الاثنين 5 آب (أغسطس) 2013

لا تنس “الذل” خارج الوطن

الاثنين 5 آب (أغسطس) 2013 par نسيم الخوري

يفتح ملف الأقليات، على إيقاعات الحروب المتنقلة في دول “الثورات” العربية المتعددة وغيرها، وخصوصاً بعدما أورث سقوط بغداد كردستانين، فضلاً عن كردستان أخرى كانت موجودة بالفعل، واحدة في شمالي العراق، لا يربطها بالحكومة المقيمة في بغداد بها سوى النفط والخوف، وثانية في شمال وشمال شرقي سوريا تنعم منذ عامين بشبه إدارة مستقلّة سميت مبدئياً كردستان الغربية، وثالثة بين أوجلان وأردوغان والأسد ومصالح القوى المتنوعة المتجمّعة هناك . قطعاً لن ننسى تحول السودان إلى سودانين . فهناك الكثير من الأقليات الأخرى أو بقاياها التي تجدّد شهيّة أحلامها شبه المستحيلة للنضال بهدف الانفصال أو انتزاع الحقوق المشروعة، من دون الأخذ في الاعتبار أنّ شبه انقراض كان يتهددها في لبنان والعراق وسوريا . تلك معضلة ديمغرافية وسياسية تدوم وستورث العالم كوارث لا يمكن حصرها عندما تتجمّع الأحقاد فوق أرصفة العواصم الغريبة حيث يمضغ المرء الذل عسلاً في غير وطنه .

والواقع أن مسألة الأقليات حاضرة تاريخياً في القارات الخمس، ولها موسوعات ومنشورات وخرائط وتواريخ وأحلام وتورطات مفصّلة، لكنها تتعثّر دائماً بأمرين متناقضين: مشقّة توحيد مكونات بنى تلك الأقليات من ناحية، ومشقّة قدرتها على الانفصال أو الانقسام عن الأكثريات ولو كانت هذه الأكثريات تفتقر إلى صيغة الجمع أو التوحّد . وخارج هذين المتناقضين، يمكن تعداد قوائم لا تنتهي من الكيانات الصغيرة التي لم تجعلها الحروب والصراعات المزمنة تنعم بالاستقرار .

هناك فكرة تجعل الأقليات متشابهة، تتمحور حول التمايز أو الاختلاف كي لا نقول الافتراق عن الأكثريات . قد نجد أقليات معززة وأخرى مقموعة ومضطهدة، للأولى تاريخها ولغتها ومدارسها وصحفها ووسائل إعلامها وأناشيدها، وللأخرى قهرها أوصراعها الدائم المكلف المتأرجح بين ضفة وأخرى أو بين الحقوق والواجبات في المجتمعات التي تضمّها . وهذا ما يفرض علينا التمييز الحذر بين الأقليات من ناحية والمهجّرين والمهاجرين أو المجموعات الدينية أو الإتنية المتكتّلة لكنها غير الثابتة في العالم، من ناحية أخرى، والتي تتحرك وفقاً لوطأة الحروب أو التطورات الاقتصادية مثل ما يحصل مع فلسطينيي الشتات أو الفيتناميين والكومبوديين أو الإيرلنديين أو السكندينافيين والألمان والسلاف والإيطاليين واللبنانيين في عواصم العالم الغربي وغيرها . صحيح أنّ الاحتجاجات وإطلاق الحملات والجمعيات التي تؤكّد على الخصوصيات الدينية والثقافية والفولكلورية هي واحدة وهي لم تغب على الإطلاق، وتجمع الأصوات، لكنها حركات غالباً ما تؤدّي إلى تعقيدات وثورات هائلة مكلفة، وربّما الى نزاعات خطرة بين الأمم الكبرى بحيث تسقط المقولة التاريخية الراسخة التي ترجّح الغلبة لمن هو أقوى فلا تعود القوة معادلة للحق .

يمكننا، إذاً، وضع خطٍّ أحمر تحت المسألة الكردية في العراق وسوريا وتركيا وإيران وذلك لسبب متجدّد بسيط هو أنّ المنطقة هناك هي ربّما الأكثر التهاباً فوق خريطة العالم، ومنها يتورط الكثير من الدول الإقليمية والعالمية أو تقلق، ومعها تستيقظ أحلام الأقليات مجدداً وتروّج للأفكار التقسيمية والخرائط والخطوط المتجددة التي تجعل منها وقوداً، بينما العالم يبحث عن نظامه وحصص دوله الجديدة . لماذا؟ لأنّه ملف يعني مجموعات من الدول العظمى والإقليمية الواقعة كلها في دوائر الضغوط والصراعات التي لم تعد مخيفة بين الغرب والشرق . البحث في أمريكا تحديداً القادرة على توسيع المحور الانفصالي ليطاول بلاداً قد لا تخطر في بال وفي رأسها تركيا . ووضع الإصبع فوق الأكراد يعني أيضاً وضعها فوق أراض مغمّسة بالنفط والماء . فحيث هناك أقليات هناك حضور استراتيجي لتلك الأقليات فوق عصبي الحياة والاقتصاد أي الزيت والخصوبة وهما أساس استمرار الصناعة والحروب والغزوات الصغيرة والكبيرة .

من الطبيعي، إذاً، أن تشغل المسألة الكردية حيّزاً مهماً من السياسة العالمية وتجذب وسائل الإعلام في المنطقة العربية . ليس في الأمر جديد لأنها مسألة موغلة في التاريخ تفصح عن تاريخ مصفوف متجدد من الصور التي تبرز رتابة أحلام الأكراد في الجغرافيا، فهم يظهرون بقعاً من الناس المتشابهين المتوزعين من شمالي طهران إلى حوض البحر الأبيض المتوسط يجمعهم حلم واحد قائم في اللاوعي ويطفو على مستوى السلوك السياسي والخطاب مع كل ظروف جديدة مستجدّة . ويبدو هذا الحلم دولاً ممكنة التحقيق على الدوام، لكنها، لا تدوم فوق تلك الجغرافيا المتشظية أو المشتتة والمشتعلة ولا تعمّم . وما يسهل التفكير به في واشنطن تحديداً أو في أية عاصمة أخرى، يبدو وعراً السير فيه أو رسمه أو المحافظة عليه إن رسم فوق أرض الواقع لأنّه، على الأقل، يسهّل الانقراض .

هذا الحلم المتجدّد اليوم كان يورث كلمة “الأمة” الكردية الدماء بين الأكراد أنفسهم حيث كان القتل يتمّ على الألوان حيث الأصفر يمثّل مسعود البرزاني والأخضر جلال الطالباني وحيث اكتست أماكن نفوذهما كل حسب لونه، كما يتم القتال أيضاً بينهم وبين الأنظمة القائمة في مناطقهم، فبدوا، مثل غيرهم من الأقليات، كتلاً مسكونة بالبلقنة تنسحب تجربتهم على الكثير من التجارب الأخرى .

نشرت في هذه الصفحة بالذات في 18 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، مقالاً بعنوان: بلاد الألف ثورة، ووضعت فيه “الدولة الكردية” بين قوسين، مسنوداً إلى المحاولات اللبنانية المشابهة التي فشلت، كدليل طافح بفشل الأقليات في بناء دول مستقرّة مباركة مستمرة . أورثني المقال الكثير من الانتقادات غير الموضوعية وإنني لمتفهمها . لست الآن بصدد نزع القوسين من حول عنق أيّة أقليّة تطمح الى أيّة دويلة لها في الوطن العربي . يكفي التذكير ب”إسرائيل” المسكونة تاريخياً بشهوتين: شهوة النفط وشهوة الماء منذ أن رفعت الحركة الصهيونية شعار حدودها من الفرات إلى النيل، وهو الشعار الذي كان وراء قيامها والمحافظة عليها وتقويتها في المحافل الدولية . لكنّ “اليهود” أقليّة استثنائية لا تشارك أحداً بفعل عنصريتها وهي ليست قاعدة يمكن تطبيقها على الأقليات الأخرى في العالم، إلاّ لمزيدٍ من استقرارها وفوضانا وتشظياتنا . هم يسبحون في محيطات العالم وبحوره، ويسحبون نفطنا ومياهنا ولو بقينا في جفاف الأجران بين قوسين نتقاتل بحثاً عن الدويلات الصغيرة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178172

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178172 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40