الخميس 25 تموز (يوليو) 2013

على باب الله

الخميس 25 تموز (يوليو) 2013 par د. أيمن مصطفى

منذ قويت الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية في فجر الاسلام وبدأ بناء “الدولة” اختلط الديني بالدنيوي، حتى توسعت الدولة بالفتوحات وبدأ طريق “الامبراطورية” الاسلامية فغلبت السياسة وعلاقات القوى على الأخلاق واستغلال الشعائر وتفسيرات الآيات والأحاديث لخدمة أغراض سياسية ـ دنيئة أحيانا أو جيدة أحيانا أخرى، حسب زاوية نظرك وتأثيرها عليك (التأثير الدنيوي طبعا).
مع قرب انتصاف شهر الصوم الكريم، لم يعد المرء يفكر كثيرا في حرارة الجو والرطوبة على شواطئ الخليج وسط حرارة الأخبار من سوريا والعراق ومصر وليبيا وغيرها. وليس هناك من مصيبة أكبر من أن كل هذا العنف والدماء وازهاق الأرواح ـ وأغلبها بريئة ـ يجري باسم الدين والتعصب الطائفي. كيف يصوم هؤلاء الذين يتبنون العنف، أيًّا كان، لتحقيق هدف سياسي؟ وكيف يفجرون ويقصفون يقنصون وحتى ـ يا للبشاعة ـ يذبحون وهم يهتفون باسم الله؟ كيف يقف الصائم في الشهر الحرام على باب الله ويسيل الدماء عنف، لا هدف له سوى أغراض الدنيا؟ هل هناك من يمكن أن يحاجج بأنه يقف على باب الله يبتغي وجهه، ويقتل ويفجر ويهدم وينسف لإعلاء كلمته سبحانه؟
للأسف نعم، هناك من يظن أنه بارتكاب أعمال العنف في البلاد المشتعلة حاليًّا، وغيرها من بلاد المسلمين وغير المسلمين، إنما يقترب من باب الله مجاهدا ونصيرا. هؤلاء في الأغلب حفظة لا يفقهون ما يحفظون من دجل سياسي تسربل بالدين على مر السنين. تعود تلك السنين إلى بداية دولة الإسلام قبل عشرات القرون. لكن يصعب مناقشة هؤلاء، والذنب الأكبر على من لقنوهم ونشروا بينهم تلك الأفكار الدموية مستغلين الجهل والفقر وحمية الشباب الذي لا يعرف سبيلا إلى باب الله فيؤمه إرهابي فاسق في الأغلب إلى باب الشيطان.
منذ قويت الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية في فجر الاسلام وبدأ بناء “الدولة” اختلط الديني بالدنيوي، حتى توسعت الدولة بالفتوحات وبدأ طريق “الامبراطورية” الإسلامية فغلبت السياسة وعلاقات القوى على الأخلاق واستغلال الشعائر وتفسيرات الآيات والأحاديث لخدمة أغراض سياسية ـ دنيئة أحيانا أو جيدة أحيانا اخرى، حسب زاوية نظرك وتأثيرها عليك (التأثير الدنيوي طبعا). ولا يتطلب الأمر جهدا سوى قراءة التاريخ بعين لا تغشى عليها ظلمة العقل الذي “يحفظ ولا يفهم” لتكتشف أنه حتى ما قبل صراع الأمويين والعباسيين وما بعدهم كان المصحف يرفع على السيف على طريقة ما يفعله الإخوان الآن (الإسلام هو الحل). ويزخر تاريخنا بشيوخ ومفتين و“علماء” يوصفون من قبل مناوئيهم السياسيين بأنهم “علماء السلاطين” ـ أي من يلوون روح الدين لأغراض الدنيا. وفي الجانب الآخر هناك من هؤلاء وأولئك بذات القدر والتوجه.
أيضا لا يقتصر هذا على دين الإسلام، فكل الأديان ـ أو أغلبها على الأقل ـ ما إن يتبناها الناس حتى يستغلوها لأغراض الدنيا وهم “يظنون أنهم يحسنون صنعا”. أما محنتنا الآن فهي مع دين الإسلام وما ناله من تشوه على يد هؤلاء الذين يكرهون الحياة ويتمنون الموت وهم يتصورون أنهم يطلبون الشهادة (على باب الله) بينما هم أبعد ما يكون عن الله وأديانه ورسالته للبشر. المصيبة أن هؤلاء الآن لا ينتمون لقوى أو هياكل كالتي كانت وقت توسع الدولة الإسلامية إلى امبراطورية تمتد من أعماق آسيا إلى أقاصي أوروبا قبل أن تنهار بسبب المؤامرات والصراعات ـ التي غالبا ما استغل فيها الدين أيضا لكسب تأييد البسطاء. لهذا فخطر هؤلاء الذين يشعلون بلدان المنطقة نارا ودما تحت ستار الدين وشعارات التقرب إلى الله أكبر بكثير من خطر تلك القوى التي كانت تحارب للسيطرة على موارد الدول الاسلامية عز قوة دولته الدنيوية.
ويدفع البسطاء أيضا الثمن الأكبر لجهل هؤلاء وتعصبهم وعنفهم المشحون بالعقيدة. هؤلاء البسطاء هم من يطلق عليهم في العامية المصرية أنهم “على باب الله” ـ بمعنى أنهم لا حول ولا قوة لهم إلا بالله لافتقارهم لمقومات الثروة والسلطة في الدنيا. هؤلاء البسطاء من عباد الله، ومن هم فعلا على باب الله، ينهاهم صيامهم وحرمة الشهر الكريم عن القتل والتدمير والتخريب لأغراض السلطة والنفوذ أو الثروة والجاه. هؤلاء هم من يقفون فعلا (على باب الله) يرجون منه أن يقبل صيامهم ويهون أيامهم ويهدي من ضل منهم إلى سواء السبيل. وليس بكثير على الله أن يهدي هؤلاء المغرر بهم من القتلة الدمويين والتفجيريين المدمرين، أما قياداتهم وشيوخهم الذين “أدلجوهم” فليس لهم نصيب من دعوات البسطاء. وليس من حل لهؤلاء سوى “الاستئصال” ولا يتحدث أحد عن “الاحتواء” والتصالح وحلول الوسط.
وحتى لا يفهم أن المقصود هو “حرق” تلك القيادات من شيوخ الظلام ودعاة الجهل والفتنة، فليس لمثلي وفي هذا الشهر الكريم وحرمته أن يدعو لمثل ذلك ـ إنما إذا كنا ندعو بالهداية والعودة عن الضلال لأولئك الذين يقومون بأعمال اجرامية تحمل صبغة دينية بما يعني امكانية استيعابهم وتنويرهم، فهذا ما لا يجوز مع القيادات التي تعرف ما تفعل وتستخدم هؤلاء وقودا لطبخ مغانمها الدنيوية ـ الدنيئة أحيانا.
لهذا، وليس ثقة في أي من القوى السياسية الأخرى في مصر ـ وأغلبها ليس بمنزه عن مثالب العقود الأربعة الأخيرة ـ يرى كثيرون من عباد الله العاديين أن الإخوان وامثالهم لا يجب أن يكون لهم مكان في إدارة شؤون البلاد، في الوقت الذي يحرص هؤلاء على ضرورة أن تكون قواعدهم مشاركة في مستقبل البلد. ولعل ما يحدث في مصر يتكرر في سائر مناطق التوتر على اساس ديني وطائفي لينتهي بنا الشهر الكريم ونحن أقرب إلى باب الله حقا وصدقا وليس جهلا وعنفا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 50


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40