الاثنين 15 تموز (يوليو) 2013

حيرة واشنطن

الاثنين 15 تموز (يوليو) 2013 par محمود الريماوي

إذا كان الحدث المصري منذ نحو اسبوعين قد أربك الرأي العام المصري، ومعه الشارع العربي والإسلامي في المشرق والمغرب، فإن مراكز القرار الدولية لم تكن أقل إرباكاً في استقبالها لحدث عزل الدكتور محمد مرسي، وتنصيب رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور مؤقتاً في مركز الرئاسة .

من تابع ردود الفعل الأمريكية وتقلباتها على هذا التطور، تبدى له أنه بإزاء تعليقات متضاربة لمعلقين سياسيين متعددي الرؤى، وليس أمام مؤسسات راسخة لدولة عظمى . من المفهوم أن يكون هناك تريث في اتخاذ موقف إلى أن تنجلي الأمور، لكن من غير المفهوم تراوح الموقف الرسمي بين أن الشعب (المصري) قال كلمته، وبين أن الادارة بحاجة لمزيد من الوقت لتشخيص ما اذا كان قد جرى انقلاب أم لا، ثم الانتقال من ذلك إلى طلب الافراج عن الدكتور مرسي، علماً بأنه في حال تحفظ عليه، ولا يخضع لتوقيف أو اعتقال .

من المعلوم أن اعتبار ما جرى انقلاباً استناداً إلى التعطيل المؤقت للدستور وهو ما استند اليه الاتحاد الافريقي في تجميد عضوية مصر في الاتحاد، سيكون له انعكاساته على “المساعدات” الأمريكية السنوية لمصر والتي تبلغ نحو مليار ونصف المليار دولار . لكن شيئاً من ذلك لم يحدث وليس مرشحاً للحدوث قريباً، إذ تحدث ناطقون أمريكيون عن المضي قدماً في تسليم طائرات “إف 16” لسلاح الجو المصري في أغسطس/آب المقبل، علماً أن نحو نصف قيمة المساعدات لمصر تذهب لأغراض عسكرية .

موقف الحيرة الذي اكتنف واشنطن يستند إلى حرص صانعي القرارات على رصد انعكاس التطورات على المصالح الأمريكية . هذه المصالح تتحدد أولاً في تقييم الحدث الجديد كما الحدث السابق بصعود مرسي إلى سدة الرئاسة، في ضوء الموقف من معاهدة كامب ديفيد والعلاقة المصرية الرسمية مع تل أبيب، التي لم تتأثر كثيراً خلال السنة التي أمضاها مرسي في الحكم، لكن مناخاً مناوئاً لتل ابيب شاع في الشارع المصري، وجرى خلاله تقارب ملحوظ مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة . في تلك الأثناء راهن المسؤولون في واشنطن على استيعاب الحركة الاسلامية في مصر، وانطلاقاً من مصر، الحركة الاسلامية في العالم العربي بالحد من راديكاليتها، وقد فوجئت واشنطن بالتطورات المتسارعة، بعد أن كانت قطعت شوطاً في تطبيع العلاقات مع الحركة الاسلامية ممثلة على الخصوص بجماعة الإخوان المسلمين .

التردد الأمريكي يعود في أحد جوانبه للخشية من عودة “الإخوان” إلى مربع المعارضة، معارضة النظام المصري قيد التبلور ومعارضة علاقات مصر الدولية وبالذات مع واشنطن التي لا شك في أنها تلقت مفاجأة اخرى بنشوء حملة واسعة في الشارع المصري، من أجل رفد الخزينة العامة من أموال المصريين في الداخل والخارج، بمبلغ يزيد على حجم المعونات الأمريكية وقد لاقت هذه الظاهرة تجاوباً كبيرا، وهي تشكل علامة فارقة في نمو الوعي الوطني والسياسي في مصر، وقد تنادى إليها شخصيات مستقلة لا تحمل بالضرورة ومسبقاً عقيدة عدائية للولايات المتحدة . .

في تلك الأثناء كانت جماعات جهادية تنشط في سيناء لمناوأة العهد الجديد، وقد صعدت نشاطها مع الأيام الأولى لعزل مرسي، مما يدلل على ارتباط ما بين هذه الجماعات وجماعة “الإخوان”، وبما يدلل على أن الجماعة الأخيرة لا تنتهج نهجاً سلمياً وانتخابياً فقط . من المفارقات أن عهد مرسي لم يخل للإنصاف من محاربة هذه الجماعات في سيناء التي تحتفظ بغموض هويتها وأهدافها السياسية، غير انه من الواضح في ضوء تطورات الأسبوعين الماضيين، أنها باتت لاعباً من جهة، وورقة من جهة اخرى بيد الإخوان، حتى لو لم تكن هناك ارتباطات تنظيمية بين الجانبين . اشتباك المصالح جعل الاحتلال يسمح لطائرات مصرية بعبور أجواء قطاع غزة لأول مرة، اضافة إلى تحركات عسكرية مصرية في سيناء لا تجيزها معاهدة كامب ديفيد، ولا شك في أن هذه القيود المهينة التي تتضمنها المعاهدة تستحق بدورها حملة شعبية مصرية لكسرها، أسوة بحملة بدء الاستغناء العملي عن المعونات الأمريكية .

بهذا يتبدى أن المصالح الأمريكية مازالت مضمونة سواء في عهد مرسي، أم في العهد الجديد قيد التبلور، وهو ما يفسر الموقف الأمريكي الحائر الذي ناوأ الاعتقالات التي طاولت قيادات إخوانية، وصولاً للمطالبة بإطلاق سراح الدكتور مرسي، وهي مطالب لا تستحق من حيث المبدأ أن تلقى اعتراضا، إذا كان الهدف إشراك جميع المكونات السياسية والاجتماعية في إدارة دفة الحكم، وتوفير مناخ ملائم لذلك، وإبعاد شبح النزاع الأهلي واسع النطاق وهو ما يتحدث به مسؤولو العهد الجديد . .

يدرك المرء أن التصريحات ليست المعيار الوحيد لرصد المواقف السياسية، بل إنها أحياناً لا تصلح أن تُعتمد كمعيار للحكم، إذ إن الفيصل يكمن في الممارسات والاجراءات والتدابير المتخذة، فواشنطن تواصل تحركاتها في القاهرة مع الفرقاء المصريين، فيما تتوارد أنباء عن تحرك قطع عسكرية أمريكية نحو البحر الاحمر، بينما يبقى الأمل كبيراً أن ينجح الرأي العام المصري في فرض رؤيته بأهمية اعادة صياغة العلاقات المصرية - الأمريكية، بما يضمن الاستقلالية للقرار المصري، وهنا “مربط الفرس” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177196

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177196 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40