الخميس 18 تموز (يوليو) 2013

ولماذا لا نصوم عن الكهرباء أيضاً؟!

الخميس 18 تموز (يوليو) 2013 par معن بشور

سألت صديقاً، هو من أبرز العاملين في مجال العمل التطوعي عبر الدفاع المدني:“كيف تمضون أيام رمضان المبارك هذه الأيام”، أجابني ضاحكاً: “إننا نمضي هذه الأيام في إخراج الناس من المصاعد العالقة بسبب الانقطاع العشوائي في التيار الكهربائي”.
واستطرد صديقي ساخراً: “لم يعد يهم الناس عدد ساعات التقنين يومياً... فقد كاد النور يغيب عن موطن”الإشعاع“معظم ساعات النهار والليل، بل بات همّ الناس محصوراً في أن ينتظم التوقيت فيعرف الناس متى تمنُّ عليهم مؤسسة كهرباء لبنان بالكهرباء، فينظموا برامجهم وفق تلك المواعيد... فلا يصبح استخدامهم للمصعد مثلاً نوعاً من”المغامرة“غير المحسوبة، حسب تعابير هذه الأيام. ناهيك عن استخداماتهم الاخرى للطاقة الكهربائية”
لمحت في صديقي، وفي عينيه الواسعتين خصوصاً، حزناً عميقاً لم ألمحه حتى في أصعب أيام الحروب في لبنان وعليه، حين كان يعود مع رفاقه من مهمات الإسعاف والإنقاذ وإخلاء الجثث وإطفاء الحرائق... فالحزن يومها كان على فقدان الناس الطيبين من ضحايا الحرب... أما الحزن اليوم فهو على فقدان بلد بأكمله، يعجز حتى عن حلّ أزمة الكهرباء فيه، رغم أكثر من عشرين عاماً، ورغم المليارات من الدولارات التي تتكدّس ديوناً وفوائد على الخزينة اللبنانية وكاهل المواطنين....
وقال صديقي بحرقة: لا أريد هنا أن أحمّل جهة بعينها المسؤولية عن هذا الفشل المتمادي، لأن جميع من تعاقب على الحكم مسؤول، بل أن المسؤولية تبدأ منذ أن جرى “اغتيال” مشروع وزير الطاقة الراحل جورج افرام لحل مشكلة الكهرباء، فانتصرت يومها عمولة “إيطالية” على كفاءة “ألمانية” لم يستطع وزير بمكانة جورج افرام أن يوجد لها طريقاً سالكة وسط ألغام مزروعة من العمولات والسمسرات والصفقات، ورغم روائحها التي تزكم أنوف اللبنانيين منذ مطلع التسعينات.
صديقي، (وهو من الذين امتزج دمهم وعرقهم بأرض الطريق الجديدة، منذ أن توزعت في جسمه شظايا الغارة الصهيونية على المدينة الرياضية في اليوم الأول للغزو الصهيوني على لبنان في 4 حزيران 1982، وكان يتحرك لإسعاف الجرحى آنذاك، حتى مشاركته في كمّ لا يحصى في توفير خدمات إنسانية وصحية واجتماعية لأبناء المحلة البيروتية المجاهدة) ، سألني هو هذه المرّة: ألا يحتاج الناس إلى تفسير مقنع لهذه الأزمة المتمادية والمستمرة في الكهرباء؟ هل يمكن أن يعاني الناس كل ما يعانونه ولا تخرج عليهم مؤسسة من مؤسسات المحاسبة أو المراقبة في الدولة لتعلن عن مسؤولية شخص أو جهة وتدعو إلى محاسبتها؟
وأستطرد صديقي متساءلاً“أليس بالإمكان أن يقف مسؤول يصارح الناس، بدون نكد أو نكاية أو تصفية حساب سياسي، عن سبب استمرار هذه الأزمة رغم كل المحاولات التي دفعوا المليارات بسببها، وآخرها الباخرة فاطمة غول التركية التي يسخر الناس من وجودها قائلين: استأجرنا فاطمة غول لتزودنا بالتيار الكهربائي ، فإذا بنا نحن الذين نزودها بالتيار، ثم ألا يحق الناس أن يشيروا بالتساؤل المريب: كيف اجتمعت في” “مساعي” تأجير السفينة التركية جهات بينها علاقات “مكهربة” في السياسة".
هنا توقف صديقي عن الكلام المباح... لأنه أحس أنه تجاوز الحدود التي لا يسمح لنفسه عادة أن يتجاوزها... ثم تلفت إليّ قائلاً بمرارة لا تخلو من سخرية:
لماذا نتذمر من انقطاع الكهرباء، ونحن في شهر رمضان الفضيل الذي نصوم فيه عن الطعام والشراب... فلماذا لا نصوم عن الكهرباء أيضاً... ألم يعش أجدادنا وآباؤنا أكثر من 14 قرناً تقريباً دون كهرباء... فلماذا لا نتمسك “بتراث” الآباء والأجداد قبل أن يفسد علينا حياتنا ذلك المخترع “الإمبريالي” أديسون...“أجبت صديقي ساخراً أيضاً وأنا أنهي معه تلك”الثرثرة“في أمسية رمضانية معتمة...”لو يسمع المسؤولون اليوم هذه الحجّة المدوّية، لربما لجأوا إليها بعد أن سقطت من أيديهم كل الحجج..."
وختمت حديثي قائلاً: لماذا لا يخرج الناس جميعاً، من كل ناحية أو بيئة أو تيار، شاهرين أصواتهم بوجه المسؤولين... مستعيضين عن ظلمة انقطاع الكهرباء بنور التواصل والوحدة بين اللبنانيين... الذين باتوا الشعب الوحيد في العالم الذي استوى عنده بؤس الحرب وبؤس السلم معاً، بل فاق بؤس السلم بؤس الحرب، لأنه في الحرب يأمل الناس بتحسن الاوضاع مع انتهائها، أما مع بؤس السلم فماذا يأملون؟
ألا يكفينا ضحكاً على ذقون اللبنانيين، نتبادل الشتائم على شاشات التلفزة، ونتقاسم المغانم في صفقات تشمل البرّ والجو والبحر... وما أدراك ما البحر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010