السبت 3 آب (أغسطس) 2013

تطبيقات النظرية التفكيكية

السبت 3 آب (أغسطس) 2013 par أ.د. محمد الدعمي

يذكر الذين يجايلون كاتب هذه الأسطر عقد الثمانينيات وأجواءه الثقافية، حيث أثارت “النظرية التفكيكية” Deconstruction جدلًا ساخنًا واستفزت حفيظة الكثيرين من أفراد الصفوة الثقافية في العالم العربي، مبررين، بالرغم من شيوع هذه النظرية في الدوائر الثقافية عبر العالم. كان المثقفون العرب على حق، كما أسلفت، لأنهم لاحظوا آثار التفكيك التشويهية والخطيرة إذا ما طبق على أي شيء كان، حتى وإن كان جهازًا بسيطًا، ذلك أن التفكيك، بدعوى التحليل، إنما يعطل الجهاز ويشوهه ويشل عمله؛ فكيف يكون الأمر إذا ما طبق التفكيك على أنساق اجتماعية وقيم وكينونات دينية وأخلاقية الغارقة في القدم!
التفكيك إذًا هو تشويه وتعطيل لوظائف الأشياء ولتماسكها، بدليل أنه معاكس للبناء Construction أو “للعمارة”: فهو يقسم الأشياء ويعزل مكوناتها التركيبية الصغيرة حتى تنتهي أدوارها، خاصة عندما نتيقن من أن الجزء لا يمكن أن يعمل أو أن يكون مفيدًا بلا الكل، أي كامل الكينونة بآلياتها المركبة: فما فائدة مضخة البنزين في محرك السيارة، إذا كانت جهازًا مجردًا! وتنطبق ذات الحال على جميع الكينونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية.
إن أية نظرة مسح شمولية لأوضاع عالمنا في الشرق الأوسط، لا يمكن إلا أن تظفر بآثار التفكيك على تشرذمه وانقساماته وتفاعلاته وصراعاته الجارية اليوم: فبينما تزداد إسرائيل تماسكًا وصلابة على أساس آصرة دينية لم تزل تجتذب الهجرة اليهودية من الشتات إلى “إسرائيل”، ترى دول العالم الشرق أوسطي وهي تتفكك تترى، وبلا توقف. للمرء أن يتفحص أية واحدة من الدول المحيطة بإسرائيل، وله أن يلاحظ كيف يشق التفكيك طريقه للتقسيم الذي لم يكن قابلًا للتقسيم حتى قبل بضعة عقود: العراق (شيعة وسنة؛ عرب وأكراد)، سوريا (شيعة وسنة؛ عرب وأكراد)؛ مصر (إسلاميين وليبراليين؛ مسلمين ومسيحيين)؛ لبنان (شيعة وسنة ومارونيين، من بين سواهم من الطوائف)؛ ليبيا، كما نرى اليوم (جماعات وميليشيات غير محددة الهوية متقاتلة فيما بينها)؛ تونس (حكومة وشعب ومعارضة!)؛ السودان (سودانين، وأنواع الصراعات الدينية والإثنية)؛ فلسطين (السلطة وحكومة غزة)، من بين سواها من دول الشرق الأوسط التي لم تنعم بالسلام من عقد لعقد طوال أكثر من نصف قرن بعقوده الثقيلة!
هذه النظرة الشمولية الماسحة لأحوال الإقليم إنما تدل على أننا نتفكك، بل ونستجيب لأدوات التفكيك على نحو جيد جدًّا يبعث المسرة والحبور في نفوس “الآخر”، درجة الانهيار مقابل المعاكس الذي يجري في إسرائيل: هي لا تتفكك، هي تتشكل وتتمدد وتمعن في العمل على تطبيق النظرية التفكيكية على الدول الشرق أوسطية الأخرى، كي تكون الخلاصة لا ريب فيها: هي القوة الرادعة الوحيدة عبر الإقليم الذي يغلي بشكل متواصل بحثًا عن حال استقرار تنتشله مما هو فيه وتعيده إلى ما كانت عليه الأحوال في سوريا والعراق وليبيا وتونس والسودان قبل حين، درجة تحول الحنين إلى الماضي إلى “ثورة مضادة” تأمل التخلص من غياهب ما سقطت به شعوبها بعد “ثوراتها” العجيبة الغريبة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 202 / 2165370

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165370 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010