السبت 3 آب (أغسطس) 2013

الفلسطيني بين تضخيم الهوية القُطرية وانفكاك العرب عن فلسطين

بقلم:سعادة أرشيد*
السبت 3 آب (أغسطس) 2013

تشكّل القضية الفلسطينية محوراً أساسياً من المحاور التي تدور حولها عجلة الحركة القومية، وقد ارتبطت هذه الحركة منذ نشوئها في أواخر العهد العثماني بمسألة الحفاظ على عروبة فلسطين، وبقائها ضمن الإطار العربي، في مواجهة المخطط الغربي لتهويدها وتقديمها وطناً قومياً لليهود الأوروبيين. فما هو وضع الفكر القومي والحركة القومية في فلسطين هذه الأيام؟ هذا ما تحاول هذه المقالة معالجته ببعض الاختصار.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتفكك الدولة العثمانية، بدأت الدولة المشرقية الحديثة تتشكل على وقع سايكس ــ بيكو، آخذةً من هذا الاتفاق المشؤوم حدودها وشكلها واسمها، ونوع الاستعمار الذي سيحكمها: إنكليزياً كان أو فرنسياً. كذلك بلورت بناءً عليه أنظمتها الحديثة وعملتها وثقافتها. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية فقد نالت هذه الدول استقلالها، حيث انتهى دور الاستعمار بشكله المعروف (الانتداب)، ومع أن حكومات وشعوب هذه الدول لم يكن لها رأي في حدودها التي رسمتها أقلام الرصاص الأنكلو فرنسية، إلا أن جموع شعوبه بقيت تنظر إلى تلك الحدود باعتبارها حدوداً مصطنعة، وأخذت تنتظر اليوم الذي تستطيع فيه إزالة تلك الحدود. إلا أنّ فلسطين بقيت خارج دائرة الاستقلال هذه، إذ إنها لم تنل استقلالها، وإنما أقيم على أرضها كيان غاصب، شتَّت أهلها في كافة أرجاء الأرض، فبقيت الجرح المفتوح والحلم الموعود والقضية الجامعة للمشرق خصوصاً وللعرب عموماً.
لقد ظهر الآن، وقد شارفنا على الذكرى المئوية لاتفاق سايكس بيكو، أنه قد نشأ بنحو بطيء على ضفاف تلك الاتفاقية ونتائجها وعلى حدود الكيانات الوليدة المصطنعة جموع وطبقات مستفيدة من حالة التجزئة والانقسام، ومن ثمّ بدأ بنحو واعٍ أو جاهل الضخ والنفخ في قِرَب الكيانية الضيقة، بحيث أصبح منظرو هذا الاتجاه يرون في كياناتهم أوطاناً أزلية، وأن سكان ومواطني هذا الكيان أو ذاك هم أمة تامة لها خصائصها وتاريخها المنفصل، وحق عليهم قول المثل الشعبي العامي: «كل ديك على مزبلته صيّاح». تقدست الحدود وكذلك التمسك بالتراب الوطني وظهرت ملامح ذلك بالتنافس بدلاً من التكامل في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية وانتهاء بالرياضية. وظهرت مشاريع عزل فلسطين عن مجالها الحيوي والطبيعي وحاضنتها القومية بشعارات تتناغم مع ما سبق ذكره، كالحديث عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل (وقد جرت ممارسته باعتباره مستقلاً عن الواقع القومي ولكن ملتزماً بالواقع الدولي)، ومنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وغير ذلك من شعارات هدفت إلى فصل فلسطين عن باقي المشرق للاستفراد بها. وهذا ما حصل؛ إذ تم الذهاب إلى أوسلو وتوقيع اتفاقياته تحت هاتيك الشعارات، وما الحالة الفلسطينية البائسة التي نعيشها اليوم إلا نتاج طبيعي للقرار المستقل ولوحدانية التمثيل. ولعل أعتى أعداء فلسطين والأمة ما كان ليحلم بمثل هذه الحالة المزرية التي تعاني منها فلسطين وأهلها وقضيتها اليوم بسبب تلك الشعارات الفارغة والمسمومة.
وهكذا فشلت دولة الكيان ــ التجزئة، وفشلت منظمة القرار الوطني المستقل على حدٍّ سواء، ولم تستطع أي منهما أن تحقق الوحدة وأن تتجاوز حدود سايكس ــ بيكو، وعجزت عن إقامة النهضة والسير نحو التقدم وبناء اقتصاد قوي مزدهر، ولم تحقق لمواطنيها الكرامة ولا الحرية، لا بل فشلت أخيراً في تقديم الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، وخسرت كل معاركها في مقاتلة الكيان الغاصب وأبدعت في تلفيق الذرائع الوهمية واستيلادها، وغفلت عن السبب الحقيقي، وهو أن واقع التجزئة لا يستطيع أن ينتج إلا الفشل والهزيمة والتخلف والمديونية والفساد؛ فهو كيان ذو وظيفة واضحة في خدمة الغرب وأجنداته بالمعني الكبير والواسع، والحفاظ على مصالح مجموعات وطبقات طفيلية وجدت بيئة مناسبة لتنمو وتتوالد على هوامش سايكس بيكو، مستفيدة من هذا الواقع بالمعنى الصغير والضيق.
في ظل غياب الوعي القومي، وتغييب حقيقة وحدة القضايا العربية في مواجهة الهجمة الغربية والصهيونية، فشل العرب في مواجهة إسرائيل وداعميها الغربيين. وفي خضم هذا الفشل، ظهرت الشخصية الفلسطينية وجرى تضخيمها وتوريمها، ولكن في مواجهة الشخصية الأردنية في الأردن واللبنانية في لبنان وهكذا... لا في مواجهة الشخصية الإسرائيلية، وجرى التخلي عن الكفاح المسلح لمصلحة التنسيق الأمني، وتوقف الحديث عن التحرير لمصلحة الحديث عن دولة، وأصبحت المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مختزلة ببضعة أشخاص لا تمثل أحداً غيرهم، وقد وصل بهم الأمر منذ أيام إلى استضافة غلاة قادة حزبي الليكود وشاس في مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية برام الله، وهي مكاتب مغلقة أمام الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني.
لقد مثّلت الحالة التي وصفناها أعلاه تراجعاً في قوة الفكر القومي العربي وتأثيره، واكتشف الفلسطيني أنّه يواجه آلة التدمير الصهيونية والغربية وحده، لا بل إنّ حكومات أشقائه العرب تعمل ضدّه وتتآمر مع أميركا لتصفية قضيته وترسيخ كيان عدوه. بيد أن هذه الحالة قد أنتجت واقعاً جديداً، فقد ظهرت الحركات الإسلامية السياسية بعيد انطلاق الانتفاضه الأولى، وفي لحظه انحناء تيارات وتنظيمات قومية ووطنية ويسارية سادت على ساحة العمل السياسي لعقود، وتقدمت هذه الحركات حاملةً موقفاً خالياً من الانحناءات وأخطاء العقود السابقة، وإرثاً من تاريخ الخلافة الراشدة وعدل عمر وبطولات خالد وتجارب صلاح الدين وعز الدين القسام، مستمدةً شرعية جديدةً من رفع شعار المقاومة والتحرير وممارسته والعمل من أجله، ومن تحالفها مع المشرق ومع العرب، مستفيدةً من أخطاء وفساد نظم التجزئة. ولقد كان هذا أساس شرعيتها وبه تستمر ومن دونه تفقد الشرعية وتنزع عنها.

*ناشط فلسطيني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2180715

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180715 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40