الخميس 25 تموز (يوليو) 2013

كيري.. واستئناف كارثة التفاوض

الخميس 25 تموز (يوليو) 2013 par عبد الرحمن ناصر

بعد جولات مكوكية متتابعة، أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري، موافقة السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، على استئناف “مفاوضات السلام في واشنطن” هذا الأسبوع، وفي إشارة لا تخلو من دلالات كثيرة، اختار الوزير الأميركي العاصمة الأردنية عمان، ليعلن منها ما يمكن وصفه بالنجاح في مهمته المتمثلة بجلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات، فمن المتوقع أن يلعب الأردن دوراً كبيراً في المفاوضات، وأن يكون شريكاً في مآلاتها المتوقعة أميركياً.

الوزير الأميركي قال: “إن اسرائيل والفلسطينيين أرسوا الأساس لاستئناف محادثات السلام بعد توقف دام نحو ثلاث سنوات”، وأضاف: “توصلنا لاتفاق يضع أساساً لاستئناف المفاوضات المباشرة بشأن قضايا الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، مشيراً إلى أن “الاتفاق ما زال في مرحلة التبلور”، دون إعطاء تفاصيل إضافية، بل وملاحظاً أن “أفضل سبيل لمنح هذه المفاوضات فرصة هو الحفاظ عليها سرية، قائلاً:”نعرف أن التحديات تتطلب بعض الخيارات الصعبة جداً في الأيام المقبلة، لكنني اليوم متفائل".

تفاؤل كيري جاء مرفقاً مع توقعاته بأن تستغرق المفاوضات وقتاً طويلاً، بسبب القضايا المعقدة الكثيرة، والحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة، على حد قوله، وهو ما بدا أن الوزير الأميركي قد حقق تمهيداً ملائماً له خلال جولاته الست.

من المتصور أن الوصول إلى هذه اللحظة كان متوقعاً منذ أن بدأ التحرك الأميركي الأخير، والذي بني على رؤية أميركية تعتبر أن الظروف المحيطة بفلسطين (وخصوصاً الحرب على سورية) تشكل فرصة لإطلاق المفاوضات، بل وحتى إيصالها إلى نتائج محددة، ودائماً على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.

مشروع كيري

اعتبر الوزير الأميركي أن نجاحه الأساسي يكمن في إعادة السلطة وحكومة الاحتلال إلى المفاوضات المباشرة، ولذلك باشر تحركه قبل الإعلان عن خطة مسبقة يريد تنفيذها، أما عناصر الخطة (إن جاز وصفها كذلك) فقد ظلت غامضة، حتى أن مسؤولين فلسطينيين على صلة مباشرة بملف المفاوضات اشتكوا في وقت سابق، من عدم معرفتهم بموضوعات البحث بين رئيس السلطة والوزير الأميركي.

ووفق ما نقلته وسائل إعلامية من تسريبات حول المضامين محل البحث في المفاوضات القادمة، فإن الخطة الأميركية تقوم على خمس نقاط هي: “دعوة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى التفاوض على أساس إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، مع تبادل أراض متفق عليه ومتساو في المساحة والنوعية، وأن يجري التفاوض على الحدود والأمن لفترة تراوح بين 6 و9 أشهر، وأن يضمن كيري قيام إسرائيل بتقليص البناء في المستوطنات خلال المفاوضات إلى أقصى حد ممكن، وأن يضمن أيضاً قيام إسرائيل بإطلاق جميع أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، وعددهم 104 أسرى، بعد شهر من بدء المفاوضات، على أن تطلق إسرائيل فور بدء المفاوضات 25 أسيراً آخر، وإطلاق خطة اقتصادية لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني”.

لا يوجد كبير اختلاف بين هذه العناصر (البنود) التي قيل إنها أبلغت شفهياً لرئيس السلطة، وبين ما جرى تسريبه خلال الأشهر الماضية، ويلاحظ أن “الخطة” تجمع بين ما يوصف بخطوات حسن النية وتسهيل الحياة اليومية للفلسطينيين (إطلاق الأسرى، إنعاش الاقتصاد، تقليص الحواجز) وبين النتائج النهائية للمفاوضات (دولة فلسطينية، مع تبادل للأراضي)، هذا الجمع مقصود، وهو مؤشر واضح على مفاوضات مديدة، دون التزامات محددة، خصوصاً من جانب الاحتلال، وربما تكون النتيجة الوحيدة لكل هذا الضجيج هي “خطوات حسن النية”، والتي يتحقق من خلالها أمران: الهدف الأميركي بوجود عملية تفاوضية، وإعطاء زخم لخيار المفاوضات يحبط التوجه نحو انتفاضة فلسطينية ثالثة، ففي هذه الحالة سيقال إن المفاوضات تنتج، بينما هي في الحقيقة عملية تجميل لوجه الاحتلال البغيض، وتتيح له مواصلة الاستيطان وخلق الوقائع الجديدة على الأرض، ففي البنود أعلاه لا حديث عن وقف الاستيطان، بل كلام عن سعي واشنطن لتقليص البناء الاستيطاني إلى أقصى حد ممكن، والفرق كبير جداً بين وقف الاستيطان والسعي لتقليص البناء في المستوطنات، السعي لن يثمر عن أي تقليص مع إصرار حكومة الاحتلال على متابعة تنفيذ المخططات الاستيطانية، في كل الأحوال، ولعل التنازل الكبير الذي قدمته السلطة، استجابة للضغوط الأميركية، تمثل في هذه المرحلة بالتخلي عن شرط وقف الاستيطان قبل البدء بالمفاوضات.

الموقف الفلسطيني

السلطة الفلسطينية، رحبت بخطة جون كيري لاستئناف المفاوضات، وطالبت الجانب الأميركي بالحصول على التزام حكومة نتنياهو بها، دون أن يتضح موقف الوزير الأميركي من هذا المطلب، وإن كان هناك من تحدث عن وعد أميركي بالعمل على وضع جداول زمنية محددة لإنهاء المفاوضات والخروج بنتائج محددة منها، ويبدو أن مطالبة البعض من القادة الفلسطينيين بجداول زمنية محددة وملزمة، كانت وراء النقاشات العاصفة التي سبقت إعلان الموافقة الفلسطينية على الخطة، والعودة إلى المفاوضات.

ما يمكن ملاحظته هنا مرة أخرى، هو الفشل المعتاد للقيادة الفلسطينية في استثمار الأوراق الموجودة بين أيديها، حتى وهي تتوجه للتفاوض، هناك رغبة أميركية واضحة بإطلاق المفاوضات، وهناك تخوف جدي في كيان الاحتلال من إطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة، وهناك تعنت الاحتلال حتى في بند تجميد الاستيطان، ولو إلى أجل، وبدل أن تستثمر السلطة هذه العناصر في تحصيل شروطها، تقوم بدلاً من ذلك بالتنازل المجاني، وهو تنازل لا يتصل بالمفاوضات وحسب، بل بالحقوق الأساسية، الاستيطان يبتلع الأرض الفلسطينية، واستمراره سيفرض وقائع جديدة مع الاستعداد الدائم للمفاوضات.

يتردد أن الفصائل الفلسطينية حاولت في اجتماع منظمة التحرير الفلسطينية، الحصول على شروط أفضل قبل إعلان الموافقة على الطرح الأميركي دون جدوى، فاكتفت بتسجيل موقف للتاريخ، وكالعادة جرى اللجوء إلى الاجتماعات الموسعة التي تتم تحت عنوان فضفاض اسمه القيادة الفلسطينية، لانتزاع قرار بالموافقة على معاودة المفاوضات.

اعتراض هذه الفصائل لحظ نقاطاً عديدة في طليعتها إلى جانب موضوع الاستيطان، عدم وضوح الموقف “الإسرائيلي” من العودة إلى حدود حزيران 1967، وبالتالي فالحديث عن دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، هو تطلع فلسطيني، وليس نتيجة حتمية للمفاوضات.

من جانبها اعتبرت حماس أن “استئناف المفاوضات غير المشروط وفق رؤية كيري مؤشر على الذهاب نحو تصفية القضية الفلسطينية، مقابل بعض الامتيازات الثانوية لأقطاب السلطة”، وصدرت مواقف مماثلة عن قوى التحالف الفلسطيني.

موقف حكومة الاحتلال

اعتبر بنيامين نتانياهو، أن استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين هو أمر “حيوي” بالنسبة إلى مصلحة إسرائيل“، وأضاف أنه”من الأهمية بمكان، محاولة وضع حد للنزاع بيننا وبين الفلسطينيين، وهو أمر مهم بسبب التحديات التي نواجهها، خصوصاً تلك التي مصدرها إيران وسورية".

ويتحدث وزراء في حكومة نتنياهو عن أن الأخير وعدهم بعدم إجراء أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني على أساس حدود حزيران (يونيو) العام 1967، فيما توجه 31 عضواً في الكنيست من الائتلاف الحاكم، إلى نتنياهو مطالبين باستئناف سريع للاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.

ونقلت صحيفة “معاريف” عن وزراء قولهم، إن نتنياهو قطع لوزرائه الكبار تعهداً صريحاً بأنه سيرفض عرضاً أميركياً يتضمن ذكراً لمسألة حدود 67، ولتجاوز الخلاف في هذا الموضوع اقترح نتنياهو صيغة تقضي بأن تستأنف المحادثات على أساس خطابات أوباما بالنسبة للمسيرة السياسية، دون أن تذكر حدود 67 بشكل مباشر.

النائب من “ليكود” القريب من رئيس الحكومة تساحي هنغبي، كرر رفض “إسرائيل” شروطاً مسبقة للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقال إن “الخط الرئيس الذي تطرحه إسرائيل منذ سنوات طويلة، ويبدو أن الأميركيين يقبلون به يقضي برفضنا إملاءات من الفلسطينيين للدخول في حوار سياسي، هذا موقف مبدئي وعليه قامت كل المفاوضات في السابق”، وتابع أن “إسرائيل لن تعود أبداً إلى حدود عام 1967، وهذا ما يتفق عليه اليسار واليمين على السواء.. كذلك نتفق على عدم إعادة تقسيم القدس”.

لكنه أضاف مستدركاً أنه “في حال استؤنفت المفاوضات، فإن”إسرائيل“قد تقوم ببادرات طيبة وخطوات لبناء الثقة، مثل الإفراج عن عدد من الأسرى وفقاً لمعايير تحددها بنفسها، شرط أن تكون الثقة متبادلة، مثل أن يلتزم الفلسطينيون عدم التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي خلال المفاوضات”.

يوفال شتاينيتس؛ وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو، كشف عن تفاصيل أولية حول الاتفاق الأخير، على استئناف محادثات السلام، وذكر أن “إسرائيل تعهدت بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل استئناف المفاوضات”.

أفيغدور ليبرمان، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، والرجل الثاني في ائتلاف “الليكود - بيتينو” الحاكم ، قال إن "إسرائيل لا يمكن أن توافق على الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي إلى انهيار الائتلاف الحاكم وانتخابات مبكرة.

ويتحدث الصهاينة عن أن الإفراجات لن تشمل الفلسطينيين الأسرى من الأراضي المحتلة عام 48 والقدس، رحلة العبث الجديدة بدأت الآن، والكثير ستكشفه الأيام عن استئناف كارثة المفاوضات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010