الاثنين 17 حزيران (يونيو) 2013

سوريا .. سيناريو كذب عراقي مكرر

بقلم:خميس بن حبيب التوبي
الاثنين 17 حزيران (يونيو) 2013

يبدو أن معركة القصير تركت جراحًا غائرة في جسد معسكر التدخل في الشأن الداخلي السوري بقيادة الولايات المتحدة، ليس بسبب تجرع مرارة الهزيمة وتمكُّن الجيش العربي السوري من القضاء على بيوض الإرهاب، وتعقيم البيئة الحاضنة لها في مدينة القصير، ومنعها من أن تفقس لتشكل ولادة المشروع الصهيو ـ أميركي، وإنما أيضًا بسبب الخبرة الميدانية الكبيرة التي اكتسبها الجيش العربي السوري في حرب العصابات وقدرته على التكيف والمواءمة في الأداء بين الحرب النظامية وحرب العصابات، وكذلك التخطيط الاستراتيجي المبني على قدرة فائقة ومذهلة في جمع المعلومات عن العدو، ومن ثم توجيه الضربة القاصمة له.
ومثل هذا التطور العملياتي والتخطيطي المبهر لا بد وأنه يمثل عامل قلق وصداعًا مزمنًا للعدو الأول وهو كيان الاحتلال الصهيوني الذي عمل طوال ما يزيد على السنتين ولا يزال يعمل ومعه حلفاؤه الغربيون والإقليميون من أجل تدمير الجيش العربي السوري، ومن ثم تدمير سوريا وجعلها خرابًا يبابًا وإخراجها من جميع المعادلات، كما فعلوا من قبل بالعراق وليبيا، والواضح أن المشروع الصهيو ـ أميركي لتفتيت المنطقة وتقسيمها إلى كانتونات طائفية متناحرة يقوم بداية بتدمير الجيوش والمؤسسات العسكرية والأمنية.
فنجاح الجيش العربي السوري في القصير لا بد وأنه قد أعطاه دفعة معنوية وأريحية نوعًا ما للاستعداد لاستعادة بعض المناطق الخاضعة لسيطرة العصابات المسلحة، كما هو حال ريف حلب، حيث تشير الأنباء إلى أن المعركة القادمة هي استعادة ريف حلب.
وبناء على هذه المعطيات، أطلت الولايات المتحدة بكذبة من العيار الثقيل تشبه الكذبة التي ساقها كولن باول وزير الخارجية الأميركي في إدارة بوش “الصغير” بمجلس الأمن عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، وهي أن استخباراتها “الفاشلة” في معرفة حقيقة الأسلحة العراقية، وصلت إلى خلاصة مفادها أن “الجيش السوري استخدم أسلحة كيماوية، بما في ذلك غاز السارين الذي يؤثر على الأعصاب، بنسبة صغيرة ضد المعارضة مرات عدة العام الماضي”، وبالتالي فإن “المعادلة قد تغيرت بالفعل”، وعليه فإن الولايات المتحدة ستقدم أسلحة فتاكة إلى العصابات المسلحة لـ“تجاوز” دمشق ما أسماها الرئيس الأميركي باراك أوباما “الخطوط الحمراء”.
في تقديري أن فبركة الكذبة الأميركية هذه، على الرغم من نفي مسؤولين تابعين للأمم المتحدة مختصين بالأسلحة الكيماوية استخدام الجيش العربي السوري، وتأكيدهم استخدام العصابات المسلحة لها، يريد المعسكر الأميركي من ورائها تحقيق عدة أهداف منها:
أولًا: إن الكذبة الأميركية التي أرادت بها واشنطن خداع الرأي العام الأميركي لتزويد العصابات الإرهابية بالأسلحة الفتاكة، جاءت مباشرة بُعيْد انتهاء مؤتمر “علماء الأمة الإسلامية” الذي عقد بالقاهرة والذي دعا في ختام أعماله إلى “النفير العام” و“الجهاد” في سوريا؛ أي أن الولايات المتحدة تسعى لتوظيف هذا التحول الجديد في المواقف، وبلوغ الفتنة الطائفية ذروتها، في نحر العرب والمسلمين بأيديهم وبمختلف مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم من خلال تزويد العصابات الإرهابية بالأسلحة الفتاكة التي ستمط أمد المواجهة التي سيقسط فيها عشرات الآلاف من الضحايا، فضلًا عن التدمير الهائل الذي سيلحق بالبنى التحتية للدولة السورية، ومن المؤكد أن وراء هذا المخطط التدميري كيان الاحتلال الصهيوني الذي يدعو قادة الحرب فيه ومحللوه العسكريون إلى ترك العرب يتقاتلون ليقتل واحد منهم الآخر، والاكتفاء بالتفرج عليهم، وتوفير العناء والطاقة.
ثانيًا: التشويش على الجيش العربي السوري وقيادته من الاستمرار في استعادة بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين، وخاصة ريف مدينة حلب، لأن نجاح الجيش في هذه المدينة يكون قد وجه لطمة أخرى لمعسكر التدمير وعصاباته، ولم يبقَ أمام هذا الجيش سوى عملية التنظيف لبعض الجيوب الإرهابية، وما يدعو إلى هذا التشويش ورفع حدة النبرة هو الانتفاضة الشعبية التي تشهدها تركيا ضد سياسات رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان الذي سارع إلى محاولة امتصاص غضب المنتفضين، وربما يكون هنا مطلوبًا منه التهدئة ليتمكن من مواصلة دوره لإيصال الأسلحة الفتاكة إلى داخل سوريا، وإدخال الإرهابيين، وذلك لقرب حلب من تركيا.
ثالثًا: وهذا في ضوء الرغبة العارمة في تدمير سوريا دولةً وشعبًا وجيشًا، لا يبدو هدفًا ذا أهمية، وهو البحث عن ورقة تفاوض قوية بيد معسكر التدمير ليفاوض بها في مؤتمر “جنيف 2” بعد أن أحرق الجيش العربي السوري أوراق ذلك المعسكر كاملة على الأرض، وتحديدًا في القصير، وربما يحاول أن يبقي على ورقة حلب، فالعنف الذي يقوده المعسكر الأميركي ضد الشعب السوري الآن ليس هدفه الأساسي أن يكون صاحب الكلمة الطولى في مؤتمر جنيف، وإنما هدفه تدمير سوريا بأي ثمن كان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2177192

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177192 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40