السبت 20 تموز (يوليو) 2013

مستقبل العرب

السبت 20 تموز (يوليو) 2013 par نسيم الخوري

في منتصف ال،2007 طلب عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربيّة من الدول العربية، وفي إطار تعديل ميثاق الجامعة، تقديم ورقة استراتيجية بهدف إنشاء مجلس للأمن القومي العربي . في 24-7-،2007 كنت في عداد لجنة عسكرية تمثّل لبنان، تشكّلت رسمياً من كبار الجنرالات في الجيش اللبناني برئاسة رئيس كليّة القيادة والأركان العميد الركن علي سليمان . وضعنا بعد اجتماعات كثيرة “الورقة الاسترشادية حول الأمن القومي العربي”، التي أخذت طريقها الى الجامعة عبر مجلس الوزراء اللبناني . لست في صدد نشرها، لكنّني أطرح أسئلة تسكنني تقود إلى التأمّل والبحث في المستقبل العربي .

أوّلاً، لماذا الأمن القومي العربي بعد 62 سنة من تأسيس الجامعة؟ ثمّ أين موقعه اليوم؟ وما مصير تلك الورقة والأوراق الأخرى التي وضعتها لجان من الدول العربية؟ وبأية أحداث حصلت أو ستحصل يمكن ربطها أو فهمها على الأقلّ؟ على المستوى الشخصي، وتحت وقع العولمة وفيضها، طرحت أفكاراً تربط بين الأمن القومي العربي والأمن الإعلامي العربي، أي مختصر المحاضرات الدورية في ضبّاط من الجيش اللبناني والعربي عن قوّة الإعلام وأثره في صيانة السلطات العربية أو في انهياراتها .

قد يكون هناك اليوم إجماع عربي رسمي بأنّ الكلام أو الكتابة في الأمن القومي العربي سطحيّة تثير الهزء العربي والأجنبي، ولكنّه حاجة مستقبلية . الأمن ضد الخوف يقرع أبواب الجميع بحثاً عن القدرة على الاستمرار لتأمين قوتها الداخلية والخارجية، ومواجهة الأخطار التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج . إنّ العودة الى معاهدة “الدفاع المشترك” في الإسكندرية العام ،1950 أو ميثاق التضامن العربي في الدار البيضاء العام ،1965 تولّد حنيناً يبلغ حدّ الإحباط حيال المسائل التي أثيرت واتّخذت فيها توصيات وأوراق، لم تلامس الأمن قط . لم تنفّذ، بل يمكن أن نطبّق عليها فعل delette الذي يمحو أو يبني بكبسة زر دولاً من خيالٍ وصور . تشعر اليوم، في هذا المناخ، وكأنّك تعيش على بقعةٍ عربيّة من دون آباء وأجداد أوجذور Roots . تماماً مثل النباتات المعلّقة في هواء أو فراغ أو عارية في ماء لا تربة تحميها من الاقتلاع . ماذا تعنينا كلمات مثل الأمن السياسي أو الأمن الاقتصادي والعسكري أو الأمن الاجتماعي والثقافي بعد؟

لا تعني شيئاً، لكن الأوراق الاسترشادية التي وضعت بعد عام على حرب تموز في ال،2006 بتداعياتها المتعاظمة إلى حدود الانقسامات والالتباسات والمتناقضات والتحولات اللامنتهية على المستويات اللبنانية والإقليمية والدولية، محطّة مهمّة في موضوع المقاومة والصراعات المذهبية والطائفية، يمكن تدوينها في إعادة رسم مستقبل المنطقة أو مستقبل العرب . لكنّ هشاشة الجواب، لا يمكن فهمها إلا في ضوء مفاهيم الأمن القومي ومستوياته في الدول الكبرى أو “إسرائيل” حيث تنطلق المسائل من الفرد إلى الوطن فالإقليم ثم العالم، وتتشابك نزولاً أو صعوداً، في فهم الأمن والمخاطر وتفسيرهما ومجابهتهما . يتقدّس أمن الفرد ضد أية أخطار تهدّد حياته أو ممتلكاته أو أسرته، ويرتبط أمنه بأمن الوطن الذي ولد أو يقيم فيه ضد أية أخطار خارجية أو داخلية ما يعرف “بالأمن الوطني”، ليصل إلى تجمّعات الدول يربطها أمن قومي، أي اتفاق عدة دول في إطار واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات، وصولاً إلى الأمن الدولي الذي تديره وترعاه المنظمات الدولية التابعة للجمعية العامة للأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي وما يتفرّع عنهما من محاكم دولية ومؤسسات غارقة في معضلة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وكلّها تصبّ في المتطرّفين .

هذا السؤال صعب، لن نجهد أنفسنا بحثاً عن إجابات محتملة له، أوسيناريوهات من نسيج الخيال العربي بهدف أجوبة تتطلّب أزماناً وافتراضات تحتمل الرفض والدحض والإبهام، تماماً مثل الكثير من الأسئلة الأخرى المماثلة المختصّة بالعرب، قبل أن ترفع الدول الكبرى أو “الويكيليكسيون” الأغطية عن حقائقها . هكذا نحن منذ نكبة فلسطين .

يتمّ كشف مضامين الحقائق بالنسبة إلى الأجيال الآتية، عندما تفقد صدمتها في الواقع، وتصبح تاريخاً من مذكّرات والروايات الخيالية .

لكننا نذكر أنّ ميثاق جامعة الدول العربية (1944) الذي أنشئت الجامعة على أساسه في مارس/آذار العام ،1945 لم يذكر كلمة “الأمن” . تضمّنت المادة السادسة منه مسألة “الضمان الجماعي” حيال أي عدوان يقع على أية دولة عضو في الجامعة، خارجية كانت أو دولة أخرى عضواً بها . حتّى إن معاهدة الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية (1950)، بعد نكبة فلسطين، لم تأت على ذكر “الأمن”، بل طلبت من الدول الأعضاء توحيد الخطط والمساعي المشتركة في الحروب، وشكَّلت مجلس الدفاع العربي المشترك الذي يضمّ وزراء الدفاع والخارجية العرب وأنشئت اللجنة العسكرية الدائمة لتضمّ رؤوساء أركان الجيوش العربية .

المرّة الأولى التي بدأ فيها مجلس الجامعة العربية مناقشة موضوع “الأمن القومي العربي”، عملياً، كانت في سبتمبر/أيلول ،1992 حيث تمكين الأمة العربية في الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر في الأمن القومي العربي . لم ينتبه الفكر السياسي العربي إلى صياغة لمفهوم “الأمن القومي العربي” تواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي وتوازناته وانعكاسها على دول العرب . مازال الموضوع دبلوماسياً وفكرياً مفتوحاً للمناقشة . حلّ زمان الطرح الأوّل للأمن القومي العربي في ال1992 في أعقاب سقوط الشاه في ال1979 وتقديم إيران الإسلامية نفسها قوّةً إقليمية تخوض حربها مع العراق لعقدٍ كامل، وتتوسّع في حضورها القوي من لبنان، متأبّطة المسألة الفلسطينية في صراعات سياسية ومذهبية تحطّ رحالها في سوريا .

إذاً، لم ينفّذ منذ عشرين سنة قرار الدول العربية بدراسة شاملة عن الأمن القومي العربي كما لم نعرف شيئاً عن الأوراق الاسترشادية الموضوعة عن هذا الأمن منذ سنواتٍ ست . بات الأمن القومي العربي نوعاً من الحروب المتنقلة وحمايات ذاتية، حيال التطرّف الديني والمتطرّفين الإسلاميين من الإخوان المسلمين إلى جبهة النصرة والتسميات المختلفة . وكلّها مظاهر تغذّيها فتاوى يصبّ معظمها في الفكر التكفيري والشمولي وقلب الأنظمة وتكفير الحاكم وتعثير التنمية . فالمتطرّف عدواني يؤمن بالتخريب وحمل السلاح ومجابهة المجتمع ومؤسساته، أو ينكفئ على نفسه ويبقى عالة ناقمة على المجتمع .

محطتان كبيرتان غامضتان في تاريخ أمن العرب ومستقبلهم . تترسّخ “إسرائيل”، المصدر الجوهري الذي يهدّدهم على إيقاعات أحداث 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 وتداعياتها .يسقط أمن الأفراد والدول والقوميات والعالم في انتظار النظام العالمي الجديد . وترتفع حقوق الإنسان نوافذ مشلّعة للتدخلات الدولية، ويتمّ عبرها توظيف الديمقراطيات والثورات والتعدّديات والثروات، باسم الدين البريء من هذا المناخ المستورد الذي يتداخل فيه الخارج بالداخل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2181063

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181063 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40