الاثنين 1 تموز (يوليو) 2013

صحافة العدو: نهاية الدولة القومية العربية...

الاثنين 1 تموز (يوليو) 2013

بينما نغرق في جدال نظري في مسألة إذا كانت توجد قومية يهودية، تجري عملية مهمة في واقع الشرق الأوسط، الدولة القومية العربية، التي كانت الأساس للنظام العربي منذ 1970، بدأت تتشقق وتكاد تختفي في ستة بلدان، والعملية لا تزال مستمرة.

في الأعوام 1945 - 1970 كان الميل السائد هو الوحدة العربية. بدايتها في تأسيس الجامعة العربية، وبعد ذلك انتهجتها مصر في عهد ناصر وسوريا والعراق البعثيان. ميل الوحدة تلقى ضربة شديدة مع تفكك الوحدة المصرية - السورية، التدخّل المصري في اليمن، وبالأساس مع الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة.

وفاة ناصر ترمز إلى الأفول النهائي للوحدة العربية عن مسرح التاريخ. ومحلها حل، بمفاهيم الشرعية والعملية على حد سواء، الدولة القومية. ويدور الحديث عن دولة إقليمية، حدودها قررتها الامبريالية البريطانية، الفرنسية والايطالية تلك الحدود التي شككت بها نزعة الوحدة العربية.

بدأت الدولة الإقليمية الجديدة تطوّر وعيا ماضيا مشتركا لأبنائها، وعيا ثقافيا خاصة وأهدافا جماعية من الحجارة الأساس للدولة القومية الشرقية. في مصر في عهد أنور السادات، في سوريا في عهد حافظ الأسد، في عراق صدام حسين وفي ليبيا معمر القذافي بلغت العملية النضج.

الحدود الاستعمارية أصبحت شرعية، مثلما حصل في إفريقيا أيضا.

ولكن هذا النموذج، ابن 40 سنة آخذ في الانهيار، ضمن أمور أخرى كنتيجة غير مرتقبة لـ «الربيع العربي». والعملية تبرز بشكل خاص في سوريا. نظام بشار الأسد يسيطر اليوم عمليا فقط على نحو نصف الأراضي ويخوض حرب إبادة ضد أولئك الذين يمسكون بالنصف الثاني. ولكن هذه تتكوّن من ستة أو سبعة جيوب سنية وجيب كردي وجيب درزي. «الجيش السوري الحر» الذي يفترض أن يوحد الجيوب، ليس سوى وهم؛ «الائتلاف الوطني» الذي يتخذ من اسطنبول مقرا له ويدعي الحديث باسم هذه الجيوب، ليس له أي تأثير على ما يجري على الأرض. بعد أكثر من سنتين من اندلاع الثورة ضد الحكم المركزي وبعد تسعين ألف قتيل، لا تبدو نهاية للحرب. «الأسد سيسقط في غضون بضعة أسابيع»، أعلن ايهود باراك في آذار/مارس 2011، ولكن الأسد لا يزال حيا ويذبح رعاياه. ومثلما تفيد التجربة التاريخية، فان الحروب الأهلية – في الولايات المتحدة، في اسبانيا، في الكونغو وفي يوغسلافيا تميل لان تكون طويلة ووحشية على نحو خاص.

في العراق بدأت عملية التفتت بعد سقوط صدام ونالت الزخم مع الانسحاب الأميركي. فالدولة تنقسم عمليا الى ذات المقاطعات الإقليمية العثمانية الثلاث، التي وحدها البريطانيون بشكل مصطنع في نهاية الحرب العالمية الأولى. فالشمال الكردي هو عمليا إقليم حكم ذاتي، ويتمتع بذخائر نفطية ورعاية تركية، الجنوب الشيعي، هو كل ما تسيطر عليه حكومة نوري المالكي بشكل مباشر، أما المنطقة المركزية، السنية في معظمها، من بغداد حتى الموصل، فقد أصبحت فريسة لحرب عصابات وحشية تديرها ميليشيات سنية تسعى إلى الإبقاء على بعض من الهيمنة التي تمتعت بها هذه الطائفة منذ قام العراق المستقل. تقاتلها قوات الحكم المركزي، التي تتحكم بها الأغلبية الشيعية في الدولة.

عملية مشابهة تجري في ليبيا، ثلاث مقاطعات وحدها الحكام الاستعماريون الايطاليون تبدأ بالانفصال. كرينايكا، حيث اندلعت الانتفاضة ضد القذافي، أعلنت عن نفسها قبل أكثر من شهر إقليم حكم ذاتي. أما طرابلس، حيث يستقر الحكم المركزي بعد سقوط القذافي، وكذا في إقليم بازان، تعربد ميليشيات قبلية في الغالب، ولكل واحدة منها يوجد احتكار على العنف في أرضها الصغيرة. الاحتكار، حسب التعريف المعروف لماكس فايبر، هو الميزة للسيادة.

وماذا عن لبنان، الذي كان وجوده كدولة قومية هزيلا دوما، منذ فصل عن سوريا الكبرى (أو الشام العثمانية)؟ في هذه الدولة، التي أوجدها الحكم الفرنسي بضغط المسيحيين المارونيين، بدأ التفتت منذ الثمانينيات، عندما انتقل الجنوب الى حزب الله. وعلى كل ما تبقى تخيّم مظلة حكم مركزي واهن، منذ نهاية الحرب الأهلية قبل 23 سنة. أما الآن، عندما بدأت الحرب الأهلية السورية تنتقل إلى شمال لبنان، في شكل اضطرابات طائفية بين طرابلس وبعلبك، فان هذه المظلة أيضاً تبدو مثقبة، ولاسيّما منذ تدخل عصابات حزب الله الى جانب قوات الأسد.

اليمن والصومال كفا عن أن يكونا دولتين تؤديان مهامهما، وهما تصنفان من قبل الأمم المتحدة «دولا فاشلة». عاصمتاهما لا تزالان في أيدي الحكام الرسميين، ولكن ميليشيات متنوعة أيديولوجيا تسيطر في أراضيهما. كل واحدة من الميليشيات، مثلما في العراق المركزي، تجبي الضرائب، تجند الجنود، تقيم المحاكم وتدير الاقتصاد المحلي. بتعبير آخر، هي سيادية.

وللمقارنة، فانه بالذات في الدولتين اللتين اندلع فيهما الربيع العربي وأدى إلى تغيير النظام بالطرق السلمية، تسيطر ليس فقط نظريا، بل وعمليا في كل أراضيها تقريبا. كل هذا، ضمن أمور أخرى بسبب الانسجام الديني والعرقي فيهما. ومع ذلك، في كلتيهما أيضا توجد مناطق فوضوية شبه جزيرة سيناء وجنوب تونس ويوجد فيهما هياج داخلي ضد النظام، ولكن وحدتهما الإقليمية وسيادتهما ليستا في خطر.

نظام جديد، نظام فوضى في ميل مركزي، يتشكل في الشرق الأوسط. ويطرح الأمر تحديا غير بسيط لإسرائيل. رأينا هذا في بداية حزيران/ يونيو، في اليوم الذي سيطرت فيه قوات الثوار على القنيطرة. لو لم يطردها الجيش النظامي، ولو كانت أقامت هناك فرعا لجيش الثوار لعدنا إلى الوضع الإشكالي الذي كان قائما على الحدود اللبنانية في منتصف السبعينيات بيننا وبين «فتح».

ما العمل بجيوب أخرى على حدود الجولان. وماذا، لا سمح الله، إذا ما ظهرت جيوب كهذه على الحدود مع الأردن؟ ورغم ذلك، فمن شدة الانشغال بمفاجأة 1973 يميل الناس إلى النسيان، بأن حرب الأيام الستة هي الأخرى جاءت علينا مفاجأة. فهل توقعتها شعبة الاستخبارات العسكرية؟ سبقها عدم اكتراث ما على مدى نحو 5 - 6 سنوات، والتفكير بان الوضع الراهن سيستمر بالضرورة، سوريا كانت تحديا أحيانا، ولكن بشكل عام «الحرب الباردة العربية»، كتعبير ناجح صدر عن مالكولم كار، التي سادت منذ تفكيك الوحدة المصرية - السورية، والتدخل العسكري المصري في اليمن أدت إلى عدم اكتراث في السياسة الإسرائيلية، فما بالك لأن الحدود الأردنية كانت هادئة جدا، باستثناء عملية السموع في تشرين الثاني/ نوفمبر 1966. المفاجأة، التي تتشكل من انتفاضة ثالثة في المناطق وأعمال عدائية على الحدود اللبنانية والسورية من قبل جيوب الحكم الذاتي (ربما السلفي) هي أيضا مثابة إمكانية يجب أخذها بالحسبان. طوبى للإنسان الخائف دوما.

- عمانويل سيفان “هآرتس”



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع عن العدو  متابعة نشاط الموقع عين على العدو   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010