الأربعاء 10 تموز (يوليو) 2013

هي قضية الاستقلال الوطني

الأربعاء 10 تموز (يوليو) 2013 par عاطف الغمري

ربما توحي ملامح الأزمة الراهنة في مصر، وكأنها أزمة سياسية، أو خلاف بين قوى متعارضة سياسياً . هذا هو الوجه الظاهر على السطح، لعيون البعض، بينما النظرة إلى عمق الحالة المصرية، بعد مرور عام على حكم الإخوان، تظهر أن القضية وصلت إلى ما هو أبعد مدى من ذلك، وصولاً إلى معنى الاستقلال الوطني للدولة .

إن مصر تتعرض لمحنة تمتد خيوطها إلى غياب مفهوم الوطن عندهم، وهو ما اعترف به قادتهم في تصريحات معلنة، زلت بها ألسنة البعض منهم أحياناً . وهو المفهوم الذي تضاءل وجوده في تفكيرهم، وتاه وسط ضباب من تصورات خارجة عن الزمن الذي يفترض أنهم يعيشون فيه . وهي تصورات يتخيلون بها رسماً عن دولة، تنسلخ عن الوجود التاريخي والإنساني والحضاري للوطن مصر . بما يبرهن على أنهم لا يعرفون قدر مصر، فهل كتب علينا أن نرجع بعجلة الزمن إلى الوراء، لكي نتحدث عن الاستقلال الوطني لمصر، وكأنه مقدر علينا تصحيح إعوجاج عارض حدث في حركة التاريخ .

إن معارك الاستقلال الوطني التي تجسد هوية الوطن التي خاضتها الأمم والشعوب، تبقى في وجدانها أنصع الصفحات المجيدة في تاريخها، والتي تظل أحداثها أعياداً تزهو بها الشعوب، وتتجدد في ذاكرتها فخراً واعتزازاً .

ثم يأتي من يمس هذه المعاني للاستقلال الوطني، ومعنى المواطنة، والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، ويجسد لنا صوراً مستنسخة من عصور ما قبل الاستقلال، بتصريحات نابعة من إنكار لفكرة الوطن، والانكفاء عقلاً داخل كهف، انغلق تفكير المجتمعين فيه على معنى لا يرون سواه، وهو في يقينهم أن الجماعة هي الوطن، وأن ما عداهم من الآخرين، هم خارج الحدود المقدسة لوطنهم المتخيل ( الجماعة) . وهم الذين ثبت من التجربة العملية نقص كفاءتهم الإدارية والسياسية، وأنهم مدربون على السمع والطاعة، بعد أن صودرت فيهم نزعة إعمال العقل، والتفكير النابع من ذواتهم .

لقد غاب عنهم أن الحركة الوطنية كانت لها على طول التاريخ أهداف ثابتة، محورها الاستقلال الوطني، والحكم الدستوري، والعدالة الاجتماعية . فهل تحقق على أيديهم شيء من هذا؟ أم إنها كانت جميعها شعارات أطلقت لتخفي وراءها خطط التمكين للجماعة من الوطن، بفكرها ومفاهيمها .

إن الوطن له مكانته في الإسلام . الإسلام لا يلغي فكرة الوطن القومي، فهو يعترف بكل الأجناس . فالوطن في الإسلام يضم أجناساً وألواناً من الناس وتدلل على ذلك الآية الكريمة “يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم” .

ثم إن الوطن في الإسلام ليس مجرد بقعة من الأرض، لكن فكرة تشكلت في العقل والوجدان، وتقوم على حاجة الإنسان إلى المكان والانتماء إليه، والارتباط به .

لقد كان الوطن في مرمى ضرباتهم . فهم الذين مزقوا وحدة أبنائه، حسب مقولاتهم عن: نحن وهم . . والتحدث عمن يعارضونهم، بتصنيفهم كفاراً وعملاء وفلولاً . وأعداء للثورة . . الثورة التي اختطفوها من شعبها، ومن الشباب الذين أطلقوا شرارتها، وكان جزاؤهم ملاحقتهم بالاعتداءات، وبالسجون .

حتى الحدود التي تصون الوطن وتحميه، استبيحت، بترك الأنفاق المفتوحة يتسلل منها أنصارهم من فروع الجماعة من حماس، جيئة وذهاباً . في إضرار خطر بالأمن القومي لمصر .

وعلى جانب مصر من هذه الحدود، توافد الغرباء من جنسيات مختلفة، يجمعهم فكر واحد، أعلنوه صراحة، وهو تكفير الدولة، ومؤسساتها، وشعبها، وجيشها، وطموحهم في اقتطاع جزء من أرض مصر في سيناء ليقيموا عليه ما أسموه إمارة إسلامية .

إن الإيمان بفكرة الوطن، ليس مجرد عبارات براقة، أو شعارات وهتافات، لأن ما يبرهن على جديتها وصدقها، وجود مشروع قومي واضح محدد لبناء الدولة، وتحصينها من أي تحديات وأخطار من الداخل والخارج .

ومنذ اليوم الأول لتوليهم الحكم، لم يظهر لهم أي مشروع لبناء الدولة وحل مشكلاتها، والنهوض بها، باستثناء مشروع طائفي الملامح، وخطط للتمكين من الدولة، ونشر كوادرهم في مفاصلها، حتى لو كانت تنقصهم الكفاءة وهو ما ينتج عنه تدهور في جميع قطاعات الإنتاج، والحياة المعيشية .

وكان إقصاؤهم، لأصحاب الكفاءة القادرين على النهوض بالدولة، والتعامل مع الأزمات، والتحديات للأمن القومي، هو تعبير عن عقيدتهم بأن من ليس من جماعتهم، هو خارج وطنهم (الجماعة) .

ولما كانت الهوية الوطنية، يكملها الانتماء القومي العربي، فقد تتابعت تصرفاتهم وتصريحاتهم الخالية من الحس السياسي التي أساءت إلى العلاقة مع كل الدول العربية تقريباً . لقد أديرت الأمور في مصر، بطريقة ابتعدت عن الوطن، ومصالحه، وتقدمه، وازدهاره، وتلاشي المعايير الحقيقية للاستقلال الوطني، والعدالة الاجتماعية، وهي طريقة تغيب عمن يمارسها فكرة الهوية الوطنية، حتى لقد أصبحت المشكلة هي خلافاً بين من يرون ما يجري مساساً بالاستقلال الوطني لمصر، وبين من يتلاشى في تفكيرهم معنى الوطن ذاته .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165950

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165950 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010