معلوم أن الضغط الأمريكي يسير في اتجاه واحد، أي على الطرف الفلسطيني، طالما أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو يرفض، ليس وقف الاستيطان فحسب، بل يتعمّد هو وحكومته الإعلان عن مشاريع استيطانية جديدة بالتزامن مع كل جولة لكيري، خاصة أن جولاته الخماسية لم تفلح في إقناع “إسرائيل” بتنفيذ أي من استحقاقات التفاوض، أو حتى العمل على ما يسمّى “بوادر حسن النية”، التي تفتقدها “إسرائيل” بكل تأكيد . أما على الطرف الفلسطيني فإن الحديث يتصاعد عن قرب الدخول في المفاوضات تحت مسميات “جسّ النبض” أو كذبة “السلام الاقتصادي” بملياراته الأربعة .
وفي موضوع الأسرى الأمر ليس مختلفاً طالما أن الاحتلال مصمم على مواصلة ظلمه لهم، وإبقاء سيف الاعتقال الإداري مسلطاً على رقاب المئات منهم، حتى إنه تراجع عن تعهداته، كما العادة، عن إطلاق سراح أسرى خاضوا إضرابات مفتوحة عن الطعام، وأوقفوها مقابل وعود كاذبة بإطلاق سراحهم من دون تجديد اعتقالهم، وآخر هؤلاء الأسير سامر البرق .
أن يعقد كيري لقاءً مع نتنياهو يتجاوز الثلاث ساعات يعني أن هناك نقاشات معمقة أو محاولات يائسة لإقناع الأخير بإلقاء الطعم للفلسطينيين حتى يعودوا إلى طاولة التفاوض، وذلك وارد طالما أن المنظور الأمريكي يرى الأمور من منظور الأمن “الإسرائيلي” فقط من دون محاولة فهم وجهة النظر الفلسطينية أو تفهمها، لأن “الشروط” الفلسطينية في حقيقة الأمر هي استحقاقات كان يجب أن تتم منذ زمن، لكن التعنت “الإسرائيلي” والدعم الأمريكي يجعلان “إسرائيل” خارج لعبة منظومة القوانين الدولية وحتى الإنسانية .
بعيداً عن الخوض في التفاصيل، إذا ما تم رؤية الأمور من بعيد يتضح أنه بعد أكثر من عشرين عاماً على انطلاق قطار التسوية، لم يصل إلى محطة إقامة الدولة الفلسطينية، وأن المفاوضات كانت تدور على مدى العقدين الماضيين والسنوات السابقة في حلقة مفرغة، وأنها استخدمت كأداة للتغطية على السياسات “الإسرائيلية” في الأراضي المحتلّة، في ظل سياسة معلنة قوامها الفصل بين ما يجري على طاولة المفاوضات عما يدور على الأرض .
لذلك أضحى الإحباط سيّد الموقف في الأوساط الفلسطينية حتى إن أصواتاً من داخل السلطة ذاتها باتت تدعو الرئيس محمود عباس إلى عدم الدخول في متاهة المفاوضات من جديد، والعودة إلى الشعب الفلسطيني وإطلاق العنان لمقاومته الباسلة وانتزاع الحقوق الفلسطينية من فم الوحش “الإسرائيلي”، طالما أن الحقوق تنتزع ولا تمنح، و”ما يحرث الأرض غير عجولها” .