الأربعاء 10 تموز (يوليو) 2013

فلسطينيو لبنان وزيارة عباس

الأربعاء 10 تموز (يوليو) 2013 par علي بدوان

جاءت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة اللبنانية هذه المرة والملف الفلسطيني في لبنان مُثقلا بالتعقيدات الإضافية بعد النزوح الكبير لنحو خمسين ألفاً من فلسطينيي سوريا إلى لبنان في ظل الأحداث الساخنة التي تمر بها سوريا، والتي كانت مناطق التواجد الفلسطيني جزءاً من ميدانها ومسرحها العسكري خصوصاً بالنسبة لمخيم اليرموك الواقع إلى الجنوب من مدينة دمشق، وهو أكبر التجمعات الفلسطينية في الشتات على الإطلاق.

فلسطينيو سوريا في لبنان
زيارة الرئيس محمود عباس هذه المرة ليست كسابقتها، فجدول الأعمال الذي ساد فعاليات الزيارة كان مُتخماً على حد تعبير بعض الإخوة الفلسطينيين من سوريا الذين التحقوا وشاركوا في عضوية الوفد الفلسطيني، فبالإضافة لمناقشة الوضع السياسي العام، وأوضاع فلسطينيي لبنان المُعقّدة أصلاً والتي لاتزال على حالها تقريباً دون حلحلة تُذكر، كان هناك العنوان المتعلق بفلسطينيي سوريا الذين لم يَعُد بإمكانهم الخروج من سوريا إلا باتجاه لبنان فقط بعد منع الأردن بالأصل من قدوم أي فلسطيني يحمل الوثيقة السورية أو اللبنانية باتجاه أراضيها.
فأعداد اللاجئين الفلسطينيين من سوريا الذين وصلوا إلى الأردن منذ بداية الأزمة السورية لا تتجاوز (143) شخصاً جرى احتجازهم في مبنى (سايبر سيتي) في مدينة الرمثا. كما أن زيارة الرئيس محمود عباس إلى بيروت كانت في غاية الأهمية، نظراً للمواضيع الحساسة التي بُحثت بها بعد الأحداث والاضطرابات الأمنية الأخيرة التي وقعت في مدينتي صيدا وطرابلس في لبنان والتي حاول البعض من خلالها دفع عددٍ من الشبان الفلسطينيين من فلسطينيي سوريا ولبنان للانخراط بها، وجر المخيمات الفلسطينية ومنها مخيم عين الحلوة الواقع بجوار مدينة صيدا إلى هذه اللعبة الجهنمية التي لو قُيضَ لها أن تنجح لجرت الويلات من جديد على أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان.
وقد يكون الاهتمام الإعلامي العربي بشكل عام بزيارة الرئيس محمود عباس إلى بيروت قد ضاع في زحمة الحدث المصري الذي استجلب اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية على نحو استثنائي، إلا أن الاهتمام اللبناني بالزيارة كان استثنائياً، فلأول مرة يعزف النشيد الوطني الفلسطيني داخل حدائق القصر الرئاسي في بيروت وهو أمر يحمل مدلولات ذات أهمية بالنسبة لمسار العلاقات (الفلسطينية ـــ اللبنانية) التي لاتزال تشهد نوعاً من التضارب في الرؤية حيال القضايا اليومية والحياتية للاجئين الفلسطينيين في لبنان بالرغم من الحديث الإيجابي العام عن العلاقات الرسمية المشتركة بين الطرفين الرسميين الفلسطيني واللبناني خصوصاً منذ أن تَحَوّل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية إلى سفارة رسمية لدولة فلسطين، وهو المكتب الذي كان قد أُغلق منذ خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت أواخر صيف عام 1982 وإلى عام 1995 تقريباً.
ويمكن القول إنه في الجانب المتعلق بفلسطينيي سوريا اللاجئين إلى لبنان، فقد اتخذت الحكومة اللبنانية خطوات إيجابية على صعيد تسهيل دخولهم إلى لبنان ومنحهم إقامات مؤقتة إلى حين هدوء الأحوال في سوريا وعود الصحة والعافية للمخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا والتي تم تهجير أعداد كبيرة من سكانها. فيما تولت وكالة (الأونروا) تقديم خدماتها ورعايتها لهم مع بعض الخدمات التي تقدمها منظمة التحرير الفلسطينية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي.
ومن المعروف أن الجهات الرسمية اللبنانية تدرك أن خيارات فلسطينيي سوريا تميل لتفضيل العودة لسوريا لأكثر من اعتبار، منها أن ظروف حياتهم وإقامتهم في سوريا لا تقاس بلبنان من حيث الحقوق والواجبات ومن حيث قضايا العمل في مختلف مناحي الحياة بما فيها الوظائف الحكومية والحياة اليومية والعيش، وبالتالي فإن مصادر القرار اللبناني تدرك تماماً أن وجود فلسطينيي سوريا في لبنان حال طارئة لايمكن لها أن تدوم، بل ستشهد عودة سريعة لهؤلاء الفلسطينيين إلى سوريا حال استقرت الأوضاع الأمنية.

فلسطينيو لبنان والتشريعات الظالمة
أما حين نتحدث عن القضايا المتعلقة بفلسطينيي لبنان، فلديهم هموم وواقع صعب ومرير وظروف قاسية يعيشون تحت وطأتها منذ سنوات طويلة طويلة، والمقصود بها حالة الفاقة والحرمان التي مازالت تخيم على أوضاعهم، واستمرار القوانين والتشريعات اللبنانية بتجاهل حالهم بالرغم من الحديث الللفظي الإيجابي الذي يظهر بين فينة وفينة من قبل هذا المسؤول اللبناني أو ذاك أو من قبل هذا الحزب أو ذاك حول أوضاع فلسطينيي لبنان وضرورة منحهم الحقوق الغائبة عنهم. إن المتتبع لأحوال فلسطينيي لبنان، يُدرك أن أحوالهم هي الأسوأ من بين أحوال فلسطينيي الشتات بالنسبة لمستويات الحياة المعيشية وظروفها، ولحالة العُسر الشديد التي تعانيها معظم العائلات الفلسطينية في لبنان. لنا في هذا المجال شاهدٌ كبير نقرؤه من تقارير وكالة (الأونروا) التي أكدت على تفاقم نسبة الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها السلبية على الوضع التربوي والصحي والنفسي والأمني للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
فحسب التقارير إياها فإن نحو (45%) من عائلات اللاجئين الفلسطينيين يَقِلُ دخلها الشهري عن (200) دولار. وقد أشارت دراسة ميدانية أعدتها وكالة (الأونروا) بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت في فبراير 2011 وبتمويل من الاتحاد الأوروبي أن الأوضاع الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان آخذة في التردي، فنحو (66%) منهم فقراء، ونحو (66%) من مساكن اللاجئين في المخيمات تعاني مشاكل صحية تفوق كل الخطوط، ونسبة البطالة وصلت الى نحو (56%)، أما نسبة من يعانون من فقدان حاد للأمن الغذائي، ويحتاجون إلى مساعدة غذائية ملحّة فتصل نسبتهم الى نحو (15%) ومن يعانون من فقدان الأمن الغذائي إلى حد ما تصل نسبتهم إلى (63%). وفي هذا السياق، فإن المطلوب تفعيل لجنة الحوار الثنائية (اللبنانية - الفلسطينية) المُشكّلة منذ عدة أعوام للنظر بتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطنيين، وكذلك لتحقيق المزيد من التنسيق المشترك على مستوياته المختلفة خاصة الأمني منها، فالمخيمات الفلسطينية في لبنان ليست جزراً أمنية وليست عصية على الدولة اللبنانية حين تقرر مد سيطرتها الأمنية عليها، وهو أمرٌ كانت جميع القوى الفلسطينية قد أبلغت الحكومة اللبنانية به منذ عام 1993م.
وخلاصة القول، نتمنى أن يكون الرئيس محمود عباس قد دَخَلَ في عمق الحالة الفلسطينية في لبنان أثناء لقاءاته اللبنانية، فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان وفي إقامتهم المؤقتة، يريدون حياة حرة وكريمة في إطار احترام النظام والقانون، فالفلسطينيون تعلموا من تجاربهم المريرة وليسوا بحاجة لتجارب جديدة مؤلمة، فهم الآن يرفضون وبإجماع كل القوى زج أي طرف منهم في آتون الصراعات الداخلية اللبنانية، ويرفضون في الوقت نفسه كل المقولات التي تروجها بعض الأطراف اللبنانية الموتورة عن أوضاع المخيمات الفلسطينية باعتبارها جزراً أمنية منفلتة عن سلطة الدولة اللبنانية، ويريدون في الوقت نفسه رفع الظلم والإجحاف الواقع فوق رؤوسهم نتيجة التشريعات اللبنانية المتقادمة والظالمة منذ عام 1948 والمتعلقة بالوجود الفلسطيني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2178297

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178297 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40