الخميس 25 تموز (يوليو) 2013

ياسين عمر الامام رمح سوداني وجهته فلسطين

الخميس 25 تموز (يوليو) 2013 par معن بشور

“متى سيكون موعد الأسطول القادم لكسر الحصار على غزة”، بهذا السؤال المفعم بالحرارة استقبلني ذلك الرمح السوداني، المغمس بعمر طويل من الإيمان والكفاح والتضحية بأغلى ما يملك، حين زرته قبل عامين ونيف، كما افعل في كل مرة ازور فيها السودان، وذلك في منزله القديم في أم درمان أبان مشاركتي في مؤتمر مؤسسة القدس الدولية...
واستطرد الشيخ ياسين عمر الامام قائلا:“هذه المرة لن أقبل الا ان اكون على متن هذا الاسطول” دون ان يعلم ان العدو الصهيوني قد نجح بعد مرارة تجربته مع “سفينة مرمرة” ان يجعل من البحر المتوسط بحيرة اسرائيلية .
قلت لصديقي محمد حسب الرسول الذي اصطحبني إلى منزل المجاهد والكاتب والصحافي والأديب الشيخ الإمام – رحمه الله - :“هل يعقل ان نكون في السودان ولا نزور”الشيخ الإمام“خصوصا بعد تفاقم مرضه الذي أقعده في منزله، بل خصوصاً إننا في حضرة القدس، التي شغلت”العم“ياسين وسكنت وجدانه وفكره؟”
كانت الدقائق التي أمضيناها في الطريق حافلة بحكايات ذلك المجاهد الذي أجمع على احترامه كل السودانيين بيسارهم ويمينهم، بإسلامييهم وليبرالييهم، “بترابيهم” – نسبة للدكتور حسن الترابي – و “ببشيرييهم” – نسبة إلى الرئيس عمر حسن البشير -.
كان ذلك الرجل يجسّد الرحابة السودانية بكل معانيها، كما يجسّد الهوية العربية دون تعصب، والنقاء الإسلامي دون تمذهب، والسحر الأفريقي دون تبجح، فلم يهادن في عقيدته ولكنه لم يجعل من عقيدته متراساً يطلق من خلفه النار على عقائد الآخرين وقناعاتهم، ولم يساوم في مبدأ ، لكنه لم يسمح لمبدئيته أن تجعل منه “فظاً غليظ القلب” فينفض الناس من حوله.
علمته الأيام إن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، وان التباين في المواقف يجب أن لا يكون سبباً للقطيعة بين أبناء الوطن الواحد...
لم تحل يساريته في مقتبل العمر بينه وبين الالتزام بالإسلام عقيدة وثقافة، حاله في ذلك حال معظم اليساريين في السودان وعلى رأسهم القائد الشيوعي الشهيد عبد الخالق محجوب وخليفته الراحل محمد إبراهيم نقد، كم لم يضعف انتسابه فيما بعد إلى الحركة الإسلامية السودانية ( وكان من روادها الأوائل)، من حسه العالي بالقضايا الاجتماعية التي تهم فقراء بلاده، والانتماء العربي القومي، والانشغال بقضايا أفريقيا التي كان يعتبر الشيخ ياسين ورفاقه انه لهم فيها رسالة تاريخية هو تعميق الروابط الحضارية والروحية والثقافية بين العرب من جهة، وثلثاهم من الأفارقة، وبين الأفارقة ونصفهم من العرب من جهة ثانية.
صاحب القامة المديدة كان أيضاً صاحب همة عالية لم تستسلم لمرض أو ليأس أو لوهن، بل كنت تراه حاملاً رسالته، رسالة التقريب بين أبناء الأمة وتياراتها، ورسالة التحرير من كل أنواع الاحتلال والهيمنة، متحركاً من عاصمة إلى أخرى، ومن مؤتمر إلى ملتقى، غير آبه بنوبات قلبية تصيبه هنا أو هناك وتنقله من قاعة المؤتمر إلى “طوارئ” المستشفى، حتى تمكن المرض من جسده فأقعده في المنزل دون أن يتمكن من همته وعطائه.
بقي يكتب في جريدة (رأي الشعب) المعارضة التي كان يرأس تحريرها حتى توقفها بقرار سياسي، وبقي يتجاوب مع كل مبادرة خير لا سيّما، ونداء كفاح، لا سيّما حين يكون الأمر متعلقا بفلسطين التي قال لي في لقائي الأخير معه عنها :“إن أعظم أمانيي هو أن أستشهد فوق أرضها”، ولا أنسى كيف ترك السودان لأيام وأسابيع كي يبقى مع المبعدين الفلسطينيين في “مرج الزهور” في البقاع اللبناني عام 1991 ، وبينهم الشهيد الكبير عبد العزيز الرنتيسي، وحين اضطرت سلطات الاحتلال إلى إعادتهم إلى بلادهم بسبب صمودهم، والموقف اللبناني الصلب آنذاك، كنت تسمع الشيخ ياسين يتمتم قائلاً:“ليتني اذهب معكم لأكحل عيني بأرض فلسطين، وأصلي في الأقصى، واستشهد في القدس الغالية على كل مؤمن”.
من يعرف ياسين عمر الإمام يدرك انه كان من طينة فريدة من المناضلين، فلم يطمح يوماً لمنصب رسمي، رغم أن المناصب كانت في متناول يديه في أكثر من مرحلة، ولم يسعى يوما لجمع المال رغم أن حصوله عليه لم يكن صعباً بالنسبة لأمثاله، وكان شعاره الدائم “يجب أن نفكر كيف نعطي لبلادنا والأمة، لا كيف نأخذ منها”.
ولقد صدق وعد الشيخ ياسين لربه، فأعطى الأمة كل عمره، وأعطى السودان اثنين من فلذات أكباده شهيدين في سبيل وحدة الوطن وسلامة ترابه ودوره في محيطه العربي والاسلامي والافريقي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2177830

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177830 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40