الأربعاء 19 حزيران (يونيو) 2013

قلق النخب في “إسرائيل” وأسئلتها

الأربعاء 19 حزيران (يونيو) 2013 par علي بدوان

بالرغم من الجهود التي تبذل من قبل مختلف الأطراف لإعادة إقلاع عملية التسوية المتوقفة بين الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي» فإن لا علائم في الأفق تشير لإمكانية العودة الحقيقية للعملية السياسية، فالمطبات والسدود التي تعترض مسار العملية السياسية التسووية مازالت قائمة بل وتتزايد يوما بعد يوم بالرغم من الحديث الإعلامي الأميركي المتواتر والمتفائل عقب الزيارات الخمس التي تمت للمنطقة من قبل وزير الخارجية جون كيري. وهنا، نحن لسنا بصدد إعادة الحديث عن العقبات الكبرى التي تعترض مسار قاطرة التسوية، بل بصدد الحديث عن تحولات عميقة تجري داخل الكيان العبري الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، وهي تحولات تلخص إلى حد بعيد عوامل كامنة داخل «إسرائيل» في سياق الأسئلة المصيرية المطروحة على كيان قام بالقوة على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني منذ العام 1948 . المستقبل على المحك فالنخب «الاسرائيلية» الصهيونية تعيش نقاشاً محتدماً يتعلق بالمستقبل وآفاق التحولات الجارية في البيئة الإقليمية وفي العالم ككل. فقد أمسى الحديث عن مستقبل «كيان إسرائيل» عنواناً حاضراً بشكل استثنائي لأول مرة وسط كل مظاهر القوة والبطش والغطرسة التي تمارسها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة. حيث باتت قطاعات من اليهود تعتقد بأن مستقبل «إسرائيل» ومكانها في الشرق الأوسط أصبح على محك التساؤلاتً كما لم يكن لعدة أجيال سبقت، ولسان حالهم يقول : هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة دون تسوية حقيقية مع العرب والفلسطينيين؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟ وهل يمكنها أبدا أن تَعرف السلام ؟. ومن الطبيعي القول إن مرد هذا الانتقال في منحى التفكير المستقبلي عند بعض النخب «الاسرائيلية» الصهيونية، وهي قطاعات تتسع في حضورها ولو بشكل بطيء يوماً إثر يوم،يعود لجملة من الأسباب المنطقية التي فرضت نفسها على أرض الواقع. فالثقة بمستقبل «إسرائيل» مع تمسكها بسياساتها القائمة على مصادرة الحقوق الوطنية للفلسطينيين تتراجع الآن في صفوف قطاعات هامة من الأنتلجنسيا والنخب «الاسرائيلية»، بالرغم من التناقض الظاهري بين قوة آلة «إسرائيل» العسكرية والمخاوف على مستقبلها، ففي حين أن الآلة العسكرية «الإسرائيلية» نفسها أقوى من أي وقت مضى، فان ديناميات التحولات الجارية في المنطقة لجهة ما يجرى في بلداننا من حراكات وهبات وثورات شعبية، ونهوض الشعب الفلسطيني وثباته فوق أرضه جعل من فكرة «إسرائيل» ومستقبلها عرضة للسقوط أكثر من أي وقت مضى منذ خمسينيات القرن الماضي حال بقيت الأمور دون حل بالنسبة لعناوين القضية الفلسطينية. وعليه ليس غريباً أن يقول واحد من غلاة الصهاينة، هو الجنرال شاؤول موفاز قائد حزب كاديما الصهيوني، ورئيس الأركان «الإسرائيلي» أثناء عملية السور الواقي التي جرت ضد الفلسطينيين أثناء حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات «إن الحرب التي تخوضها إسرائيل اليوم أهم لمستقبلها من حرب الاستقلال عام 1948» والذي يعنيه الجنرال شاؤول موفاز بهذه الحرب ما يجري من تصادم بين المشروع الوطني التحرري العادل للشعب الفلسطيني والمشروع الصهيوني. الجنرال موفاز وتأمين الركائز كما ولا يخفي الجنرال شاؤول موفاز قوله إن الحرب ضد الفلسطينيين تعتبر حرب تأمين ركائز «الدولة العبرية الصهيونية» التي تتعرض كما قال ولأول مرة منذ تأسيسها للمخاطر. فالدولة التي قامت على العسكرة من أول يوم في حياتها، أصبحت تعاني من ظواهر مختلفة منها على سبيل المثال تزايد حالات الهروب من الخدمة العسكرية، وهي ظاهرة تشهد تصاعداً في «إسرائيل» بمعدلات غير مسبوقة في مجتمع قام على العسكرة، حتى أن رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» السابق الجنرال غابي اشكنازي قال في خطاب ألقاه في مقر سلاح الجو «الإسرائيلي» في هرتزليا«إن ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية تنهش المجتمع والجيش في إسرائيل». وعاماً بعد عام تتصاعد معدلات القلق داخل المجتمع «الإسرائيلي» فهذا الجنرال (موشيه يعلون) وزير الحرب في حكومة نتانياهو الحالية، والذي امتدح قدرة ما أسماه «الشعب الإسرائيلي» على الصمود في الصراع الدائر مع الفلسطينيين، اضطر في تصريحات علنية إلى الاعتراف بأن قدرة المجتمع «الإسرائيلي» على الصمود محدودة للغاية. إن الإستنتاج الأساسي يقودنا للقول بأن مستقبل الكيان العبري الصهيوني كما يريد متطرفوه أن يبقى كما هو الآن، بات موضع تساؤل على المديات البعيدة نسبياً، في بيئة عالمية متغيرة تشهد كل يوم إرهاصات توالد عالم متعدد الأقطاب، وانحسار النفوذ الأميركي والغربي عن الشرق الأوسط، وفي لحظات يموج بها الشارع العربي وتعلو بها أصوات الناس التي كانت في الماضي نسياً منسياً من قبل حكامها ... ؟ إن «دولة إسرائيل» الصهيونية، وبحكم تكوينها الإثني/القومي، تجد نفسها اليوم أمام تحولات داخلية عميقة من حين لآخر ولو كانت بطيئة في مسارها، تكتسي كل يوم أثواباً جديدة من الحراكات التي تبشر بانحسار المشروع الصهيوني نهاية المطاف، وانسداد الآفاق أمام المشروع الصهيوني الذي بشر به وعمل من أجله تيودور هرتزل وفلاديمير جابتونسكي وديفيد بن غوريون. فإسرائيل المنتعشة بروح الغطرسة وهي في ذروة قوتها وتجبرها وتفوقها وقوتها العسكرية والاقتصادية واحتكارها السلاح النووي، لم تكن قلقة على مستقبلها ومكانتها بقدر ما هي عليه اليوم. حيث تعيش الأوساط الصهيونية ونخبتها الحاكمة وخاصة المؤسسة العسكرية حالة من الأرق والخوف من المستقبل الآتي. وتتصاعد حالة الأرق والخوف مع المتغيرات التي تقع كل يوم بالنسبة لتراجع ميزان الهجرة الاستيطانية التوسعية إلى فلسطين عما كانت عليه بالنسبة لسنوات ماضية، ومع تراجع شعور الانتماء لدى اليهود الجدد الذين أتوا إلى فلسطين في موجات الهجرة الأخيرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق وتنامي ظاهرة التباينات الطبقية والإثنية بينهم، إضافة لتراجع الانشداد العاطفي من قبل يهود العالم تجاه «إسرائيل»، فضلاً عن تحولات الميزان الديمغرافي على أرض فلسطين التاريخية مسنوداً بتواصل الكفاح الوطني الفلسطيني. من هذا المنطلق فإن الزعيم الصهيوني التاريخي ناحوم غولدمان لم تفته مقولة بن غوريون وهو يكتب مقالته التي نشرها في مجلة «الفورين أفيرز» سنة 1975، إذ نبه غولدمان إلى أنه «لا يوجد لإسرائيل مستقبل على المدى الطويل دون تسوية سلمية مع العرب»، واعترف بأن «مطالبة الصهاينة بدولة يهودية، تتعارض بشكل تام مع إمكانية البقاء على المدى البعيد». كما نستذكر رفض ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء اليهودي الأوروبي وصاحب النظرية النسبية عرض دافيد بن غوريون له بأن يكون أول رئيس لـ«إسرائيل» حين إعلانها العام 1948واصفاً هذه الدولة بأنها ستقود يهود العالم إلى الكارثة في نهاية المطاف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165922

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165922 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010