الأحد 28 تموز (يوليو) 2013

أطفال فلسطين يستغيثون

الأحد 28 تموز (يوليو) 2013 par محمد خليفة

لا يستطيع إنسان -يحترم إنسانيته- أن يصم أذنيه، ويكبت مشاعره تجاه إنسان يتألم- الألم بأنواعه الوجودي والإنساني والجسدي والنفسي، حيث الجسد والروح يتعرضان لما يسبب شعوراً صعب الاحتمال- وخاصة إذا كان المتألم طفلاً صغيراً . فقد تناولت وسائل الإعلام العالمية قضية اعتقال طفل فلسطيني لا يتجاوز عمره خمس سنوات بدعوى أنه ألقى حجراً صغيراً على جيش الاحتلال “الإسرائيلي” في مدينة الخليل، وفضحت المحطات الفضائية العالمية همجية هذا الجيش في تعامله مع أطفال فلسطين . وفي التفاصيل أن الجنود “الإسرائيليين” أخذوا الطفل وديع مسودة، وهو معصوب العينين إلى منزل والديه؛ لإبلاغهما نبأ اعتقاله . وقالت أم الطفل: إن ولدها وديع اختبأ خلف الفراش لحظة وصوله إلى البيت مع الجنود، وراح يبكي مرتعداً فكيف يتحمل هذا الطفل أصوات الدبابات، والمجنزرات . وزاد من رعبه فشل والده في إقناع الجيش بعدم اعتقاله، وهدد الضابط باعتقال الأب مع ابنه . وهكذا تم نقل الطفل ووالده إلى ثكنة للجيش في شارع الشهداء في الخليل . وما أن شاهده أصدقاؤه وهو يُنْقَل إلى المدرعة العسكرية حتى غشيهم صمت عميق ألجم ألسنتهم، وانهمرت من عيونهم دموع الخوف والفزع، وحاصرتهم أسئلة الموت الذي يحاصر مستقبلهم، واحتضن بعضهم بعضاً يبكون فراق صديقهم خائفين -في صدمة لا شعورية- أن يلفه النسيان، ويطويه السجن كما طوى غيره من الأحرار . . ما أقساها من لحظات! يودعون صديقهم وداعاً قاسياً مريراً، خاصة وهم يعلمون أنه مريض، جسده يتآكل، ولكن لا يملكون شيئاً سوى النظر إلى السماء، والدعاء إلى الله بأن يخفف عنهم فراقه وغيابه في المعتقل الصهيوني .

الواقع أن هذه ليست أول جريمة يقترفها جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، حيث إن سجله حافل بالفظائع والانتهاكات . ف”إسرائيل” تحاول دائماً أن تتصرف مثل المجرم الذي يخفي وجهه خلف قناع من الإنسانية المفضوحة، فبعد أن شردت مئات الآلاف من شعب فلسطين، وقتلت منه عشرات الآلاف، أقامت ما ادعته نظاماً قضائياً، ووضعت ما يُسمى بالقوانين الإنسانية، ولكن هذه القوانين لا تُطبق على الشعب الفلسطيني، وإنما هي مُخصصة لأولئك القادمين من غياهب النسيان؛ ليعلنوا حضورهم على أرض فلسطين، أما شعب فلسطين الحقيقي فهو غريب على أرضه، مُطارد فوق ترابه، تحول وبفضل الصمت العالمي- إلى أقلية محكومة بقوة البطش لدولة الاحتلال . إن اعتقال الطفل الفلسطيني وديع لن يكون نهاية تاريخ العنف في فلسطين، لأن هذا التاريخ لا ينتهي إلا بنهاية الصلف والتسلط . نهاية من يدعي أن فلسطين خالية من السكان، من يدعي أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض . عندما جاء شذاذ الآفاق إلى فلسطين، هل وجدوها بلقعاً، أم أنها كانت عامرة بمدنها وضياعها وأريافها؟ لماذا تستمر تلك الأكاذيب حتى اليوم؟

إن الذي يجري في فلسطين يؤكد أن من البشر من هو أشد توحشاً من السباع، فالسباع كريمة رحيمة إذا قورنت بفظاعة الجندي “الإسرائيلي” وقسوته . فهي لا تفترس إلا عندما تجوع، وإذا افترست فإنها تكتفي بفريسة واحدة تطفئ بها دافع الجوع، وتترك بقية القطيع يذهب حيث شاء . وهذا يعد سلوكاً زاخراً بالرحمة إذا قيس ببطش الجندي “الإسرائيلي” بالإنسان الفلسطيني، حيث إن جوعه إلى الافتراس يتأجج مع تساقط الفرائس البشرية، ذلك أنه جوع عنصري لا سبيل إلى إشباعه، بل يزداد ضراوة كلما تكاثرت الجثث الفلسطينية، ويشعر العسكري “الإسرائيلي” بنشوة الانتصار كلما أزهق المزيد من النفوس، ويحس بالرضا عن نفسه كلما أوغل في البطش والتدمير .

إن هذه الروح العدوانية ليست ظاهرة فردية، ولكنها روح جماعية صهيونية - وإن تفاوتت في التعبير عن حقدها- وفي ذلك يقول الفيلسوف باسكال “إن الصمت الأبدي الذي يلفّ هذا الفضاء اللانهائي يخيفني، ولكن هناك لا نهائية أخرى هي لا نهائية”، ويعني وحشية البشر عندما تستمر في التفاقم والظلم، وتنتهي إلى العدم، والانكسارات الكبرى تشي باقتراب نهاية مصير الإنسان الظالم . والعدم ليس إلا الدليل الصارخ على نهاية الحياة في خضم هذه المعايشة اليومية للمآسي الإنسانية التي تفقد الناس القدرة على الاشمئزاز والنفور من مشاهد الظلم والقتل، وتصبح مناظر الدمار والعدوان مناظر مألوفة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165522

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165522 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010