الخميس 1 آب (أغسطس) 2013

لكم مُفاوضيكُم ولنا حِمارَنا

الخميس 1 آب (أغسطس) 2013 par أحمد الدبش

إذا كان الحمارُ في عالمِنا العربي، لا يحظى سوى بنظراتِ العطفِ، والشفقةِ، من قِبَلِ البعض؛ وضرباتِ العصا القاسيةِ، من البعضِ الآخرِ؛ كما اعتُبِرَ في الأدبِ العربي رمزاً للغباءِ؛ فإنه في فلسطينِ تحوَّلَ إلى أيقونةِ سياسيَّةٍ، ورمز من رموزِ الثورةِ، والتمرُّدِ، منذ يوم 29/7/2013.
ويكفي أن نلقي نظرةً عابرةً على قصَّةِ الحمار مع الشعب الفلسطيني، التي بدأت يوم 29/7/2013، عندما قام المُستعمرونَ الصهاينة، بطرد أصحاب الأرض الأصليّين، في عينِ فارس بنحالين، غرب بيت لحم، إلا أن الحمارَ زمجرَ، ورفضَ الخروج من الأرضِ، وبدأت عيناه تُدمِع، بعد أن طُرِدَ صاحبَ الأرض الأصلي، ولسان حاله: لماذا طَردتُم صاحبي، وجلستم في أرضِهِ؟ أين أصحابُ الأرضِ الحزينةِ؟ أنا لست من البشر، ولكني أتساءل؛ من أنتم؟ وإجابتهُ حاضِره في عيناهِ الدامعتيْن: “أنتم غرباء عن هذه الأرض!”.
ويستطرد بألمٍ، وحسرةٍ، ومرارةِ: “هل سأعود في الموسمِ القادمِ إلى هذه الأرضِ مع ذلك”الخِتيار“(صاحب الأرض)؛ الذي يحرثُ، ويزرعُ، ويحصدُ، ويقطفُ الثِمار؟”؛ ولكنه لا يتوقَّع أنه سيكون غريباً لاجئاً؛ ويتمني أن يعود قريباً، ليساعد صاحبَهُ “الخِتيار”.

هذه الواقِعة تَنفي غباءَ الحمارِ؛ بل أنها تؤكِّد مواقف لا تخلو من فطنةِ، وذكاءِ هذا الحيوان. إن حماراً فلسطينياً رفضَ الخروجَ من أرضِهِ، والتنازلَ عنها؛ في حين أن من يُسمّون أنفسهم بالقادةِ الفلسطينيّين تكالبوا على مفاوضاتٍ؛ و“فَتحوا المزاد، وباعوا البلاد”؛ بالرغم من رفض كافة الفصائل الفلسطينيَّة العودة لهذهِ المفاوضات.
لقد اقتنعَ عباس بالتخلّي عن شروطِهِ لاستئنافِ المفاوضاتِ؛ حيث غابَ أيُّ وعد صهيوني بتجميدِ الاستيطانِ؛ و اكتفى عباس بإطلاقِ سراحِ الأسرى القَدامى من معتقلات العدو فحسب؛ وعلى دُفعات؛ فيما أكَّدَ وزيرُ العلومِ والتكنولوجيا في حكومةِ العدوِ الصهيوني، يعقوب بيري، أن الكيانَ الصهيوني سيكثّف البناء في الكتلِ الاستيطانيَّة الكبرى، خلال الشهورِ المُقبلةِ، وفي ظلِّ المفاوضاتِ، ومع اللعبِ على أوتارِ مسألةِ إطلاقِ سراحِ عدد من الأسرى.
على النقيضِ من موقفِ عباس - رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود؛ المُنتَهِيَة ولايتهُ منذ العام 2009؛ الذي تنازل عمَّا يقرُب من 78% من مساحةِ فلسطينِ التاريخيَّةِ؛ الذي نَعَتَ عمليّات شعبهُ الاستشهاديَّة بـ “الإرهابيَّة”، و“الحقيرة”؛ وأسلحتها بـ “العبثيَّة”؛ الذي نَسَّق أمنياً مع العدوِ الصهيوني، لاعتقالِ قادةِ المقاومةِ؛ الذي لم يَكُفّ عن تقبيلِ، وعِناقِ أعدائهِ؛ بل واستمرأ الحِفاظ على أمنِ العدوِ، كحفاظاً على أمنِ سلطتِهِ؛ هنا حَدِّثْ ولا حرج؛ عن العمولات، والسمسرة، والفساد داخل أروقةِ سلطتِهِ. وبعد كل هذه الخدمات التي قدَّمها عباس للعدوِ؛ ماذا كان رد ذلك العدو لجميلِ هذا العباس؟ تقسيم الضفَّةِ الغربيَّةِ إلى كانتوناتٍ؛ بناء جدار العزلِ العنصري؛ زرع طرق التفافيَّة؛ ضياع أكثر من 80% من مساحةِ الضفَّةِ الغربيَّةِ؛ تهويد القدس؛ إذلال الشعبِ على الحواجزِ؛ عدوان على غزة ؛ تشديد حصار على الضفَّةِ ؛ سُلطة تحت حذاءِ الاحتلال !
فرق شاسع ما بين الحمارِ الفلسطيني؛ الذي رفض الخضوعَ للعدوِ الصهيوني؛ والرحيل من أرضِهِ؛ وبين مَواقِف هذا العباس؛ الذي طَلَبَ من عدوِّهِ أن يُعطيهِ، وسُلطتِهِ الشرعيَّةَ، ومُبرِّرَ البقاء ؛ وهي المواقفِ التي تَعكس الذُل، والمُهاوَدَة، والاستجداء؛ وبين موقف الحمار هنا – كما ظَهَرَ من القصَّةِ – لقد كان الحمارُ ذكياً، وصاحبَ مَوقف، ورأيً صائب ؛ بل قُل أنهُ بالفِعل سياسي مُحنَّك، ولا يشملهُ ما أسموهُ بـ “الربيع العربي”.
ذكاء الحمار هذا قد أشارَ إليهِ الفليسوفَ، والشاعرَ الألماني“نيتشة”؛ وشاطرهُ الرأي الجاحِظ ، في كتابِهِ “الحيوان”؛ كما شرحَ ذلكَ مُفصَّلاً الدميري .
فعلى عكسِ الصورةِ السلبيَّةِ الشائعةِ، والرائجةِ عن الحمارِ، بين الكثيرِ من البشرِ؛ أثبت العِلمُ، والواقعُ أن الحمارَ حيوان ذكي، ومُخلِص؛ يتعلَّم، ويفهم، ويتحمَّل ظلمَ الإنسانِ، وجهلِهِ؛ ومن الحَميرِ من إذا ما قُورِنَت أعمالها، وأفعالها، وخدماتها الكثيرة؛ التي تمنحها بدون مقابِل؛ ببعضِ أفعالِ البشرِ من ظلم، وفساد، ونهب، وغِش؛ فلا ريب أن كَفَّةَ الحَميرِ ستَرجَح رجحًا! بل لن أكونَ مُبالِغاً إذا قلت، أنه لا يوجد هنا مجالاً للمقارنةِ.
كنتُ أتمنى أن يكونَ لدى من يُطلقون على أنفسهم “القيادة الفلسطينيَّة”، مشاعر هذا الحمار، وأن يَسيروا على نهجِهِ؛ ويَتّبِعوا مواقفَهُ السياسيَّةِ، ولعلّ المَثَل الفرنسي الشهير؛ الذي يقول: “إنَّ أمهرَ المهندسين يَتبع حماراً لشقّ طريق في جبلٍ”؛ لهو خيرُ دليل، على أن هناكَ بعض البشر، أدنى مرتبة من الحَميرِ بكلِّ المقاييسِ.
وفي الختامِ؛ أقولُ: “لكُم مُفاوضيكُم ولنا حِمارَنا”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2178481

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178481 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40