتفاقية سايكس - بيكو، ويذكّرنا بأنه لم يكن هناك يوماً من سبب لهذه الحدود داخل الوطن العربي إلا مصالح القوى الاستعمارية، لكنّه يحذّرنا من أن مصير المنطقة يحدده الانقسام الطائفي الحاد على الجبهة الطائفية والمذهبية من جهة، وبين خط المعارضة العلمانية من جهة والقمع والأسلمة من جهة أخرى .

منذ زمن لم نسمع مسؤولاً عربياً ينكش ذاكرتنا ويحييها بحقيقة أن كثيراً مما يجري في بلداننا العربية “سببه الحدود المفروضة من الإمبريالية التي لا علاقة لها بالشعوب، التي تقطع أوصال المجموعات البشرية” . لكن تشومسكي يعود لتذكيرنا بأن هناك تهديداً “إسرائيلياً” لا ينبغي نسيانه أو تعمد تجاهله، ويحذّرنا من نهاية تقسيمية لبعض الدول العربية، إن لم نقل كلها .

مهما يكن من أمر، فإن هناك دائماً مساراً قد يكون غير مرئي بوضوح أو يبدو خافتاً، يتربّص بالخطوط الأخرى التي تحاول حملنا إلى ما يجهله كثيرون منا ويعلمه راسمو المخططات الذين يستنسخون في كل مرحلة اتفاقية “سايكس - بيكو”، مرّة بمشروع الشرق الأوسط الكبير (شمعون بيريز)، ومرة بشرق أوسط جديد، وفوضى خلاقة (كوندوليزا رايس) .

الفوضى بات وجودها واضحاً في أكثر من دولة، لكنها على أية حال لم ولن تكون خلاقة إلا بالمعنى الذي يريده واضعو المصطلح على سبيل التضليل والخداع والتزيين . وبات واضحاً إلا لهواة الهروب إلى الأمام والمكابرين، أن الحراك الذي بدأ سلمياً قبل عامين ونيّف، أصبح اليوم شلالات دماء واشتباكاً ميليشياوياً وتدميراً لكل ما يمت إلى البنى التحتية وحتى التاريخ والتراث والمستقبل بأية صلة .

بما أن “الفوضى الخلاقة” يراد لها أن تكون جسراً إلى “الشرق الأوسط الجديد” الذي يوازي “سايكس - بيكو” جديداً على أساس طائفي، كما يحذّر محمد حسنين هيكل وآخرون، فإن ما بعد الجسر لماّ نصل إليه بعد، وهو يعتمد على نتيجة صراع سياسي الجوهر، برغم كل التضليل الإعلامي .

القوة المقرّرة لمسار الأمور في المرحلة المقبلة ستكون “إسرائيل” التي لا يروق لها ولا ينسجم مع طبيعتها أن تترك الظروف تتشكّل وهي تتفرّج . “إسرائيل” هذه، انظروا إلى ما يجري فيها من تدريبات يومية واستعدادات على قدم وساق لا هدف لها ولا معنى إلا الحرب . في الأساس هي لم تتأخر في شن عدوان مثلما تأخرت هذه المرّة، لكنها تقرع طبول الحرب التي سترسم وجهاً جديداً للمنطقة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2176691

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2176691 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40