الثلاثاء 23 تموز (يوليو) 2013

علامات مضيئة على طريق ثورة 23 يوليو

الثلاثاء 23 تموز (يوليو) 2013 par معن بشور

عبد الناصر والهوية الجامعة

لثورة 23 يوليو انجازاتها العظيمة على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وتربوي، وعلى أكثر من مستوى تحرري تقدمي وحدوي، وفي أكثر من مجال عربي وإسلامي وإفريقي وعالم ثالثي، ولثورة يوليو بالتأكيد كذلك إخفاقاتها وثغراتها التي طالما انشغل جمال عبد الناصر ورفاقه بسبل مواجهتها بعد الإقرار بوجودها.
غير أن ما تفتقد، مصر اليوم، ومعها الأمّة كلها، في غياب قائد الثورة جمال عبد الناصر هو قدرته الهائلة على صوغ معادلة تكامل الهويات في وجه تناحرها المصطنع على يد كل من يريد لهذه المنطقة التفتت والتشرذم والاحتراب الأهلي المستمر.
ففي جمال عبد الناصر ورفاقه وثورة 23 يوليو تكاملت الوطنية المصرية مع القومية العربية، مع الحضارة الإسلامية مع العمق الاستراتيجي الإفريقي مع البعد الإنساني العالمي، فلم يكن هناك مجال لافتعال خصومات مدمّرة بين مكونات الهوية لجر الأمّة إلى صراعات أهلية لا تتوقف.
في زمن عبد الناصر لم يكن هناك مناخ يسمح بإثارة عصبية عرقية أو طائفية أو مذهبية أو عنصرية أو إقليمية، أو جهوية، وإذكاء نار الفتن بينها، لأن تكامل العروبة والإسلام، كما عبّر عنه جمال عبد الناصر ومدارس الفكر القومي العربي المعاصرة، يوفر للأمّة، كما لأقطارها، معادلة الوحدة والأمان الداخلي والأمن القومي، فالعروبة جامعة للعرب المسلمين والعرب غير المسلمين، والإسلام جامع للمسلمين عرباً وغير عرب، والكل حسب هذه المعادلة ينتمي إلى الأكثرية العربية أو الإسلامية، فلا أقليات في معادلة التكامل بين الهويات، ولا تمييز في مجتمع يقوم على المواطنة.
في ظلّ هذه المعادلة ساهم جمال عبد الناصر في بناء الكاتدرائية المرقصية في العباسية كمقر للكنيسة القبطية، ومن خلالها اعتبر الأزهر الشريف المذهب الجعفري الإثني عشري مذهباً خامساً يدرس فيه كالمذاهب الأخرى، وفي ظلّ هذه المعادلة توجهت بعثات الأزهر إلى كل الدول الإسلامية تعلّم القرآن الكريم وتشدّ المسلمين إلى بعضهم البعض.
في ظلّ هذه المعادلة أيضاً أدركت مصر دورها في محيطها والعالم، فقادت حركات التحرر في آسيا وإفريقيا وصولاً إلى أمريكا الجنوبية، وبنت حركة عدم الانحياز ضمانة لاستقلال الأمم عن الارتهان لهذا القطب الدولي أو ذاك، وعبأت طاقات الأمّة كلها لمقاومة الاستعمار بشكليه القديم والجديد، وبأساطيله وجيوشه وأحلافه وأحابيله، فأسست لروح المقاومة التي رأينا تباشيرها في ثورة الجزائر وبلدان المغرب العربي، وفي اليمن والمحميات من حوله، وفي العراق الذي أسقط شعبه حلف بغداد في الخمسينات، وأسقطت مقاومته اليوم الحلف الجديد المسمى الشرق الأوسط الكبير، وفي لبنان الذي اتصلت مقاومته لمشروع إيزنهاور في الخمسينات بمقاومته للاحتلال الصهيوني على مدى عقود، وفي سوريا التي أسقطت الانفصال بعد أن أسقطت الحصار والأحلاف من حولها، فشاركت مصر في “عبور” العاشر من رمضان الخالد عام 1973، ثم بقيت أمينة لتراث جمال عبد الناصر المقاوم حتى بعد أن تخلّى عنه من وصل إلى سدّة الحكم في القاهرة، أما في فلسطين فيكفيها أن شعبها كان يتحرك وفق مقولة ناصر “ما أخذ بالقوة لا يسترد بالقوة” وقد باتت شعار كل المقاومين.
وكم نحن اليوم بحاجة إلى نهج عبد الناصر وفكره وتمسكه بالهوية الجامعة التي لا حرية ولا استقلال ولا وحدة ولا استقرار ولا تنمية ولا تقدّم بدونها، والحرب الأهلية الدائرة في أقطارنا، المعلنة منها والكامنة، ما كان لها أن تقوم لولا تلك الحملة الممنهجة، فكرياً وسياسياً وإعلامياً ومادياً، التي سبقتها ضد العروبة والإسلام معاً، وضد كل ما هو عروبي ومقاوم.
وإذا كان من المستحيل العودة بعقارب التاريخ إلى الوراء، فإنه من الممكن جداَ أن نستلهم من هذا التاريخ، قديمه وجديده، ما يجعلنا قادرين على مواجهة التحديات.
فمن كان مثل عبد الناصر لا يسجن في الماضي، بل نتعلم منه في الحاضر، ونرى من خلال رؤيته أنوار المستقبل.

عبد الناصر وفلسطين

لم يكن حب الفلسطينيين لجمال عبد الناصر يقل عن حب القائد العربي الكبير لفلسطين التي من قلب الحصار الصهيوني على “فلوجتها” الغزاوية ولدت فكرة ثورة 23 يوليو المجيدة، بل لفلسطين التي من أجل حماية ثورتها المعاصرة في أحداث أيلول/سبتمبر 1970 الأردنية، أسلم أبو خالد الروح لخالقها بعد إرهاق لم يتحمله الجسد العليل.
ويوم دعا جمال عبد الناصر إلى قمّة استثنائية في القاهرة لوقف نزيف الدم في الأردن، ولحماية العمل الفدائي الفلسطيني آنذاك، لم يتوقف كثيراً عند إساءات تعرّض لها شخصه من بعض الفلسطينيين، بل اعتبر أن “المقاومة وجدت لتبقى وستبقى”، وأن “تصفية القضية الفلسطينية تمر بتصفية الشعب الفلسطيني”.
أما الفلسطينيون بالمقابل فقد خاضوا إلى جانب جمال عبد الناصر كل معاركه، واتشحت مخيماتهم وأماكن تواجدهم بالسواد يوم رحيله المبكر في 28 أيلول/سبتمبر 1970، بل شاءت الأقدار أن يتحول يوم رحيل القائد التاريخي بعد ثلاثين عاماً إلى انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 أيلول/سبتمبر 2000، وليستشهد يومها أول أطفال الانتفاضة محمد الدرة، وهو يحتمي في حضن جدار كتب عليه شعار ناصر الخالد: “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” وهو الشعار الذي يردّده اليوم كل مقاوم في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا، بعد أن ترجمه ثوار الجزائر إلى استقلال واسترداد للأرض والهوية.
وأهل غزّة بالذات يذكرون كيف أن مصر بقيادة جمال عبد الناصر كانت شريكة لهم في انطلاق مقاومتهم بعد الاحتلال 1967، وكيف أن أبناءهم من ضباط ورتباء وجنود قوات عين جالوت التابعة لجيش التحرير الفلسطيني الذين تدربوا وتسلحوا في مصر، كانوا عماد “قوات التحرير الشعبية” التي تحملت قسطاً كبيراً من المقاومة في سنوات الاحتلال الأولى جنباً إلى جنب مع (فتح)، والجبهة الشعبية بقيادة “غيفارا غزّة”، وغيرهما من المنظمات الفلسطينية، حتى قال الإسرائيليون يومها: قواتنا تسيطر على القطاع نهاراً، أما الليل فتصبح غزّة تحت سيطرة الثوار.
والفلسطينيون أيضاً يذكرون كذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها ولدت بدعم من جمال عبد الناصر ورعايته، وبرئاسة القيادي الفلسطيني البارز الراحل أحمد الشقيري عام 1964، كما يذكرون أن (فتح) نفسها قد احتضنها جمال عبد الناصر بعد سنوات على انطلاقتها عام 1965، ورغم الملابسات التي رافقت العلاقة بينها وبين القاهرة في البداية، وكيف أن ناصر اصطحب قائدها الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى موسكو عام 1969، فاتحاً أمام الثورة الفلسطينية المعاصرة آفاقاً عالمية كبيرة.
نجد أنفسنا مضطرين اليوم لاستعادة هذه المحطات من العلاقة التي ربطت بين فلسطين وجمال عبد الناصر، لا لأننا نحيي هذه الأيام الذكرى 61 لثورة 23 يوليو الناصرية فحسب، ولا لاعتزازنا بوفاء الجماهير المصرية الرائع، هذه الأيام، للقائد الراحل بعد أكثر من أربعين عاماً على رحيله وعلى حملات التهجم الضخمة ضدّ شخصه وتاريخه، بل أيضاً لأننا نود أن نذكّر بعض المتحاملين اليوم، في بعض وسائل الإعلام المصرية، على الأخوة الفلسطينيين بذريعة ممارسات غير مقبولة صدرت عن أفراد منهم، بعلاقة القائد الكبير بالقضية الكبرى وشعبها العظيم وكيف أنه تجاوز أخطاءً وإساءات من أجل فلسطين، ولنقول للجميع أن فلسطين لا يمكن اختصارها بحركة أو تنظيم، بفرد أو مجموعة أفراد، بممارسة خاطئة أو تجاوزات مسيئة، بل أنها المعيار والمقياس والبوصلة.
وكلنا على ثقة أن من صنع انتصار 30 يونيو، ورفع صور جمال عبد الناصر في الميادين والساحات على امتداد مصر من شمالها حتى أقصى الجنوب، ومن شرقها حتى مرسي مطروح، قادر على أن يطوي تلك الحملة الظالمة التي تسعى لتحميل شعب جريرة إساءات أفراد، ولتحميل حركة المقاومة الفلسطينية مسؤولية التباسات تبقى عابرة في العلاقة بين شعبين عظيمين ينتميان إلى أمّة واحدة هما شعب مصر وشعب فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2177196

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177196 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40