الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013

الإفراج عن الأسرى.. منجز فلسطيني في مفاوضات فاشلة

الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013 par معن البياري

يبدو إفراج الاحتلال الإسرائيلي المرتقب، عن 82 أَسيرا فلسطينيا ثمنا كبيرا للقيادة الفلسطينية، مقابل عودتها إلى طاولة المفاوضات، استجابة لضغوط أميركية وعربية ثقيلة، بالنظر إلى أَن القيادة المذكورة شديدة العجز، وفاقدة أي قدرةٍ على إلزام إِسرائيل بالإفراج عن آلاف الأسرى المحتجزين، وبينهم من يقضون أَحكاماً شديدة القسوة، منذ أَزيد من عشرين عاماً.
ناهيك عن أَنها في هوانٍ شديد لا يجعل في وسعها أن تجبر سلطات الاحتلال على تحسين ظروف احتجاز هؤلاء الأسرى، والذين خاضوا جولات عديدةٍ من النضال، بالاعتصامات والإضرابات عن الطعام، وغيرها من الاحتجاجات التي هدفت إِلى إِلغاء الاعتقالات الاحترازية والتوقيفات الإدارية الطويلة، فضلا عن المطالبات بالإفراج عن الأَسرى الذين يغالبون أمراضا مستعصية.

ويفيد مركز أسرى فلسطين للدراسات بأَن الأسرى القدامى يبلغون خمسة آلاف، عشرة في المائة منهم يقضون أَحكاما بالسحن المؤبد، وعشرون في المئة يعانون من أَمراضٍ مختلفة، بعضهم معرض للموت في أَي لحظة. وفي أَرشيف هذه المعاناة المديدة أَن فلسطينيات أَسيرات وضعن مواليدهن في مستشفيات الاحتلال مقيّدات اليدين، وسيق أطفالهن الرضع معهن إِلى السجون، واحتجزوا وإياهن سنوات وأَشهراً غير قصيرة، الأَمر الذي يعصى على التخيّل، ويوفر مادةً غنيةً تُغري كتاب القصة والرواية وسيناريوهات الأَفلام بتشخيص هذه الفظائع، وتصويرها في تعبيراتٍ فنيةٍ تعكس مفارقاتٍ قد تعيد النظر في بديهيات اختلافات الخيال عن الواقع، سيما وأَن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وفظاعاته، بحق الأسرى مثلا، تتحدّى الخيال الإنساني.

يستعيد طرح الرئاسة الفلسطينية في مداولاتها مع وزير الخارجية الأَميركي، جون كيري، من أَجل استئناف التفاوض مع إِسرائيل، قضية الإفراج عن أَسرى محتجزين منذ سنوات طويلة، ومنذ ما قبل توقيع اتفاق إِعلان المبادئ، المعروف باتفاق أوسلو في 1993، يستعيد إِلى البال الخطأَ الجسيم، وربما الخطيئة، والذي تورطَّت به قيادة منظمة التحرير في المداولات السرية التي ساقت إِلى ذلك الاتفاق الشهير، عندما لم تشترط تبييض سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين، باعتبار»أوسلو» صفحة جديدة وتاريخية كبرى في مسار الصراع، تتجه إِلى أَجواء سلام وعملية سلام.

وكانت في محلها التصريحات الغاضبة من بعض الأَسرى، والتي عكست إِحباطاً من بؤس الأَداء التفاوضي لدى الجانب الفلسطيني. وكان من هؤلاء عميد الأَسرى المحررين، أَحمد أَبو السكر، والذي انتقل إِلى رحمة الله قبل أَيام، وقد أُفرج عنه في 2003، بعد احتجازه 27 عاماً. والسؤال الراهن ما إِذا كانت القيادة الفلسطينية تُراجع أَخطاءها الكثيرة في تناسيها، مرات ومرات، قضية الأَسرى في جولات التفاوض العديدة، حين تتداول مع جون كيري في أَوضاعهم، ووجوب أن تلتزم إِسرائيل بالإفراج عنهم، سيما وأَن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» نجحت في إِجبار إِسرائيل على الإفراج عن مئات الأَسرى بعد خطفها الجندي جلعاد شاليط، وإِنْ تكبد الفلسطينيون في قطاع غزة أَهوالاً وخسروا عشرات الشهداء في اعتداءاتٍ إِسرائيليةٍ تتالت جرّاء تلك العملية التي لم تقم بها حماس، وإِنْ تسلمت الجندي المذكور لاحقا من الجهة التي اختطفته، وخاضت عملية تفاوض عويصةٍ وغير مباشرة بشأنه.

وإِذا كان حقا وصحيحا أَن المفاوضات المزمعة مع الجانب الإسرائيلي ليس مأمولا، ولا متوقعاً منها، أَن تنتهي إِلى إِقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في سيادتِه على أَرضه، وإنهاء الاحتلال، فذلك لن يكون جديداً، بالنظر إِلى فشل مفاوضاتٍ عسيرةٍ في العشرين عاماً الماضية، بعد توقيع «أوسلو»، وأَبرزها مداولات كامب ديفيد الشهيرة، برعاية الرئيس الأَميركي، بيل كلينتون، والتي كان فشلها من أَسباب اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهذه في أتونها تم احتجاز ياسر عرفات، أسيرا في مقره في رام الله، ولم يأْذن له إِرييل شارون بمغادرة ذلك المقر إِلا بعد يقينه من أَن الزعيم الفلسطيني سيعود جثماناً، وهذا ما كان.

لم تكن قضية الأَسرى مركزية في تلك المداولات غير المنسية، وإِنْ طرحت مرتبطة بقضايا القدس واللاجئين والانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران 1967، ولما لم تقدّم حكومة إِيهود باراك في تلك الغضون ما يؤكد توجها نحو سلام حقيقي وعادل وشامل، فإِن مصير الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال ضاع على طاولة تلك المفاوضات. ويؤتى، هنا، على ذلك الأَرشيف غير البعيد، وفي البال أَن مداولاتٍ فلسطينية إِسرائيلية لاحقة، في ولاية محمود عباس، تم أَثنائها إِطلاق سراح عشرات الأَسرى، كان منهم الراحل أَحمد أَبو السكر وسعيد العتبة الذي أَمضى في سجون الاحتلال 33 عاما، غير أَن ذلك لم ينه هذا الملف العويص، والشديد الحساسية لدى الشعب الفلسطيني، بالنظر إِلى استهانة إِسرائيل بحياة آلاف من أبناء هذا الشعب، باحتجازهم في ظروفٍ شديدة البؤس وبالغةِ الشناعة، فيما تتداول مع قيادة هذا الشعب مفاوضات، بات واضحا أنها مقصودة لذاتها، للإيحاءِ باستمرار عملية سلام، لا تنتهي إِلى شيء، وإِن يريد منها الاحتلال تأبيد سطوته على الفلسطينيين في أَرضهم، بنهب مقدراتهم وأَرضهم، وخنقهم بإِجراءات أمنية وعسكريةٍ ذات طابعٍ عدواني، وبتطويق مدنهم وقراهم وأَريافهم وبلداتهم بالتجمعات والبؤر والوحدات الاستيطانية.

ما جاءَت عليه السطور السابقة، مضافا إِليه المعلوم من أَوضاع القاع البائس للحال الفلسطيني عموما، والتردي المفضوح لواقع المؤسسة الفلسطينية الرسمية المهترئة، والمتآكلة بسبب نقصان شرعيتها والانقسام الجغرافي والسياسي المخزي بين غزة ورام الله، فهذه كلها، وغيرها، عوامل يمكن عدها أسبابا وجيهة لاعتبار الإفراج عن 82 أَسيرا فلسطينياً من سجون الاحتلال منجزا مهما، سيما إِذا انتهت المفاوضات المرتقبة إِلى الفشل التقليدي إِياه، والمتوقع، إذا ما ثبتت القيادة الفلسطينية على البديهيات الأولى للتسوية مع إِسرائيل، وفي مقدمتها إِنهاء الاحتلال وانسحابه إِلى حدود 4 حزيران.

ولأن الأمر كذلك، يجوز للنخب والفعاليات الفلسطينية أَن ترمي رئاسة عباس وفريقه التفاوضيّ بما يستحقانه من مؤاخذات وانتقادات، في محلها غالبا، غير أن ذلك لا يجيز القفز عن حقيقة أَن إنقاذ أسرى فلسطينيين من محنتهم الإنسانية، وتقدير كفاحهم ونضالهم المديد، أمر يحسن استقباله بالإيجابية التي يستحقها، مع التأكيد على إِبقاء ملف الأَسرى مفتوحا دائما، وعلى وجوب أن لا يتغافل عنه الكفاح السياسي الفلسطيني، إِن من جانب قيادة منظمة التحرير، أَو من المجتمع المدني والأَهلي، والذي أثبت جدارة ملحوظة في حماية قضية الأسرى من الإهمال والتناسي، وجعلها في صدارة الاهتمام الفلسطيني العام، الأمر الذي ساعد عليه أَن الأسرى أنفسهم أَبدعوا صيغا كفاحية في مواجهة الذئب الإسرائيلي، سقط أَثناءها شهداء عديدون، آخرهم ميسرة أبو حمدية، والذي صارع أمراضا خطيرة في زنازين الاحتلال، ويعد إِهمال علاجه جريمةَ حرب إِسرائيلية.

هذه التفاصيل، وأُخرى غيرها، تسوغ إِلى حد ما، التثنية على منجز رئاسة منظمة التحرير حين تنتزع من فم الوحش الإسرائيلي 82 أسيرا مختطفا، مقابل الانخراط في مفاوضات، فاشلة مسبقا، وعبثية على ما يجري نعتها في كل مواسمها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010